مقتل الشاب السوري صالح السباكة بمدينة إسطنبول

20 مايو 2023آخر تحديث :
صالح العبد السباكة
صالح العبد السباكة

مقتل الشاب السوري صالح السباكة بمدينة إسطنبول

قال الناشط السوري والمهتم بشؤون اللاجئين السوريين في تركيا طه الغازي أنه وفي صباح اليوم السبت، توفي الشاب السوري ” صالح العبد السباكة ، 28 عاماً ” نتيجة تعرضه للطعن بأداة حادة .

وتابع الغازي في بيان تفصيلي حول مجريات الجريمة، الواقعة كانت في المدينة الصناعية في منطقة BayramPaşa في إحدى المعامل المخصصة لصناعة الجوارب .

مُلّاك المعمل و العاملون فيه و بعد لقائنا معهم أشاروا في إفاداتهم إلى جوانب القضية ، قائلين :

” جرّت الواقعة صباح اليوم قرابة الساعة 10 و النصف ، اليوم كان هو اليوم الأول في تواجد صالح معنا في المعمل ، حيث كان قد أبلغنا قبل يومين بحاجته الماسة للعمل وفق نظام ( اليوميات ) و ذلك في سبيل تقديم الدعم المالي لعائلته في سوريا ، أحد العمال الأتراك ( الجاني ) تسبب في نشوب جدالٍ لفظيٍ مع المغدور ( بذريعة تنظيف الحمام ) ، الجدال الكلامي انتقل إلى عراك بالأيدي ، قام العمال المتواجدون في المعمل بإخراج ( الجاني ) من المعمل ، توجه ( الجاني ) بعد ذلك إلى أحد المطاعم المجاورة لمكان العمل و أخذ سكيناً بيده ، دخل إلى المعمل و قام بطعن صالح طعنة مباشرة في منطقة القلب ، و قام بطعن شاب آخر من الجنسية الأوزبكية ( لاجئ ) ، نقلنا المصابين إلى مستشفى Kolan ، و بالرغم من كل التدخلات و الإسعافات الطبية التي قدمت للشاب السوري صالح إلا أنّه فقد حياته متأثراً بإصابته المباشرة في منطقة القلب ، الشاب الآخر ما زال في العناية المشددة و ذلك بعد تعرضه لطعنة حادة في منطقة الرقبة ، تم توقيف ( الجاني ) من قبل عناصر الشرطة ، و تم نقله إلى إحدى المراكز الأمنية في المنطقة ” .

لدى سؤالنا لصاحب المعمل و للعمال الأتراك عن دوافع الجناية و عن وجود مشاحنات أو خلافات سابقة بين القاتل و الضحية ، الكل أجمع على أنّ الشاب صالح كان حسن الخُلق طيب المعشر محبوباً من قبل الجميع ، و كان يتنقل بين المعامل كعاملٍ يبحث عن العمل وفق نظام ( اليوميات ) ، و يومه الأول في هذا المعمل ينفي أي علاقة أو خلاف سابق بينه و بين الجاني .

الجثة تم نقلها إلى مركز الطب العدلي في منطقة BakırKöy و ذلك لإتمام إجراءات التقرير الطبي المقترن بواقعة الوفاة ، و ستتم عملية نقلها إلى الداخل السوري ( بناءً على رغبة عائلته ) صباح الغد بإذن الله .

الشاب المغدور ” صالح العبد السباكة ” هو من مواليد مدينة معدان ( ريف الرقة ) ، كان يمتلك بطاقة الحماية المؤقتة الصادرة عن دائرة الهجرة في ولاية ŞanlıUrfa ، و كان قد قدِم إلى تركيا في عام 2018 .

▪︎خلال الأشهر المنصرمة ، زادت حدة المشاعر و السلوكيات العنصرية تجاه اللاجئين السوريين في تركيا ، الأمر الذي كان عاملاً محرضاً في وقوع جرائم كان ضحيتها عدد من الشبان و الأطفال السوريين .

على مر السنوات الفائتة ، عاش المجتمع السوري اللاجئ في تركيا وقائع جُرمية جمّة كان الدافع في معظمها ( عنصرياً ) ، و لعلّ أبرز تلك الوقائع في سياق تعدادها كانت واقعة مقتل الشبان السوريين حرقاً في منطقة Güzelbahçe ( في 16 من شهر تشرين الثاني من عام 2021 ) ، و لا سيما و أنّ القاتل أقرّ بجرمه و قيامه بحرق الشبان و هم نيام فقط لأنهم ( سوريون ) .

