بوتين يمنح إسرائيل الضوء الأخضر لكسر “سوريا الإيرانية”

13 مايو 2018آخر تحديث :
إعلان
بوتين ونتنياهو
بوتين ونتنياهو

دخلت الأحداث في سوريا منعطفًا جديدًا عقب الصدام العسكري الإسرائيلي- الإيراني في الجنوب، والذي من المتوقع أن يرسم خارطة جديدة تعتبر الأبرز منذ انطلاقة الثورة السورية، فالضربات التي استهدف عشرات المواقع في الجنوب وقرب العاصمة دمشق لم تشهد مثيلًا لها منذ 45 عامًا، كما يعتبر الرد الإيراني الأكبر من نوعه كونه ركز على أهداف في عمق الجولان المحتل.

تهديدات ووعود دارت على ألسنة مسؤولين إسرائيليين وإيرانيين منذ توسع التدخل الإيراني في سوريا، وزادت التوقعات باندلاع مواجهة بين الطرفين في سوريا بعد الضربة الأعنف، في 10 من أيار الحالي، فإسرائيل لم تتوقف ضرباتها في الأشهر الماضية، لكن الضربات السابقة كانت غير معلنة، وبنفَس عسكري أقل حدة.

وبغض النظر عن حجم الضربة عسكريًا وتبعاتها، فإن السياق السياسي هو النقطة البارزة التي يعول عليها، فالاجتماع الذي ضم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعتبر حجر الأساس للمصير الإيراني في سوريا في المرحلة المقبلة، خاصةً بعد قرب الانتهاء من “ترسيم الحدود” بين النظام السوري والمعارضة، والانتقال إلى اليوم التالي لسوريا.

ومع كثرة التحليلات السياسية التي تبعت الصدام العسكري، واستشراف مقياس التوتر الإسرائيلي- الإيراني، يمكن اعتبار أن إيران وصلت إلى موقف لا تحسد عليه، فرضته نية روسية للانفراد في سوريا، وسار بموازاتها رغبة إسرائيلية لكسب مرحلة تقاسم النفوذ.

ضوء أخضر

إعلان

تقاطعت مصالح روسيا وإيران طوال السنوات الماضية من الحرب السورية، فالداعم على الأرض مشترك هو النظام السوري ورئيسه، بشار الأسد، والعدو هي الفصائل العسكرية المعارضة، وشكل الطرفان حلفًا أدار العمليات العسكرية على الأرض، وكان له دور كبير في استعادة مساحات واسعة ليد النظام، ولم يقتصر الأمر على المعارك بل رافقه خوض مشترك في الميدان السياسي.

لكن بعد سبع سنوات اختلف المشهد، فروسيا التزمت الحياد إزاء الضربات الإسرائيلية على إيران في سوريا، وأعلنت أنها لن تتدخل إلى جانب أي طرف، الأمر الذي اعتبرته الصحافة الإسرائيلية بـ “ضوء أخضر” أعطي لإسرائيل في الزيارة الأخيرة لنتنياهو، لتحييد النفوذ الإيراني في سوريا من بوابة الجنوب السوري، الذي تحاول فيه إيران الضغط عبر ميليشيات متعددة تتبع لـ “الحرس الثوري الإيراني”.

ويدعم ذلك تصريح نتنياهو في ختام اجتماعه مع بوتين بأن روسيا لن تتدخل لمنع ضربات إسرائيلية في سوريا.

وكان الصدام متوقعًا في ظل تنامي النفوذ الإيراني وخشية إسرائيل من تشكيل إيران جبهة مسلحة على خطها في الجولان المحتل على غرار “حزب الله” اللبناني.

ويرى المحلل الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي، عدنان أبو عامر، أن تقديرات إسرائيل حول الوجود الإيراني لا بد أن يهاجم بضربة كبيرة.

ويؤكد أبو عامر لعنب بلدي الحديث السابق، بأن هناك تفاهمًا روسيًا إسرائيليًا حول الضربات العسكرية، معتبرًا أن الروس غير راضين عن وجود النفوذ الإيراني في سوريا، خاصة أن بوتين هو صاحب الكلمة الأولى في سوريا.

ودخل الطرف الإيراني، في أواخر 2017 الماضي، كقوة بارزة في الجنوب السوري، متجاهلًا اتفاقيات الدول الأخرى (روسيا، أمريكا، الأردن، إسرائيل).

وفي تقرير سابق لمعهد “بحوث إعلام الشرق الأوسط” الإسرائيلي (ميمري) منتصف 2017 الماضي، قال إن “إيران تحولت إلى المشكلة الجوهرية الأولى التي تواجه روسيا في سوريا، وتقلص فرص تحقيق المصالح الروسية هناك”.

وأشار “ميمري” إلى أن روسيا تتعامل مع إيران على أنها “دولة متقلبة لا يمكن توقع سلوكها بشكل مسبق”، مرجّحًا نجاح الآلية التي سيتبعها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في مواجهة إيران.

وذهب إلى أن الروس يسعون حاليًا إلى تصفية الدو الإيراني في سوريا بشكل تدريجي، مشيرًا إلى أن الإيرانيين “واثقون من أن الروس معنيون بتركهم لتحقيق مصالح أخرى”.

علاقة مهددة بين الحلفاء

ومن المقرر أن يزور وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، موسكو، الاثنين 14 من أيار الحالي، للقاء نظيره الروسي، سيرجي لافروف، ويمكن ترجمة اللقاء الثانوي الذي تبع الضربة الإسرائيلية بخطوات تقوم بها إيران للحفاظ على العلاقة مع الحليف الروسي، رغم الموقف الحيادي الذي اتخذه.

