أبرز المعوقات أمام حياة مستقرة للسوريين في تركيا

4 أغسطس 2019آخر تحديث :
أبرز المعوقات أمام حياة مستقرة للسوريين في تركيا

أبرز المعوقات أمام حياة مستقرة للسوريين في تركيا

بقلم سمير سعيفان / العربي الجديد

في نظرة شمولية، ثمّة مبالغات في تقدير الآثار السلبية لوجود السوريين على حياة الأتراك، سببه الضخ الإعلامي المسيس، المدفوع بصراعات سياسية داخلية، تستعمل السوريين مادّة للصراع.

وعلى سبيل المقارنة والقياس، عرف السوريون تجربة مماثلة، ولكن هذه المرة “أنصارا” وليس “مهاجرين”، حين استقبلوا نحو مليون ونصف المليون مواطن عراقي خلال تسعينيات القرن العشرين، عندما فُرِضَ حصارٌ على العراق بعد حرب الخليج الثانية، وشكل “الضيوف” العراقيون قرابة 10% من سكان سورية سنة 2000 (1.5 مليون عراقي مقابل 16 مليون سوري)، وتركز الجزء الأكبر منهم في ضواحي دمشق، ولم تعدّهم الحكومة السورية لاجئين، ولم تصدر أي تعليمات تقيد من حركتهم وإقامتهم أينما شاؤوا.

وكان لوجود العراقيين في سورية آثار سلبية وإيجابية معًا، شبيهة بالتي رأيناها في الوجود السوري في تركيا، ولم تشكل أزمة اقتصادية أو اجتماعية خانقة، مع فارق أنه في سورية لم توجد حريات ولا انتخابات ولا معارضة، لتستعمل العراقيين وتضخّم آثارهم السلبية، وتغفل الإيجابية، في حروبها ضد الحزب الحاكم، وتأجيج الرأي العام للتأثير على الانتخابات باتجاهٍ يخدم أحد الأطراف. وبعد العام 2003 بدأ العراقيون بالعودة إلى بلدهم.

تقصير المؤسسات السورية

لم تولِ المؤسسات التي “تمثل” السوريين في تركيا، مثل المجلس الوطني السوري، وبعده ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، وحكومته المؤقتة، أهميةً تذكر لمواجهة مشكلات الوجود السوري الكبير في تركيا، أو في دول الجوار الأخرى، أو في المهاجر الأخرى، ولم يكن لها نشاط إعلامي منظم موجه إلى الشارع التركي بمعلومات وإيضاحات مفيدة، بشأن حقيقة الوجود السوري في تركيا، ولا أقامت علاقات عامة واسعة، وعلى نحو عريض ومؤثر، مع مختلف مفاصل الدولة والمجتمع والأحزاب والمؤسسات التمثيلية ومنظمات قطاع الأعمال وغرف التجارة والصناعة والمؤسسات الإعلامية والنقابات وغيرها، فقد حصرت كل علاقاتها مع عدد محدود من القيادات في الدولة، وخصوصا ممن ينتمون لحزب العدالة والتنمية، ما شكل انطباعًا وكأن المعارضة السورية والسوريين في تركيا هم من “مخصصات” حزب العدالة والتنمية، أي وضعت بيضها في سلة واحدة في بلد ديمقراطي، ما أكسب السوريين عداء أحزاب المعارضة، ووضع عبئًا على حزب العدالة والتنمية، وتحمل تبعات وجودهم وحده.

لذا بدا السوريون اليوم متفرقين بدون مؤسساتٍ تمثلهم، وتُعنى بشؤونهم الجمعية، إذ يسود التفكير بالمصالح الذاتية المباشرة، بينما تغيب المصلحة الجمعية المشتركة. مثلا، حين عقد وزير الداخلية التركي، في 13 يوليو/تموز 2019 اجتماعين لمناقشة مشكلات الوجود السوري في تركيا، الأول مع أكثر من مائة جمعية سورية، والثاني مع أكثر من 120 صحافيًا سوريًا، وكان كل ما طرحه من حضر الاجتماعين من السوريين طلبات فردية وشخصية، ولم يطرح أي منهم مشكلات السوريين بشكل عام، “ربِّ أسألك نفسي”.

من جهة أخرى، قصّر الإعلام التركي أيضًا في تقديم معرفة وافية حقيقية عن الوجود السوري في تركيا عمومًا، وفي إسطنبول خصوصًا، ما أشاع جهلًا سهّل استغلال القضية السورية في الصراعات الداخلية التركية بين المعارضة والسلطة، بينما تمنع المعرفة الصحيحة التسييس المغرض. لذلك، ونتيجة الاستثمار السياسي المقصود، نشأ لدى الشارع التركي وهمٌ وكأن السوريين “عالةٌ” على المجتمع التركي، وأن الدولة التركية تنفق عليهم بدون مردود، وأن أزمات تركيا الاقتصادية سببها هؤلاء السوريون.

معالجة تحقق المصلحة المشتركة

وهذا ما يجب ألا يرمى دفعة واحدة تحت تأثيرات ضغوط آنية، فالسوريون موجودون في تركيا، وهذه حقيقة، وأمام ملف اللجوء السوري سنوات عديدة حتى يحل، فالحل السياسي لا يبدو أنه سيكون في الأفق القريب، وإعادة الإعمار التي تسهل عودتهم لا تلوح في الأفق، وهم قوة منتجة، ومن مصلحة الدولة والمجتمع التركيين أن يعالجا مسألة الوجود السوري برؤية استراتيجية، بما يتجاوز صراعات السلطة والمعارضة.

إذا كان تخفيف الضغوط على إسطنبول ضرورة، فيجب ألا يكون حل هذه المشكلة على حساب إيجاد مشكلة أخرى، فليس من المصلحة القومية التركية دفع مئات آلاف السوريين، لأن يعودوا فجأة إلى مدن الجنوب التركي، حيث فرص العمل قليلة، فيصبحوا عاطلين عن العمل، أو تجميع من لا يحملون إقامة الحماية المؤقتة (الكملك) في معسكرات داخل تركيا، فهذا يحرم اقتصاد تركيا من طاقة إنتاجية كبيرة، ويحولها عاطلةً عن العمل، وللعطالة مخاطرها، لذلك لا بد من التفكير بطريقة أخرى للانتفاع بقوة العمل هذه لتسهم في التنمية.

تحتاج مسألة بهذا الحجم والتعقيد خطة مدروسة، وحلولاً جديدة توضع قيد التنفيذ على مدى عام ونيف، ويتم تأمين مستلزمات نجاحها، وأساس تلك الرؤية الشاملة جعل هذه القوة تعمل وتنتج بما ينفعها وينفع الدولة والمجتمع التركيين وفق القوانين السارية.

ومن مصلحة الاقتصاد والمجتمع التركي إدماج السوريين في عملية الإنتاج، وأن تقدم لهم دورة لغة تركية بما يمكّنهم من العمل في السوق وفق الأنظمة السارية، وأن تتيح لهم الالتحاق بدوراتٍ مهنية، لرفع قدرتهم الإنتاجية، وتسهيل منحهم الإقامة المؤقتة (كملك)، وأذونات العمل بسرعة وبدون تعقيد، وبدون تكاليف كثيرة، كما هو الحال الآن، بحيث لا يبقى أي سوري بدون إقامة حماية وإذن عمل للقادرين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.