المواطن السوري ما بين الكفر والخطة الاقتصادية الجديدة

17 يونيو 2020آخر تحديث :
المواطن السوري ما بين الكفر والخطة الاقتصادية الجديدة

اقتراب تفعيل قانون قيصر الذي فرضته الحكومة الأمريكية على النظام السوري كخطوة عقابية كما وصفته , أثر سلبا على الشارع السوري من قبل أن يدخل حيز التنفيذ و يقيد تعاملات الحكومة والنظام الحاكم , ليتبين أن هذا القانون هو عقاب جماعي شمل الشعب السوري وأثر عليه سلباً في المبدأ , من قبل أن يؤثر على من يتعامل أو يدعم السلطة .

فمع بلوغ الشهر الذي يرافقه تفعيل هذا القانون ، ارتفعت قيمة الدولار مقابل الليرة السورية , لتسجل العملة المحلية أدنى مستوياتها النقدية في التاريخ, حتى وصل سعر الدولار الواحد إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية خلال منتصف هذا الشهر، ما أدى الى غلاء أسعار السلع المحلية والمستوردة في سوريا ، وهو ما سبب في فزع المواطن السوري ، لما حمله هذا القانون من مأساة جديدة ترتبت على الشعب دون السلطة.

ما بين آراء ايجابية حول فرض هذا القانون وبين رفضه، اختلف السوريون كافة ، ولكن ما ان بات الأمر واقعاً , تباينت ردود فعل الشارع حول القانون بطريقة سلبية ، لتخرج التصريحات المنددة بهذا العقاب الجماعي من الداخل السوري وخارجه ، لكون قيود قيصر تسببت بضرر كبير , مستهدفتاً الشعب السوري، خلافاً لما تم الحديث عنه بأن القانون يؤثر على الحكومة والنظام الموفر لها كل شيء على ما يبدو , فلقمة العيش الإرث الوحيد من السماء، باتت موضع تقنين في البيت السوري ، وذلك بسبب غلاء الأسعار وشح المواد التموينية . والتي كانت سبب ذعر وضجة أصابت الشارع .

الإحتجاجات الشعبية جعلت الحكومة السورية تطلق التصريحات , وتحاول طمأنة المواطن بقولها أنها تعول على دعم الحلفاء, الا وهم روسيا والصين , ولكن الأمر أخذ أبعاداً سياسية أكثر مما كان متوقعا، وكالات الاعلام ومراكز الدراسات وحتى السياسيين الغربيين الذين كانوا يشجعون على ضرب مصالح النظام السوري وتقييد نشاطه من خلال هذا القانون ، باتوا يراقبون حالة الشارع السوري وينظرون بالقانون العقابي على أنه شكل مأساة إنسانية على طول الجغرافيا السورية . لتصبح الردود سلبية على هذا القانون ، ويفقد الغربيون لذة الانتصار بتفعيله، لأنه استهدف لقمة عيش المواطن لا السلطة .

من ناحية اخرى اتخذت الحكومة السورية اجراءات اولية بدأتها بحملة امنية على المتلاعبين بقيمة الدولار من شركات صرافة و تجار عملات السوق السوداء ، بالإضافة إلى أنها أقالت رئيس الحكومة الذي رأت فيه المسبب للانهيار الاقتصادي المفاجئ . تبعا لهذا اراد تجار سوريا التدخل وأخذ دورهم لتغيير الموازين، وجعل القانون قيصر أقل ضررا على الدولة السورية ككل . فقد عقدت غرفة التجارة السورية اوائل هذا الشهر اجتماعات على مدار أيام ، لخصها البعض بأنها بداية انفراج من هذه الازمة, وحسب تسريبات عن القرارات التي اتفق عليها التجار والحكومة والتي لم يعلن عنها ، فقد كانت خطة اقتصادية حملت مبدأ ” التقليل من الخسائر وتدارك الموقف” .

الخطة التي تم الاتفاق على تنفيذها بنيت على أسس وبنود ألا وهي:

أن يتم منع تداول القطع الأجنبي من العملة الامريكية الدولار نهائياً ، وأن يتم الاستعاضة عنها بالعملة الاوروبية اليورو ، والتي ستكون مسموحة التداول في التعاملات الرسمية والشعبية , وذلك كي لا تبقى الهيمنة على السوق مرهونة بعملة الولايات المتحدة الأمريكية .
الأخذ بعين الاعتبار أن سوريا بلد تجاري ومصنع، وأن تدني قيمة العملة المحلية أدت الى انخفاض اجور الايدي العاملة مقارنة بالأجور في أرخص بلد مصنع في العالم ألا وهي الصين ، لتصبح السلعة السورية ارخص بضعفين من سعرها في السوق الصينية ، مما يتيح المجال لتعود سوريا كدولة مصنعة ومصدرة للسوق الاوروبية والعالمية دون تدخل الحكومة المفروض عليها العقوبات ، مما يعني أن يُتاح المجال ليكون في سوريا تعامل شعبي مع الشركات التجارية الاجنبية , بمعزل عن تعامل الدولة مع التجار الأجانب كي لا تشملهم العقوبات الامريكية .
دعم بناء المصانع و المشاغل والورشات الحرفية ، وتقديم القروض والتراخيص اللازمة ، ليتم اعادة حركة الإنتاج لطبيعتها التي كانت عليها قبل عام 2011 .
اتاحة فرصة استقطاب الشركات الاجنبية والعربية, وذلك من خلال افتتاح سوق تجاري حر على مدار العام على أرض مدينة المعارض في العاصمة دمشق، وأن يكون جميع الزوار الأجانب والعرب محميين من قبل الدولة, وموفر لهم كافة التسهيلات في التنقل والتسوق، خلال زيارتهم التجارية لسوريا .
ازالة او تخفيض الرسوم الجمركية للحد الادنى للصادرات والواردات , كي يستطيع المصنع تخفيض قيمة السلع التي ينتجها، ولكي لا تكون الأسعار مرهونة بقيمة المدفوعات في شراء المواد الأولية ، أو تكاليف الاستيراد والتصدير .

