لاتحزن .. بقلم الشيخ محمود الجاف

17 مايو 2018آخر تحديث :
إعلان
لاتحزن .. بقلم الشيخ محمود الجاف

الشيخ محمود الجاف / تركيا بالعربي

قال تَعالى ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) البقرة

هبَّت علينا رياحُ الهُموم وغَشيَنا ظلامٌ كَثيف وحاصرَتنا الأحزان وحَيثُما نلتفت فثمَ وجهُ المَوت . ولكن إذا أغلق الشتاء أبواب قلبك وحاصرتك تلال الجليد فانتظر قُدوم الربيع وسترى أسراب الطُيور عادت تُغني . والشَمس تلقي بخُيوطها الذهبية فوق أغصان الشجر . لتصنع لك حُلُماً جديد . وتعيدُ لأيامك البهجة والسُرور والناس مَعادن . تَصدأ بالمَلَل وَتَتَمَدَد بالأمَل وَتَنكَمش بالألَم وَالثقة بالله أزكى والتَوكُل عليهِ أوفى عَمَل .

تذكروا دوما إن القائد الناجح : هو الذي يُحول الفشل إلى نجاح والدموع إلى ابتسامة والضعف إلى قوة …

وُلدَ النبي مُحمد صلى الله عليه وسلم يَتيمًا وَعاشَ فَقيرًا وَعُذِب وكُذبَ وطُعِن في عِرضِهِ ووُضِعَ سَلا الجَزور على ظَهره وعند ذهابِه للطائِف أدموا قَدمَيه فَدَعا الله أن يُخرجَ من أصلابهم من يَنصُر هذا الدين . رغم انه ذهب لإنقاذهم مِن بَراثِن الشِرك .

إعلان

كَثُرَت الفتن وتتابعَت تَموجُ يرقُقُ بَعضها بَعضًا فلا تَحزَنوا لِتَجمُع أحزاب هذا الزَمان عَلينا واغتنموها فُرصَة لِدفق الأمَل في قُلوبٍ أحبَطَها اليأس وَابشِروا وأمِّلوا ما يَسُرُكُم فَعُمر الإسلام طَويل . في الغار ورَسولُ الله صَلَ الله عَليهِ وَسَلَم يَنظُر إلى أقدامِ المُشرِكين قالَ ( لا تَحزَن إنَ اللهَ مَعَنا ) وَكانَ مُطارَداً وَيُبشِرُ سُراقَة بِأنَهُ سَيَلبَس سِوارَي كِسرى . وَفي الخَندَق إعترَضَتهم صَخرةٌ لم يَستَطيعوا تَحطيمها فأخبَروه صلى الله عليه وسلم فَضَربَها وهو يقول الله أكبر أعطيتُ مَفاتيحَ الشام والله إني لأبصِرُ قُصورَها الحَمراء الساعَة . ثُمَ ضَربَها الثانية وَقال : الله أكبر أُعطيتُ مَفاتيح فارس والله إني لأبصِر قَصر المَدائِن الأبيض . ثُم الثالثة وَقالَ : الله أكبر أعطيتُ مَفاتيحَ اليَمَن وَالله إني لأبصِرُ أبوابَ صَنعاء مِن مَكاني هذهِ الساعَة فَتَكسَرَت .

لا تَجعَلوا للناس مَواسِم لِفَتحِ الجِراح وَالنُّواح عَلى مَآسينا وَتِعداد المَصائِب وَالتَوجُع لِما يَحلُ بِنا فَلَن يَكون عِلاجَها بِالوجوم وَالتَحازُن بَل بِالرأي السَديد وَالعَمل الرَشيد وَالشَجاعَة أمامَ الخَطأ وَلو إنا قَتَلنا كُلَ فَرحَة وَأطفَئنا كُلَ بَسمَة وَتَلفَّعنا بِالغَم ما حَرَّرنا شِبراً وَلا أشبَعنا جوْعَة وَلا أغَثنا لَهفَة وَإنَما وَضَعنا ضَغثاً على إبالَة وهكَذا الإعتِصام بِالله فَقَد كانَ إذا أصابَهُ غَم لَجأ إلى الصَلاة يَشكو إلى رَبَهُ وَيُناجيهِ فَهُوَ يَهوي إلى رُكن شَديد .

فَيا مَن وَقَعتَ في شِدَة إرفَع يَدَيكَ إلى السَماء وَادعو وَالله يَعصِمُكَ مِنَ الناس

قالَ الشاعِر :
ألا قولوا لِشَخص قَد تَقَوى
عَلى ضَعفي وَلَم يَخشى رَقيبا
خَبَئتُ لهُ سِهاما في الَليالي
وَأرجو أن تَكونَ لهُ مُصيبا

هل لكَ أن تكونَ مِن الأوائل ؟

عبارة كان يعرضها صلى الله عليه وسلم على الناس في بداية الدعوة احدهُم ذو الجَوشَن الضَبابي حين كان عدد المُسلمين أربعة فقط لكنهُ قال : لا : إنما أنتظر فإن انتصَرت آمنت بِك . ولعلَه كان يقول في نَفسه : ماذا بوسع رجل واحد أن يفعل ؟ أنى يَنتصِر دين يدعوا لهُ هؤلاء ؟ وكَيفَ يَسودُ مبدأ تُقاتل في سَبيله هذه القلة ؟ ومَضَت الأيام فإذا هم جَيش جَرار يفتح مَكَة وساعَتئذ وقفَ يُعلنُ إسلامَه نادماً وهو يقول : ” يا ليتني كُنتُ خامِسهُم “. وكَثير من الناس يختاروا الانتظار . ورغم ذلك أنجَبَت تلكَ الأيام رجالا ونساءا صَدقوا ما عاهَدوا الله عَليه نَشروا العَدل والهِدايَة وهكَذا هيَ الدنيا تَدور ويَشاء الله أن يُعيد بِنائهم مِن جَديد ولهذا سَيخرج من بين بَراثِن هذا الألم جيل يُعزِ الإسلام وأهلهُ وَيُعيدوا الحَق الذي ضاع ويقتَصوا مِن الرِعاع .

يَبكِي رِجَالٌ عَلَى الحَيَاةِ وَقَدْ …… اشْتَقْتُ يَا قَوْمِي إِلَى قُرْبِ الأَجَلْ
مِن قَبلِ أَنْ تَعْرُضْ لِقَلْبِي فَتْنَةٌ … فَتَصْرِفُهُ عَنْ طَاعَةِ المَوْلَى الأجَلْ

فلا تَهنوا ولا تَحزنوا فَقد وَعَدَنا الله بِنَصرِه إنهُ لا يُخلفُ الميعاد

أليسَ اللهُ بِكاف عَبدَه ؟ فَلِماذا نَشكو إلى الناس وَنَبُثُ الهَزيمَة في مَجالِسِنا وَاللهُ يَقول ( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُون (َ 64 ) الأنعام … صَدقَ اللهُ العَظيم

اللهمَ أحيينا ما عَلِمتَ الحَياة خيرًا لنا وتَوفنا ما عَلمتَ الوَفاةَ خيرًا لنا وإذا أردتَ فتنَة قَوم فاقبِضنا إليكَ غَير مَفتونين ولا مُبَدلين وَلا مُغيرين ياربَ العالمين .

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف 21

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.