بعد نهاية العقد الأول زمنياً من تواجد السوريين كلاجئين ( مجازاً ) في تركيا ، و بعد تواتر و تسلسل الوقائع ذات السمة أو الدوافع العنصرية التي تستهدفهم ، بات جليّاً للعيان بأنّ هنالك أطرافاً و عوامل أخرى هي شريكة مع ( الجُناة ) في جرائمهم العنصرية ضد اللاجئين السوريين ، و قد تكون هذه الشراكة بصيغة / تأثير مباشر أو غير مباشر ، يمكن حصر تلك الأطراف بثلاثة عوامل / مسببات أولية ، هي وفق تراتبية تأثيرها و دورها :

• شخصيات و تيارات و أحزاب في المعارضة السياسية التركية ، و التي كانت / ما زالت منذ سنوات تحرّض على خطاب الكراهية و التمييز العنصري ضد اللاجئين السوريين ، و تستغلهم كورقة انتخابية في ميدان الصراعات السياسية الداخلية ضد الحكومة .

ساسة كأمثال Kemal Kılıçdaroğlu و Ümit Özdağ و Tanju Özcan و İlay Aksoy و Meral Akşener و Sinan Oğan ، هؤلاء هم شركاء في معظم الوقائع الجُرمية التي استهدفت / تستهدف اللاجئين السوريين ، و ذلك لفاشيتهم و عنصريتهم ( المقيتة ) تجاه اللاجئين السوريين .

هؤلاء هم المؤثرون و الفاعلون و المحرضون لكل المشاعر و السلوكيات و الجرائم ذات الطابع العنصري و التي كان / ما زال المجتمع السوري اللاجئ يعيشها بشكل شبه يومي .

سياسيون كأمثال Ümit Özdağ و Kemal Kılıçdaroğlu نجحوا مؤخراً في نقل خطاب الكراهية و التمييز العنصري إلى مرحلة ( الخطاب الشعبوي ) ، و باتوا يسعون إلى ربط مشاعر العداء ضد اللاجئين السوريين و الأجانب بالقومية التركية و الولاء للوطن ، و أصبحوا يرسخون فكرة ( الصفاء العرقي ) ، الأمر الذي بات جلياً في افتخار العنصريين بسلوكياتهم العنصرية ، و ظهور مجموعات عنصرية تنشر اعتداءاتها العنصرية في وسائل التواصل الإجتماعي ( Ataman Kardeşliği ، Özgürlük Postası ).

هؤلاء الساسة ( العنصريون ) يبدو و أنهم في مسار ممنهج في ميدان تحريضهم على اللاجئين السوريين ، إذ أنّ مشاعر الكراهية و التمييز العنصري لم تعد تقف عند صفة ( اللاجئ ) ، بل باتت تقترن بكل ما هو سوري أو يتعلق بسوريا ، و هذه الأيدلوجية باتت تسمى في ميدان الإعلام التركي Anti- Suriyelizm ( كراهية السوريين ) ، و هي موازية و تماثل فكرة Anti- Arap ( كراهية العرب ) و التي ما زالت متجذرة لدى فئات من المجتمع التركي منذ ما يناهز القرن من الزمن .
و لو أردنا التأكيد على ذلك ، فإنّ كراهية ( بعض ) الأتراك في دول الإتحاد الأوربي للسوريين المتواجدين معهم في تلك الدول ، هي خير مثالٍ و يقينٍ على ذلك ، إذ لم تعد الكراهية ضد ( السوريين ) مقترنة لكونهم لاجئين في الجغرافية التركية ، بل بات الأمر أبعد من ذلك و بات مرتبطاً بهويتهم السورية في كل مكان .

• الحكومة التركية ، بصمتها و سكوتها و عدم رغبتها بمساءلة و محاكمة كل من يحرّض على مشاعر الكراهية و التمييز العنصري .

في 2 من شهر شباط من العام الماضي ، تقدّمنا مع عدد من الشخصيات و الهيئات الحقوقية و الأكاديمية التركية بدعوى قضائية ضد Tanju Özcan رئيس بلدية Bolu .

قبل أسابيع ، أصدرت النيابة العامة في ولاية Bolu قرارها المقيد بالرقم ( 7834 / 2022 ) المتعلق بالدعوى ، و جاء القرار ب ( عدم الملاحقة القضائية ) ، و هذه الصيغة من القرارات يتخذها المدعي العام في حال ” عدم كفاية الأدلة ” ، و يغدو المُشتكَى عليه قانونياً ( غير مشتبهٍ به ) ، و يتم إغلاق الدعوى القضائية ضده .

