التهجير القسري.. لوحات ألم على جدران متحف تركي

20 ديسمبر 2018آخر تحديث :
التهجير القسري.. لوحات ألم على جدران متحف تركي

على جدران متحف بولاية بورصة التركية، ترتسم محن المهجّرين عبر التاريخ، وتُنحت مآسي شعوب أجبرت على ترك مواطنها، لتختبر مرارة التهجير واللجوء، قبل أن تجد ملاذا لها في تركيا.

متحف يروي حكايات الإنسانية في شقها المظلم المثقل بتجارب البشرية الحزينة زمن الحروب والنزاعات، ويعرض على زواره مقتنيات لشخصيات عاصرت تلك الأحداث المليئة بألم التهجير والشوق للوطن الأم.

ويستضيف المتحف سنويًا حوالي 60 ألف زائر، وينقلهم في رحلة تشرح لهم حجم المعاناة والاضطهاد والألم الذي تعرض له المهجرون عن أوطانهم.

ويتعرف الزوار، خلال جولاتهم في المتحف، على تاريخ التهجير القسري والمهاجرين الذي استقبلتهم تركيا من مناطق البلقان، وشبه جزيرة القرم، والقوقاز.

ويعرض المتحف معلومات تاريخية غاية في الأهمية، من خلال أقسام تفاعلية تَعرضُ ممتلكات حقيقية تبرع بها أصحابها ممن عاشوا فترات التهجير، إضافة إلى عروض فيديو وأفلام قصيرة.

كما يضم المتحف مكتبة تقدم معلومات شاملة عن أدفاق الهجرة، سواءً تلك التي تمت عن طريق البحار، أو الطرق البرية، حيث استخدم المهجرون عربات زراعية وقطارات في ظروف إنسانية قاسية.

وفي تصريح للأناضول، قال شعبان دومان، مدير متحف بورصة لتاريخ الهجرات، إن المتحف يقدم معلومات كافية عن تاريخ التهجير منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى آخر رحلات التهجير التي وصلت إلى تركيا، خصوصا ولاية بورصة.

وأضاف دومان أن النائب في البرلمان الأوكراني وزعيم تتار القرم، مصطفى عبدالجميل قرم أوغلو، الذي عانى من النفي والسجن خلال حقبة الاتحاد السوفييتي، زار هذا المتحف الذي افتتحته بلدية بورصة قبل 4 أعوام، وأهداه بعض المقتنيات الخاصة.

ومن أبرز المقتنيات التي أهداها قرم أوغلو للمتحف “قلباق” (قبعة مصنوعة من الفرو)، كان يرتديه خلال رحلة النفي إلى سيبيريا.

وتابع: كما زار المتحف كل من النائب السابق في البرلمان الأوكراني مؤمن كنج أوغلو، ورجال أعمال من تتار القرم، بينهم علي دورماز، وعلي عثمان سونماز، ممن قدموا بعض مقتنياتهم الخاصة هدية للمتحف.

وأشار دومان إلى وجود هيكل للقطار الذي تمت به أولى رحلات تهجير تتار القرم من وطنهم الأم (شبه جزيرة القرم)، كما يضم المتحف أيضا عربات خشبية كانت تجرها الثيران؛ استعملت خلال رحلات التهجير من قبل شعوب القوقاز.

وبالمتحف أيضا سيارة قديمة من نوع “لادا” روسية الصنع، موديل عام 1978، استخدمت من قبل عائلة مهجرة قدمت إلى بورصة من بلغاريا، أثناء حملات تهجير مسلمي بلغاريا الأتراك عام 1989.

وتعقيبا عن الموضوع، قال عارف جتين (67 عامًا) إنه هاجر من مدينة “تارغوفيشته” شمال شرقي بلغاريا عام 1978، وقدم إلى بورصة بواسطة قطار، مصطحبا بعض أغراضه الشخصية.

ولفت أنه قدم تلك الأغراض هدية للمتحف ليحفظها من الضياع، وحتى تتم مشاهدتها من قبل زوار المتحف، للتعرف على المعاناة ومأساة الهجرة التي تعرض لها أتراك بلغاريا خلال حملات التهجير.

وتابع جتين، للأناضول: “الهجرة بالنسبة لي كانت أشد وطأة من فقدان الأب والأم. اضطررت لترك وطني وأرضي التي تربيت وترعرعت فيها والهجرة إلى مكان آخر لا أعرف عنه شيئًا”.

ومستدركا: “لكننا، والحق يقال، سعداء بقدومنا إلى تركيا التي غدت وطننًا لنا، فهي التي احتضنتنا يوم تركنا القاصي والداني لنواجه مصيرنا بأنفسنا”.

من جانبه، قال بيهان قره جه، أحد زوار المتحف: أحب زيارة هذا المكان الذي يستعرض تاريخ الهجرات؛ لأنني أتعرف من خلاله على المعاناة ورحلة الشقاء التي تعرض لها أجدادي خلال رحلتهم إلى تركيا. إن هذا المتحف مؤثر للغاية لكل من ذاق الطعم المر لمأساة التهجير”.

بدوره، أعرب حكمت يلدرم، أحد زوار المعرض، عن شعوره بالألم والتعاطف مع المهاجرين الذي تعرضوا للاضطهاد والتهجير، لترك وطنهم الأم الذي ولدوا وترعرعوا فيه.

وقال يلدرم: “جئت قبل 3 سنوات إلى بورصة من ولاية دينزلي للدراسة في جامعتها، إلا أنني أشعر بالشوق لمدينتي التي ولدت فيها. عندما أفكر كيف ترك هؤلاء المهجرون أوطانهم أشعر بحزن شديد يعتصر فؤادي، لا يمكن تجاهل مأساتهم”.

يشار إلى أن الأتراك والمسلمين في منطقة البلقان والقرم والقوقاز، تعرضوا خلال القرنين الماضيين، لحملات اضطهاد وإبادة وتهجير، ما دفع أعدادًا كبيرة منهم إلى ترك وطنهم الأم والرحيل إلى تركيا التي وجدوا فيها وطنًا احتضنهم وخفف من ألم معاناتهم.

ومن أبرز الشعوب التي تعرضت للإبادة والتهجير، كانت شعوب شمالي القوقاز وسواحل شمال شرقي البحر الأسود، خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، حيث تعرضوا لحملات تطهير عرقية وتهجير قسري، على يد روسيا القيصرية.

كما تعرض تتار القرم (شعب تركي مسلم) لحملات مماثلة إبّان حقبة روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي، حيث جرى تهجيرهم من وطنهم الأصلي شبه جزيرة القرم إلى تركيا وسيبيريا وغيرها من المناطق، في رحلات قاسية فتكت بحياة عشرات الآلاف منهم.

وما بين أعوام 1945 و1989، تعرض مسلمو بلغاريا (معظمهم أتراك) لحملات اضطهاد ومذابح جماعية وحملات تهجير قسري، أدت إلى لجوء أكثر من 600 ألف منهم إلى تركيا عام 1989.

الأناضول

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.