خيارات موسكو وأنقرة

16 فبراير 2020آخر تحديث :
الجيش الروسي والتركي
الجيش الروسي والتركي

تركيا بالعربي

تمر العلاقـ. ـات الر.و سية التركية بظروف عصـ. ـيبة تكاد تفوق بخطورتها أزمة إسقاط القاذفة الر.و سية في العام 2015، وتهدد بوقوع مـ.ـو اجهة عسـ. ـكرية مباشرة بين الر.و س والأتراك في شمال سوريا، خاصة بعد لجوء أنقرة إلى العدو الأخطر لحليفها الر.و سي، حلف شمال الأطلسي، طلبا للدعم في صد تقدم قـ. ـوات النظام السوري نحو آخر معـ. ـاقل المعـ. ـارضة السورية المسـ. ـلحة والقـ. ـوات الموالية لأنقرة في سوريا.

وبدأت الخلافات بين الأطراف بعد إحراز قـ. ـوات النظام مدعومة بالطيران الر.و سي، تقدما ملموسا على الجبهة الشمالية، وتوغّلها في مدينتي معرة النعمان وسراقب في ريف إدلب، وفرض سيطرتها على عدد من الطرق الدولية. ومما زاد من غضب أنقرة، تجاهل قـ. ـوات النظام للتواجد التركي في المنطقة، ومحاصرتها لثلاث نقاط مراقبة تركية موجودة في المنطقة، بعد قتـ. ـل عدد من الجنـ. ـو د الأتراك في قصـ. ـف مدفـ. ـعي، قال النظام إنه كان يستـ. ـهدف “الإرهابيين”.

ورغم تهديد ووعيد أنقرة وتنفيذها هجـ. ـمات انتقامية ضد قـ. ـوات النظام، أسفرت عن “تحييد” العشرات من عناصر النظام وفق تصريحات العسـ. ـكريين الأتراك، وإسقاط مروحيتين تابعتين له في منطقة النزاع، وتحديد مهلة أقصاها نهاية الشهر الجاري، لانسحاب قـ. ـوات النظام السوري إلى مناطق سيطرته عام 2018، تواصل الأخيرة ومعها الميليشيات الموالية لإيران،بدعم عسـ. ـكري ر.و سي، التقدم بثقة وتقتضم المنطقة تلو الأخرى نحو إدلب المدينة، مقتربة من الحدود التركية.

ومما لا شك فيه أن تحركات النظام، جاءت بعد ضوء أخضر ر.و سي، ما دفع أنقرة لاتهام موسكو بعدم الالتزام باتفاقيتي سوتشي وأستانة، ومطالبتها بوقف تقدم قـ. ـوات النظام، الأمر الذي استقبله الر.و س بداية ببرود لافت، سرعان ما تلاشى على وقع التصريحات التركية الحادة والتهديدات بالخروج من الاتفاقـ. ـات مع موسكو، والتهديد بشن عملية عسـ. ـكرية واسعة النطاق ضد قـ. ـوات النظام، وصعد الأتراك من لهجتهم أكثر حين دعا زعيم حزب الحركة القومية التركي الشعب التركي للتخطيط “من الآن إلى دخول دمشق إذا اقتضت الحاجة وإسقاط الأسد”.

من جانبها، اتهمت موسكو أنقرة بعدم الالتزام بأهم بنود الاتفاقـ. ـات بين البلدين، وهي فصل “هيئة تحرير الشام” عن المعـ. ـارضة المعتدلة الموالية لأنقرة. كما صعد الر.و س لهجتهم ردا على “التصريحات الاستفزازية” التركية، وقالت وزارة الخارجية الر.و سية والكرملين، إن أنقرة هي سبب تدهور الأوضاع في إدلب، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الر.و سية ماريا زخاروفا، إن الوضع في إدلب قد ساء بسبب “عدم وفاء أنقرة المزمن بالتزاماتها”.

وبعد أن أدركها عدم جدوى مطالبة الر.و س بوقف تقدم قـ. ـوات الأسد، لجأت انقرة لطلب المساعدة من الولايات المتحدة ومن حلف شمال الأطلسي، مطالبة بدعم أكبر ومشاركة ملموسة في الأزمة، الأمر الذي علق عليه الر.و س بنوع من السخرية، حين استبعدوا تدخل الولايات المتحدة في النزاع، وقامت السفارة الر.و سية في أنقرة بنشر تغريدة تساءلت فيها عما إذا كان الأتراك يعتبرون الأمريكان حلفاء لهم، أرفقتها ببيانات حول المساعدات العسـ. ـكرية الأمريكية لقـ. ـوات الدفاع الذاتي الكردية، التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية.