أما عن رأي الشارع السوري وبعض المطلعين على هذه القرارات التي طرحتها الخطة الاقتصادية التي يتم هيكلتها لتكون قيد التنفيذ في غضون الشهور الثلاث القادمة ، فقد رأى كُثر أنها خطة تساعد بشكل كبير على كسر الحصار الامريكي ، وانها ستدعم المواطن السوري بتأمين رزقه بعيداً عن الدولة المُعاقبة ، وذلك لأن القرار يستهدف تعاملات الحكومة ورموز النظام مع الخارج ، لا تعاملات المواطن السوري المدني ، بالإضافة الى أنها فرصة ليتم توجيه السوق الاوروبية الشعبية تجاه البوابة الصناعية السورية التي تتمتع بسمعة جيدة لدى الغرب , لكون سوريا بلد مصنع لا ينكر أحد حُسن حرفته .

وبعيداً عن آراء الشارع والخطة الاقتصادية الجديدة، نرى أن القانون قيصر لن يكون طويل الأجل ،وإنما سيكون ملغي في وقت لاحق من خلال تفاهمات معينة، أو أنه سيصبح مثل أي مرسوم رقابي ليس له أهمية مستقبلية ، وذلك خلافا لما روجت له الحكومة الأمريكية , بأن تنفيذ قانون قيصر سيقيد النظام السوري ويعاقب داعميه , مما سينتج عنه انهيار النظام بالكامل أو تسليمه الحكم .

فالقانون الذي أقره مجلس النواب الأمريكي، في 15 من تشرين الثاني 2016، والذي وقع عليه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 21 من كانون الأول 2019 ، بقي قيد المماطلة ثلاث سنوات حتى تم تفعيله ، ما يعني أنه تم العمل به قبل انتهاء ولاية ترامب المرتقبة أواخر هذا العام ، في ظل تراجع شعبيته بشكل كبير ، والتي ستؤدي حسب رؤية خبراء في السياسة الامريكية الى ان الحظ يحالف المرشح الرئاسي “جون بايدن” النائب السابق للرئيس باراك أوباما، ليكتسح النتائج و يفوز بالرئاسة ، وحسب مطلعين فإن الرئيس الجديد ينتهج سياسة الرئيس السابق للولايات المتحدة “باراك أوباما” ، ألا وهي الاتجاه للأوضاع الداخلية بعيداً عن التدخل في صراعات اقليمية ودولية، ونذكر هنا أن قانون العقوبات الأمريكية التي رافقت ايران لسنوات عديدة بسبب برنامجها النووي ، تخلصت منها ايران باتفاق مع أوباما الذي أراد عدم الدخول في صراعات دولية, وانما الاكتفاء بالنشاط داخل الولايات المتحدة ، وهو ما يعني أن قانون قيصر موضع تكهنات بأنه سيكون ملغي هو الآخر , والسبب أنه سيُحمل الولايات المتحدة مسؤولية تردي الأوضاع المعيشية على الأراضي السورية بما يخص المدنيين ، ومن جانب آخر سيضر بعديد من البلدان المتدخلة بالملف السوري وأولها روسيا , والتي تريد أمريكا أن تستأمن جانبها لكونها في خضم حرب كبيرة مع الصين التي لا تتوانى هي الاخرى عن الوقوف بوجه السياسة الأمريكية التي ستدعم النظام السوري لتكسر هيبة ترامب , ولتحجيم دور الولايات المتحدة في الشرق الاوسط الذي تتطلع للسيطرة عليه اقتصاديا .

سوريا اليوم حسب رأينا , على موعد لعيش شهور عجاف ومأساة إنسانية تجعل لقمة العيش في عداد المفقودين، ولكنها في طريق انفراج وازدهار اقتصادي ستشهده السوق الشعبية الى حد كبير, يعيد للسوق السورية مكانتها اقتصاديا من خلال تنشيط الصناعة والتجارة ، وذلك خلافا و بمعزل عن القيود التي يسببها قانون قيصر للحكومة السورية والنظام السوري في تعاملاته الخارجية , مع دول أو مؤسسات أو أشخاص يفرض عليها هذا القانون العقوبات , بذريعة التعامل مع شخصيات محظورة .

في النهاية الشعب السوري المدني ، يجب أن ينعم بما أقره الله له , ألا وهو الرزق ولقمة العيش ، فإن كانت السياسة والقرارات الدولية ستحرمه من أقل حقوقه ألا وهي كسرة الخبز ، فهي قوانين جائرة ظالمة وغير انسانية يجب التنديد بها , ودراستها قبل إطلاقها ، لأن سياسة التجويع تحرمها الأديان وترفضها السياسات والأعراف الدولية ، و لأن الجوع كافر ولا دين له , فلا دين لمن يجعله مشروعاً مهما كانت سلطته أو هويته .

بقلم علاء الدين لاذقاني

كاتب سوري ومستشار في العلاقات الدولية والدبلوماسية

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.