وسيكون التحرك الإيراني محكومًا بالضغوط الدولية المفروضة على طهران، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، وما تبعه من التناغم الروسي- الإسرائيلي، وصولًا إلى الضربات العسكرية.

ويدلل على الضغوط حديث الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أن بلاده لا تريد “توترات جديدة” في المنطقة وأنها “عملت على الدوام على خفض التوترات في المنطقة”، وسبقه نفي على لسان نائب رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني، أبو الفضل حسن بيغي، أن تكون إيران هي من أطلقت صواريخ على مواقع تمركز الجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل.

المحلل عدنان أبو عامر، اعتبر أن إيران تحتاج بعد قرار ترامب لدعم دولي وأوروبي، وفي حال توجيه ضربات عسكرية في الأيام المقبلة ستفقده، الأمر الذي يدفعها للاستعانة بميليشياتها الموجودة في الجنوب كـ “حزب الله” لتوجيه الضربات دون أن تتبنى الضربات.

إعلان

وطوال سنوات النزاع السوري، يمكن وصف العلاقة بين روسيا وإيران بـ “التحالف الظرفي”، والذي يشكّل لفترة زمنية معينة لتحقيق أهداف مشتركة، لكن عام 2018، كان له تراتبية عسكرية وسياسية مختلفة، دفع موسكو للتوجه إلى تل أبيب لبدء العمل على التفاهمات السابقة المتعلقة بإطلاق يد الأخيرة في الجنوب، على أن يتم كبح النفوذ الإيراني الذي يشكل عبئًا في خريطة التقسيم.

وواصلت تل أبيب تهديدها للنظام السوري ولحليفته إيران، منذ توجيه الضربات، وأطلق وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، رسائل إنذار جديدة طالب فيها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بإبعاد قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني من سوريا.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن ليبرمان خلال جولة قام بها في هضبة الجولان المحتلة قوله، “ندعو الرئيس السوري بشار الأسد إلى إبعاد القوات الإيرانية، وتحديدًا فيلق القدس وقائده قاسم سليماني عن سوريا”، وقال محذرًا، إن “وجود هذه القوات لا يساعد نظام الأسد، وإنما يسبب له مشكلات وأضرارًا”.

ضغوط داخل المؤسسة الإيرانية

لماذا استهدفت إيران المواقع الإسرائيلية في الوقت الحالي؟ وما الذي دفعها إلى الخطوة الاستثنائية على عكس الاستهدافات الأخيرة التي طالتها، وخاصة على مواقعها في مطار “تي فور” بريف حمص؟ أسئلة دارت في وسائل الإعلام بعد التطور الأخير.

الصواريخ الإيرانية كانت قرارًا إيرانيًا، بحسب المحلل الفلسطيني، وربط الأمر بمحاولة الرد بشكل “فاتر” على الهجمات السابقة، مشيرًا إلى ضغوط داخل المؤسسة الرسمية الإيرانية بين “الحرس الثوري” و”مؤسسة الرئاسة”.

ويريد الأول توجيه ضربات كون صورة إيران اهتزت مؤخرًا وأصبح الإيرانيون على نفس نموذج النظام السوري، تحت مقولة “الاحتفاظ بحق الرد”.

في المقابل هناك حسابات إيرانية في المنطقة تنظر إلى أن أي ضربات تعني مواجهة مسلحة، وتخشى طهران من انضمام أمريكا إلى جانب إسرائيل ما يقلب الصورة بشكل كامل ضدها.

في العامين الماضيين، أعلنت أمريكا أن وجودها في سوريا بعد إنهاء التنظيم بهدف تطويق النفوذ الإيراني، وبأنها ترى مستقبل سوريا دون الأسد، وأكد على ذلك وزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، في كانون الثاني العام الحالي.

ويشكل تعاظم الدور الأمريكي في سوريا حاليًا خطرًا على المشروع الإيراني، إذ تسير الولايات المتحدة الأمريكية بإجراءات بدأت بوادرها بالظهور، مطلع كانون الثاني، باستقبال قادة في “الجيش الحر”، لبحث إمكانية تفعيل الدعم العسكري من جديد لمحاربة “الإرهاب” والميليشيات الإيرانية.

ويعتقد الإسرائيليون أن المرحلة الحالية لا يمكن أن تتكرر في سوريا، لفرض وقائع جديدة، وبحسب المحلل، لا تريد إسرائيل أن تكون بعيدة عما يحصل في سوريا من ترتيبات اليوم التالي لبقاء الأسد وانتهاء الحرب.

ويوفر الدعم الأمريكي وغض الطرف الروسي هامشًا كبيرًا لإسرائيل للعب دور في سوريا، والتي يمكن أن تتواصل ضرباتها في الأيام المقبلة، مقابل رد إيراني “من تحت الستار” عبر ميليشياتها المنتشرة في الجنوب السوري.

وبحسب التقديرات الإسرائيلية يمكن أن تشهد جبهاتها في الجنوب مناوشات عسكرية، وبات واضحًا أن للجيش الإسرائيلي اليد العليا في المنطقة، وأوضح المحلل أنه رغم ما سبق لا أحد يعلم التطورات المرتبطة بين إسرائيل وإيران، في ظل وجود إدارة أمريكية لا يمكن التنبؤ بخطواتها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.