قراءة جديدة للتحولات التي شهدتها الخارطة العشائرية السورية
إعلان
كانت ولا تزال الورقة العشائرية هي من أهم الورقات على الساحة السورية، بسبب الرقعة الواسعة لمناطق انتشار العشائر، فضلاً عن نسبتهم المرتفعة في مكونات المجتمع السوري، إذ نتحدث عن نحو 70 % من كافة أطيافه.
إعلان
فمع بداية الثورة السورية عام 2011 كان أبناء العشائر هم المحرك الرئيسي لها، كما شاركوا بشكل أساسي في الحراك الشعبي، وذلك بسبب الظلم والتهميش الذي وقع عليهم خلال حكم نظام الأسد الأب والابن، حيث كان هناك تعمد واضح بتفكيك العشائر ونشر الأمية في صفوفهم، وذلك من خلال حرمانهم من مرافق الحياة الرئيسية سواء في قراهم أو في تجمعاتهم.
إعلان
إلا أن نظام الأسد ومن خلال أفكاره الشيطانية، استمات جاهداً لكسب بعض العشائر إلى صفه، وهنا انقسمت العشائر في سوريا بين موالٍ ومعارض لنظام الأسد، وحدثت هذه الانقسامات تبعاً للامتيازات التي حصل شيوخ تلك العشائر عليها.
إعلان
وخلال سنوات الثورة السورية الماضية توالى ظهور شخصيات عشائرية عديدة، ومنهم من تسلم مناصب قيادية فيها ومنهم من كان له ظهور ثوري قوي، ومنهم من غير ولائه مراراً وتكراراً وانتقل من طرفٍ إلى آخر، ونذكر بعضهم:
إعلان
“نواف راغب البشير”
إعلان
ابن بلدة محيميدة بريف دير الزور الغربي، غادر سوريا نهاية عام 2011 متوجهاً إلى تركيا، حيث لم يكن له أي دور مشرف في مسيرة الثورة السورية على الرغم من وزنه العشائري الثقيل حتى عام 2014، وبعدها أصبح على تواصل مع تنظيم داعش من خلال المدعو “مهيمن الطائي”، الذي كان وسيطاً بين “البشير” و”داعش”، ووصفت علاقة البشير بالتنظيم بالعلاقة الودية والطيبة قبل القتال بين “داعش” وفصائل الثورة السورية، حيث كان هناك سعي كبير من قبل “داعش” لاستمالة “البشير” لصالحها.
إعلان
وفي نهاية عام 2016، غادر “نواف البشير” الأراضي التركية متوجهاً إلى روسيا ومن ثم إلى إيران في زيارة استمرت لأيام، والتقى خلالها بعدد من مسؤولي البلدين، وفي مطلع عام 2017 غادر “البشير” مع عائلته الأراضي التركية إلى لبنان ومنها إلى دمشق، بالتنسيق مع “عمر عاشور” عرّاب ميليشيا “لواء محمد الباقر”، الذي ينتمي لقبيلة البقارة في محافظة حلب.
إعلان
وبعد دخوله إلى سوريا قام “البشير” بإجراء أكثر من لقاء مع قنوات نظام الأسد، وتحدث فيها عن المعارضة السياسية السورية وكيفية ارتهانها للجهات الدولية والإقليمية وخاصة تركيا ودول الخليج وأميركا، واصفاً فصائل المعارضة العسكرية باللصوص وقطّاع الطرق، حيث أنه حالياً يقود تشكيلاً عسكرياً مسلحاً موالياً لميليشيا الحرس الثوري الإيراني في محافظة دير الزور، ويعتبر الرجل الإيراني العشائري الأول في سوريا.
“أحمد عوينان الجربا”
ابن مدينة القامشلي بريف الحسكة، الشخصية الجدلية التي دخلت الثورة السورية من بابين هما “باب العشائر” و”باب تسليح الثورة”، فكان “الجربا” يسعى لتمثيل العشائر في المحافل الدولية وتصدير نفسه ممثل وحيد لهم، رغم عدم تواجد إجماع كامل عليه بسبب سيرته الذاتية المخفية وملاحقته بسوريا قبل اندلاع الثورة جراء قضايا جنائية بحتة.