أوضح لجوء الأتراك لطلب المساعدة من العدو الأخطر لـ”الحليف” الر.و سي، حلف شمال الأطلسي، إدراك أنقرة أن موسكو غير مستعدة للتراجع عن دعم النظام السوري وتبرير تقدمه نحو إدلب، وعدم امتلاكها أوراق ضغط كافية، لإجبار الكرملين على الإصغاء لها. في الوقت ذاته، فقد أردوغان الزمام الأخير للتأثير على استراتيجية موسكو، بعد أن خذله الأمريكان الذين أعلنوا عن ان دعمهم لأنقرة لن يزيد عن تزويدها بمعلومات استخباراتية، في حين أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين أن الولايات المتحدة “ليست شرطيا لتقول لتركيا افعل هذا وللر.و س لا تفعل ذاك”، موضحا أن بلاده لن تتدخل في النزاع.

سيناريوات مفتوحة

في ظل ما سبق، يبدو واضحا أن أنقرة اليوم تقف أمام خيارين أحلاهما مر، الأول هو النزول عند إرادة موسكو، والقبول ببقاء قـ. ـوات النظام في المناطق التي سيطرت عليها. الأمر الذي بات واضحا إصرار موسكو عليه، من تغريدات السفير الر.و سي في أنقرة أليكسي يرخوف، التي أكد فيها “استحالة إبعاد الجيش السوري عن النقاط التي سيطر عليها”، متسائلاً عن الفائدة من وجود نقاط المراقبة التركية بعد أن أصبحت ضمن مناطق يسيطر عليها نظام الأسد بشكلٍ فعلي.

أما الخيار الثاني، فهو إطلاق عملية عسـ. ـكرية ضد النظام السوري، الأمر الذي يبدو للوهلة الأولى أنه سيكون لصالح الأتراك بسبب تفوقهم العسـ. ـكري، ولكن نتيجته ستكون معـ. ـاكسة تماما، إذ أن موسكو لن تقف مكتوفة الأيدي في حال حدوث مثل هذا السيناريو، وستسعى لدعم الأسد بالأسلحة وستسانده عسـ. ـكريا وبسبل أخرى، وقد يترتب هذا الخيار على عدة تهديدات ملموسة لكلا البلدين.

بالنسبة لما قد يلحقه سيناريو الحرب مع النظام من أضرار لتركيا، من المهم ذكر أنه من المستبعد تماما أن يدخل الكرملين في نزاع عسـ. ـكري مباشر مع الأتراك، إلا أن نشوب اشتباكات واسعة بين الأتراك وقـ. ـوات النظام، قد تعرض العسـ. ـكريين الر.و س المتواجدين على الأرض لخطر الوقوع تحت النيران التركية، ما سيضع البلدين في أزمة شبيهة بتلك التي شهدها العام 2015، بعد اسقاط القاذفة الر.و سية، وسيؤدي إلى مشكلة كبيرة سيجد الر.و س فيها أنفسهم مجبرين على الرد على تركيا، لسبب انعدام إمكانية تجاهل هذا الأمر من قبل الكرملين، بعد الانتقادات الكبيرة التي واجهها بسبب عدم رده على حادثة اسقاط المقـ. ـاتلة الر.و سية خريف 2015، واكتفائه بمعـ. ـاقبة تركيا بالطماطم والسياح.

كما أن موسكو تضع يدها على عدد من نقاط الضعف التركية الخطيرة،ومن الممكن في حال نشوب حرب بين أنقرة والنظام أن يسمح الكرملين للأسد بتفعيل منظومة الدفاع الجوي إس-300 التي زود بها النظام في وقت سابق، ولم يتم استخدامها حتى اليوم،وفي هذه الحالة، ستصبح الأجواء السورية مغلقة أمام الطيران التركي، ما سيضعف بشكل ملحوظ من إمكانياته العسـ. ـكرية في المنطقة، خاصة في حال قامت ر.و سيا بتزويد النظام بمعلومات استخبارية تسمح له بتوجيه ضربات موجعة للأتراك.
من المؤكد أيضا، أنه في حال تحقق هذا السيناريو، ستضطر تركيا لتفعيل المسـ. ـلحين الموالين لها في الشمال السوري، ما سيرفع المحظورات، ويفتح الباب أمام النظام ور.و سيا لتوجيه ضربات للفصائل المدعومة من تركيا، في حين لن يكون بإمكان أنقرة حمايتهم. كما أن توسع انتشار القـ. ـوات التركية في الجغرافيا السورية، سيضاعف احتمالات تكبد الأتراك خسائر كبيرة، خاصة في ظل وجود الجماعات المتطرفة المتورطة في النزاع السوري، كما يمكن أن تستخدم ر.و سيا والنظام الأكراد في الشمال السوري لتكوين ميليشيات مسـ. ـلحة تقف مع قـ. ـوات النظام السوري، ناهيك عن إمكانية فرض موسكو عقوبات اقتصادية على تركيا، مثل حظر استيراد المنتجات منها او منع السياح الر.و س من زيارتها.