في 14 من شهر كانون الأول من العام المنصرم ، أصدر القضاء التركي حكماً بالسجن على رئيس بلدية إسطنبول الكبرى Ekrem imamoğlu لمدة عامين و7 أشهر و15 يوماً ، و ذلك بتهمة إهانة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات ( في عام 2019 قال Ekrem في إحدى خطاباته ” إن من ألغوا انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول هم حمقى ” ) ، المحكمة وجهت إلى Ekrem تهمة“ إهانة موظفين عموميين يعملون كمجلس بشكل علني بسبب واجباتهم ” ، و ذلك لاستخدامه كلمة ” حمقى ” !

خطاب الكراهية و التمييز العنصري ضد اللاجئين السوريين و الأجانب و الذي تصدره Özcan رفقة بعض الساسة العنصريين في تيارات من المعارضة التركية كان سبباً ( غير مباشر / محرّض ) لأحداث و وقائع ذات طابع عنصري أودت بحياة عدد من اللاجئين السوريين ، و بالرغم من كل ذلك ، أصدرت المحكمة قرارها بعدم ( ملاحقته ) قضائياً و بات هذا القرار كبيان تبرئة له من كل مواقفه و سلوكياته العنصرية ، في الوقت الذي يتم فيه فرض عقوبة السجن على رئيس بلدية إسطنبول فقط لأنه استخدم كلمة ” أحمق ” !!

بين Özcan و Ekrem ، ما هي جوانب التباين في صدور القرار في كلا الحالتين ؟ و لا سيما وأنهما يتماثلان في موقعهما الوظيفي ( رؤساء بلديات ) !

واقع اللاجئين السوريين في تركيا خلال الأعوام المنصرمة اقترن مع تنامي حدة خطاب الكراهية و التمييز العنصري ضدهم ( لدى شخصيات سياسية في تيارات من المعارضة التركية ) ، و توازى واقعهم هذا مع غياب دور ( عدم رغبة ) الحكومة التركية في ردع هذه الشخصيات عن خطابها العنصري أو مساءلتها و محاكمتها وفق المسار القانوني القائم على مبادئ حقوق الإنسان و مناهضة التمييز العنصري .

نأي الحكومة بنفسها عن مساءلة الساسة العنصريين بات يرسخ فرضية ( دعمها و تشجيعها ) الضمني و توفيرها بيئة حماية لهم ، و ذلك في ظل اقتصار دورها على دعم اللاجئين السوريين معنوياً ( عبر تصريحات كلامية ) .

لماذا ( تُغيّب ) الحكومة دورها الصارم في مساءلة هؤلاء العنصريين ؟ ألا يجاز لنا أن نعتقد بأنّ صمت الحكومة في هذا الصدد فيه جانبٌ من القبول بالأمر الواقع ؟ هل من المنطق أن يكون دعم الحكومة لقضايا اللاجئين السوريين متوقفاً و مقترناً ( في معظم الأوقات ) ببعض السجالات و التراشقات الكلامية و وصف العنصريين ( بالعنصرية ) ؟

في جانبٍ آخر ، إن كانت شخصيات سياسية في تيارات من المعارضة هي من تتصدر المشهد في تحريضها بخطاباتها العنصرية ضد اللاجئين السوريين ، إلا أنّ بعض التصريحات من قبل قيادات و مسؤولين في التحالف الحاكم كان لها الأثر نفسه في تحريض المجتمع التركي على اللاجئين السوريين .

ففي شهر كانون الأول من عام 2019 ، و أثناء كلمته أمام وزراء الشؤون الإجتماعية بمنظمة التعاون الإسلامي ، أشار الرئيس التركي Recep Erdoğan بأنّ ” بلاده صرفت على اللاجئين السوريين 40 مليار دولار ” ! ، دون أن يقدم أي بيان عن كيفية صرف هذه الأموال و متى و أين ؟

كذلك ، و في 23 من شهر تشرين الثاني من العام الماضي ، صرحت وزيرة الأسرة و الشؤون الإجتماعية Derya Yanık بأنّ ” تركيا صرفت من مواردها الخاصة 45 مليار دولار على اللاجئين السوريين ” !

في كل واقعة ذات طابع عنصري ، يتم تحجيم المسألة بإلقاء اللوم على أطياف المعارضة ، و الإكتفاء ببعض التصريحات و الزيارات ذات السمة المعنوية .

مراكز و هيئات و مؤسسات أنشأتها الحكومة التركية مؤخراً في سبيل مناهضة البيانات و الإدعاءات الكاذبة ( في 13 من شهر تشرين الأول من العام الفائت ، أقرّ البرلمان التركي قانون ” التضليل الإعلامي ” ، و الذي يقضي بسجن الذين ينشرون معلومات مضللة لمدة تصل إلى ثلاث سنوات ، كذلك ، و في العام الماضي ، أعلن مدير دائرة الإتصال في رئاسة الجمهورية Fahrettin Altun عن إنشاء مركز ضمن هيكلية المديرة و ذلك في سبيل مناهضة المعطيات و الأنباء المضللة ) ، ما دور هذه المراكز و الهيئات ؟ أين هذه المراكز من خطابات Ümit Özdağ و Özcan و Kılıçdaroğlu ؟ .