إضافة إلى ترحيله من السعودية إلى سوريا في عام 2008 بتهمة تجارة المخدرات، حيث سجن على إثرها لمدة عامين، ليتصدر “الجربا” بعد ذلك رئاسة الائتلاف الوطني السوري وواجهة التسليح في سوريا، فحصل على إثر ذلك على عقود شراء أسلحة من أوكرانيا لصالح الثورة السورية، ولكنه أصبح يشتري السلاح المستعمل بدلاً من الجديد، يذكر أن فترة تسلمه هي الطامة الكبرى التي تعرض لها أكبر جسم سياسي معارض في سوريا.
إعلان
وبعد انتهاء فترة ولاية “أحمد الجربا” للائتلاف قام بتأسيس “تيار الغد السوري” الذي أطلقه في القاهرة، حيث لم يقم “تيار الغد” بالكثير من النشاطات، حتى بات يبدو كما لو أنه مجرد “منصة” يقف عليها “الجربا” بعد فقده لمنصبه الرسمي في الائتلاف، إلا أنه تبعاً لعمالته التي باتت واضحة لروسيا ولنظام الأسد تدخل معهم لإنجاز بعض صفقات المصالحة والتسوية مثل التي حدثت في الغوطة الشرقية لدمشق وفي ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي عام 2018، عبر علاقاته السابقة مع بعض الفصائل العسكرية التي كانت تعمل في تلك المناطق مقابل اغرائهم بالامتيازات والأموال.
وحالياً يتحرك “أحمد الجربا” مجدداً إلى العاصمة الروسية بغية التقرب أكثر من نظام الأسد والعودة إلى حضنه، وخاصة بعد معلومات مسربة تفيد بتقديم “الجربا” خلال لقائه الأخير مع “لافروف” دراسة حول تنسيق عودة طوعية آمنة للاجئين السوريين من الدول المنتشرين فيها إلى مناطق سيطرة نظام الأسد مقابل السلطة والجاه في المرحلة المقبلة.
كما تبدل ولاء شخصيات عشائرية كثيرة غير الذين تم ذكرهم، أمثال:
– “فاضل السليّم”، والذي كان عضواً في الحراك الثوري وعضواً في المجلس الوطني، ومن ثم لجأ إلى فرنسا، ليعود بعد ذلك إلى سوريا، ويصبح أميراً في تنظيم “جبهة النصرة”، وبعدها بايع تنظيم “داعش” وأصبح شرعياً لمدينة الشدادي بريف الحسكة، وأخيراً أبرم تسوية مع ميليشيا “قسد”، ليبدأ عمله الجديد ضمن جهازها القضائي.
– “محمد الحلو”، وهو من شيوخ عشيرة عدوان، والذي كان عضواً في مجلس الشعب التابع لنظام الأسد، وأعلن انشقاقه لاحقاً وانضم لصفوف المعارضة السورية، وعاد بعد ذلك إلى حضن نظام الأسد.
– “فيصل الغنام” وهو من وجوه عشيرة بني سبعة، الذي كان قد تحول أيضاً من فصائل الثورة السورية إلى أمير في تنظيم “داعش”.
– “محمد العبيد الخليل”، وهو شيخ عشيرة حرب، الذي كان قد تحول من فصائل الثورة السورية إلى ميليشيا “قسد”.
وهنا نستطيع القول بأن شيوخ العشائر في سوريا انقسموا بحسب ولائهم وبدلوا مواقفهم الأساسية تبعاً لمصالحهم، إلا أنه في ذات الوقت لا يزال هنالك شيوخ وزعماء عشائر محافظين على مبدأهم الأول ومتمسكين بثوابت الثورة السورية وبكافة أطيافها، كما ولا يزالون يدعمون الحراك الثوري السلمي والمسلح ضد نظام الأسد، ومن هؤلاء الشخصيات:
الشيخ “راكان خالد الخضير”
أحد زعماء عشيرة “زبيد”، والشخصية المجمع عليها عشائرياً، حيث كان له دور كبير بتنظيم أبناء العشائر في الجنوب السوري تحت جسم وكيان واحد، وكان المنارة والقبة الأكبر لهم، وهو الذي احتوى معظم شباب العشائر، كما منع تنظيم “داعش” الإرهابي من وضع أقدامه في قرى العشائر في جنوب سوريا.