من التبعات المهمة أيضا لمثل هذا السيناريو، أن معظم الدول العربية ستقف ضد تركيا وحربها على النظام، خاصة دول الخليج العربي ومصر، المعـ. ـادية لتركيا، الأمر الذي سيزيد من شعبية الأسد لدى هذه الحكومات، ومن الممكن أن يؤدي إلى دخول الأسد في تحالفات جديدة قد تقدم الدعم له في حربه مع “المحتلين” الأتراك.

كما أن أنقرة في حال مخاطرتها بإغضاب “الحليف” الر.و سي، تخاطر بفقدان دعم الكرملين لطموحاتها بشأن غاز شرق المتوسط، بل وممكن أن تدعم موسكو الأطراف المعـ. ـادية لتركيا في هذا الشأن، ومن الممكن أن تعزز نشاطها في ليبيا لدعم المشير خليفة حفتر، على حساب حليف أنقرة فايز السراج.

بالطبع، لن تقتصر أضرار سيناريو الحرب على تركيا وحدها، بل ستطاول الخسارة الجانب الر.و سي أيضا، والذي ستتلقى استراتيجيته في سوريا ضربة موجعة في حال انطلاق عمليات عسـ. ـكرية واسعة في الشمال السوري. إذ ستقوم أنقرة بتزويد المسـ. ـلحين المعـ. ـارضين لنظام الأسد بأسلحة نوعية، تجعلهم قادرين على تكبيد النظام وربما الر.و س أيضا خسائر كبيرة، ومن الواضح أن أنقرة قد خطت بالفعل على هذا الطريق، إذ تم في الأيام الأخيرة إسقاط مروحيتين للنظام السوري، الأمر الذي لم تكن قدرات المسـ. ـلحين المعـ. ـارضين تسمح به قبل اندلاع الأزمة الحالية. هذه التطورات ستفشل أو على الأقل ستؤخر إلى أجل غير مسمى استراتيجية الر.و س الهادفة لفرض سيطرة النظام على كامل أراضي سوريا، وإطلاق عملية إعادة الأعمار، كي تتمكن موسكو من قطف ثمار تدخلها العسـ. ـكري في الأزمة السورية.

ومن التبعات الخطيرة لسيناريو الحرب، اندفاع موجة لاجئين ضخمة من إدلب التي تضم حوالي 4 ملايين نسمة إلى تركيا التي تستضيف بالفعل 3.6 مليون لاجئ سوري. وفي هذه الحالة ستكون أنقرة مجبرة على فتح الحدود أمام اللاجئين إلى أوروبا لسبب عدم قدرتها على استيعاب هذه الأعداد من السوريين، ما سيغضب الدول الغربية، التي ستلقي باللوم حتما على ر.و سيا، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات غربية جديدة عليها.

كما أن موسكو ستفقد أحد أهم حلفائها الاقتصاديين والسياسيين، وستغامر بظهور أزمة حادة في الأسواق الر.و سية بسبب اعتمادها على تركيا في توفير المنتجات التي قاطعت وارداتها من الدول الغربية ردا على عقوبات ضم شبه جزيرة القرم، ناهيك عن احتمال امتناع أنقرة عن شراء أكثر من نصف حالجتها من الغاز الر.و سي، وتجميد عمل خط “السيل التركي” لنقل الغاز الر.و سي إلى أوروبا، ما سيكبد الاقتصاد الر.و سي خسائر كبيرة، خاصة في ظل فرض الولايات المتحدة عقوبات على خط “السيل الشمالي 2” والتهديد بفرض عقوبات إضافية في حال واصلت ر.و سيا بناءه، بالإضافة إلى رفع أوكرانيا لكلفة نقل الغاز عبر أراضيها إلى أوروبا في الوقت الذي تطالب فيه بلغاريا بخفض أسعار الغاز الذي تشتريه من موسكو.

في حال تدهورت الأوضاع إلى هذا الحد، ر.و سيا تخاطر بعودة الدفء لعلاقـ. ـات تركيا والناتو، وخسارة كل جهودها لإضعاف الخاصرة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي، وسيمني كل مساعيها لفصل ثاني أقوى جيش فيه وجعله حليفا لها بالفشل.

تبعات سيناريو الحرب عديدة ومتشعبة، تبدأ من احتمال تكبد الطرفين خسائر بشرية ومادية على أرض المعركة، وصولا إلى لجوء الأطراف إلى آليات الحرب الهجينة ومحاولة التأثير على اللاعبين الدوليين والإقليميين في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وأوروبا والولايات المتحدة، وستكون العواقب مدمرة لكلا الطرفين، الأمر الذي تعيه موسكو وأنقرة جيدا، ولذلك لن تسمحا بوقوعه. ومن المرجح أن يتوصل الطرفان كما جرت العادة إلى اتفاق برضي كلاهما ويحفظ مصالحهما، بالطبع، على حساب ومصالح الشعب السوري.

المصدر: بروكار برس – هادي درابيه – موسكو

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.