غياب سُلطة القانون بات يمثل دافعاً لدى فئات أُخرى في المجتمع التركي في توجهها العنصري تجاه اللاجئين السوريين ( الصورة النمطية التي باتت تترسخ في عقلية المواطن التركي عن الإنسان السوري لاجئاً أكان أم مجنساً ، غدت مقترنة بعجز الإنسان السوري و ضعفه في الدفاع عن حقه أو صون كرامته ) ، و الحكومة مطالبة بتأمين البيئة القانونية الناظمة لحقوق السوري ( الإنسان ) قبل السوري ( اللاجئ ) .

• مؤسسات المعارضة السورية و الهيئات و المنظمات و اللجان الملحقة بها ، و التي غابت عن معظم الوقائع التي تعرض لها اللاجئون السوريون في تركيا .

هذه المؤسسات و المنظمات كانت / ما زالت تقدم صورة الإنسان السوري اللاجئ وفق نمطية الإنسان ( المحتاج ، الفقير ) ، و هذه سياسة ممنهجة لدى ( معظم ، و ليس كل ) هذه المؤسسات و المنظمات و ذلك في سبيل إستدامة منابع و قنوات الدعم ( على حساب اللاجئ السوري ) .

هذه المؤسسات و المنظمات نأت بنفسها عن جلّ القضايا العنصرية التي وقعت على اللاجئين السوريين ، و تركت اللاجئ السوري وحيداٍ في مصابه و نائبته .

غياب هذه المؤسسات و المنظمات عن تمثيل واقع اللاجئين السوريين و الدفاع عن حقوقهم ، كان سبباً مباشراً في عدم وجود جهات أو هيئات تقدم الدعم لهم و تصون كرامتهم الإنسانية ، الأمر الذي توازى كما أسلفنا سابقاً بترسيخ صورة / نمطية الإنسان السوري لدى وعي المجتمع التركي ، تلك الصورة / النمطية التي اقترنت بالإنسان العاجز ، المستضعف ، غير القادر على المطالبة بحقه و كرامته ، مما أعطى ذلك دافعاً لدى ( بعض ) أفراد المجتمع التركي في التمادي و الإعتداء على اللاجئ السوري ، و ذلك في ظل علمهم و يقينهم بعدم وجود أي جهة ستنصر ذلك اللاجئ ، و كونه الحلقة الأضعف في المجتمع .

هذه المؤسسات و المنظمات هي المسبب الرئيسي لإنهيار القيمة المجتمعية للإنسان ( السوري ) في المجتمعات التي يعيش فيها ، و هي المسؤولة عن كل جوانب التمايز ضد ( الإنسان ) السوري في معظم دول اللجوء .

هذه المؤسسات و المنظمات نأت بنفسها / امتنعت عن تشكيل هيئات قانونية مكونة من كوادر حقوقية ( سورية مجنسة أو تركية ) بحيث يقع على عاتق هذه الهيئات دور دعم اللاجئين السوريين قانونياً و متابعة قضاياهم في مختلف الميادين .

كان بإمكان هذه المؤسسات و المنظمات إنشاء تلك الهيئات القانونية ، و لا سيما و أنّها تمتلك قنوات التمويل و الدعم المالي ، و لا سيما و أنها كذلك تمتلك مديريات مخصصة لتوثيق الإنتهاكات ( مديرية توثيق الانتهاكات و حقوق الإنسان في هيكلية الحكومة المؤقتة ) .

في علم النفس الجنائي ، و عندما يتم التحقيق مع ( الجاني ) توّجه إليه أسئلة محددة ، من بينها ( ما الذي دفعك لاختيار هذه الضحية دون غيرها ) ، هذا السؤال يؤكد في معظم الأوقات وجود دوافع ضمنية في قيام ( الجاني ) بجرمه ، و في واقع اللاجئ السوري في تركيا ، فإنّ معظم الجناة يختارون اللاجئين السوريين كضحايا لهم ، إيماناً منهم بعدم قيمة و كرامة الإنسان السوري ، و ضعفه و عدم وجود جهات تطالب بحقوقه ، و هو ما يوثق الجانب العنصري الضمني في جناياتهم ، هذا الجانب الذي ساهمت فيه الأطراف الثلاثة التي ذكرناها آنفاً .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.