وقد عمل “الخضير” بعد خروجه من سوريا عام 2012 على رؤية بناء جسم عشائري يعيد للعشائر بريقها، وإشراكهم بكل مقررات المستقبل السوري، حيث لاقى صعوبة بالغة وعراقيل كبيرة بوجهه، فكان هناك حرب ضروس حقيقية بمحاربة مشروعه من قبل عدة تيارات، منها الإخوان المسلمين والسلفيين الجهادين، إضافة للعدو الإيراني ونظام الأسد.
مشروعه العشائري لم يتنازل عن حق واحد من حقوق أبناء العشائر، وكان الوحيد الذي يملك رؤية هادفة ويتواجد على الأرض، وعلى الرغم من العديد من المغريات الشخصية لصالح “الخضير”، إلا أنه رفض أن يكون كسلفه واستمر على نهجه الذي بدأ به، رافعاً لشعار الحرية والديمقراطية والمساواة ومدافعاً شرساً عن أبناء العشائر بكل المحافل، والممثل لعشائر سوريا في هيئة التفاوض العليا منذ عام 2017، وعضو الائتلاف السوري المعارض.
ولا تزال الشخصية العشائرية لـ “راكان الخضير” هي الشخصية الوحيدة المحافظة على نهجها في السير على مبادئ الثورة السورية وحقوقها، رغم السعي الحثيث لعدة دول ومنها روسيا لاستمالة “الخضير” لمشروعها، ولكن الرفض كان قائم في جميع المناسبات.
“سالم عبد العزيز المسلط”
شيخ قبيلة “الجبور” في سوريا والعراق، ورئيس مجلس القبائل السورية، وعضواً سابقاً في المكتب التنفيذي للمجلس الوطني، والمتحدث السابق باسم وفد الهيئة العليا للتفاوض السورية.
حيث يشغل “المسلط” حالياً منصب رئيس لجنة الحوار الوطني في الائتلاف الوطني السوري، كما يعتبر باحثاً في الشأن الخليجي، وحاصل على ماجستير في العلوم السياسية من الولايات المتحدة الأمريكية.
ويبرز “المسلط” كثيراً في فضح ممارسات ميليشيات “قسد” والأحزاب الانفصالية الإرهابية الموالية لها، كما ويدعو في كل المحافل الدولية إلى ضرورة القضاء عليها وعلى أجنداتها، وتطهير منطقة شمال شرق سوريا منها، باعتباره ينحدر من محافظة الحسكة في تلك المنطقة.
“مضر حماد الأسعد”
وهو يشغل حالياً منصب المنسق العام والمتحدث باسم المجلس الأعلى للعشائر والقبائل السورية، ومدير الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، فصلاً عن كونه كاتب ومحلل سياسي له وزنه وسمعته التي لا غبار عليها.
الجدير بالذكر أنه بات من الواضح أن هناك فرصة جديدة تلوح في الأفق للعشائر في سوريا، وذلك من أجل أن تكون لاعباً رئيسياً على مستوى البيت الداخلي السوري، إلا أن المعضلة الأساسية لدى بعض العشائر تكمن في غياب القيادة، وعدم قدرتها على صياغة علاقات اجتماعية متينة مع العشائر الأخرى.
لذلك يتوجب على تلك العشائر أن تبتعد كل البعد عن القيادات التي لم تثبت على مبدأ الثورة والتغيير التي انطلقت فيه عام 2011، ولجم كل من يحاول العبث بالنسيج الاجتماعي السوري وبوحدة التراب السوري، والاجتماع على مشروع وطني يخدم قضية الشعب دون وجود مكان لنظام الأسد وميليشيا “قسد” والتنظيمات الإرهابية.