برنامج كرتوني يوضح معاملة السوريين مع أبنائهم في المجتمعات الجديدة

12 أغسطس 2022آخر تحديث :
برنامج كرتوني يوضح معاملة السوريين مع أبنائهم في المجتمعات الجديدة

برنامج كرتوني يوضح معاملة السوريين مع أبنائهم في المجتمعات الجديدة

تركيا بالعربي- متابعات

في ليلة 6 من آب الجاري، كنت وعائلتي قرب مدينة كولمار الفرنسية. ألح ابني على الذهاب إلى المدينة لمشاهدة فيلم سينمائي. سايرته على مضض، رغم أنني كنت أفضل البقاء في مكان التخييم الذي أردنا أن نقضي فيه يومين قرب هذه المدينة. حين وصلنا، بالقرب من السينما، كان ثمة ازدحام لافت، وبصعوبة وجدت مكانا لركن السيارة. شباب وفتيات يتراكضون لحضور الفيلم، فقادني الفضول لمتابعتهم إلى السينما القريبة، حيث تجمهر العشرات لشراء التذاكر.

قضيت فترة عرض الفيلم في كافيتريا مجاورة أنا وزوجتي. وبعد انتظار لأكثر من ساعتين، حيث تأخر العرض لنصف ساعة بسبب تواصل وصول القادمين لحضور الفيلم كما أخبرني ابني بعد خروجه، استفسرت منه عن محتوى هذا الفيلم، الذي قادني تفكيري “التقليدي” للاعتقاد أنه فيلم عظيم يشبه التايتانيك مثلا، لكنه أخبرني أنه فيلم كرتون ياباني يدعى “Red” من سلسلة مانجا “ون بيس” اليابانية وعرض في توقيت موحد في كل دور السينما بفرنسا وبعض دول العالم الأخرى، حيث يعرض لمرة وحدة فقط، وهو سلسلة تروي قصصا خيالية.

في الحقيقة، لم يكن لدي معلومات كثيرة عن هذا الموضوع قبل تلك الليلة، برغم أنني ألاحظ طبعا اهتمام ابني بهذه السلسلة حيث يواظب على مشاهدتها، واقتناء الكتب الخاصة بها، وكذلك المنتجات الأخرى التي تباع عبر الإنترنت.

غير أن مشهد الشبان وهم يتدافعون لحضور الفيلم في كل المدن الفرنسية حيث اصطفوا بطابور طويل جدا أمام دور السينما في باريس أكبر من طوابير البنزين في سوريا، في حين أثاروا شغبا في إحدى دور السينما في مرسيليا جنوبي فرنسا خلال عرض الفيلم من شدة حماستهم، للتعبير عن وقوفهم إلى جانب البطل، وهو ما استدعى تدخل الشرطة لضبطهم.

وتقول الصحافة الفرنسية إن 120 ألف شخص حضروا الفيلم في تلك الليلة في كل أرجاء البلاد، وهذا أعلى رقم مبيعات لفيلم ياباني في فرنسا حتى الآن، ومن المتوقع أن يزيد الرقم على المليون إذا عرض الفيلم لعدة أيام كما هو متوقع خلال الأيام المقبلة.

الأكثر مبيعا في العالم

تنتج الفيلم شركة “ون بيس” وكان هذا العام باسم “ريد” أو أحمر، (ONE PIECE: RED) هو فيلم أنمي مغامرات وفنتازيا من سلسلة أفلام “ون بيس” المستندة إلى “المانغا” التي تعالج قضايا فلسفية معاصرة بأسلوب لا يخلو من طرافة، وهو من رسم وكتابة إيتشيرو أودا.

وتعتبر منتجات “ون بيس” الأكثر مبيعا في العالم، حيث بيعت منها نحو 500 مليون نسخة منذ إصدار المجلد الأول في عام 1999 في 80 دولة، إضافة إلى 15 فيلما روائيا، ودخلت السلسلة موسوعة “غينيس” كأكبر حجم مبيعات لكاتب واحد لتقترب من التفوق على سلسة “سوبرمان” التي تحتفظ بالمرتبة الأولى في العالم برقم مبيعات وصل إلى 500 مليون نسخة.

وفق ما قرأت وكما أفادني ابني، تضم السلسة اليوم نحو عشر شخصيات رئيسية منذ بدء صدورها قبل أكثر من 20 عاما من خلال نحو ألف كتاب، حيث تضاف شخصية جديدة في كل مرة. وأهم تلك الشخصيات “لوفي” وهو صبي صغير اكتسب قدرة على التمدد بعد تناول فاكهة الشيطان. في أثناء سفره، يجمع طاقما بحثا عن “ون بيس”، الكنز الذي خلفه ملك القراصنة، ويسعى ليكون زعيم القراصنة ليحقق أحلامه في تحقيق الحرية في العالم خلافا للأنظمة الرسمية الديكتاتورية، ويتضمن إسقاطات عديدة من الواقع ومن الثقافات المختلفة بما فيها العربية.

ومسرح المغامرات يجري في جزر عدة متخيلة، حيث يتم الانتقال من جزيرة إلى أخرى بحثا عن الكنز، وإن كان البطل لا يبالي بالكنز بقدر سعيه لتحقيق أهدافه السامية في الحرية ومحاربة الأشرار.

والأب الروحي للبطل لوفي هو “شانكس” الشخصية الغامضة التي قلما تظهر، وحين ظهر في فيلم “ريد” الأخير، موجها ضربة إلى أحد الخصوم، جن جنون الحضور، وخرج سلوكهم عن السيطرة كما أسلفنا، ما استدعى تدخل الشرطة.

والملاحظة الأبرز في هذا المسلسل هي المبالغة في حجم الشخصيات الشريرة والتي يستطيع لوفي ورفاقه التغلب عليها، وهو ما يعطي الأمل للمستضعفين في العالم، للتغلب على القوى الشريرة، حتى لو كانت كبيرة. وتتناول السلسلة مواضيع عالمية وقضايا ساخنة بطريقة رمزية، مثل قضايا العبودية والفساد والعنصرية والظلم والحرية والاحتلال وغيرها بما يناسب الفئات العمرية الشابة التي يخاطبها، وذلك من منطلق إنساني بحت بعيدا عن الدين والثقافة والعرق.

بقي أن نقول إن شبكة “نتفلكس” بدأت بتصوير فيلم روائي عن شخصيات هذا الفيلم في جنوب أفريقيا، وقد نرى قريبا فيلما روائيا بشخصيات حقيقية، وليس كرتونية، لكن من غير المعروف إذا كان هذا العمل سيلاقي نجاحا مماثلا للأفلام الكرتونية.

كما يجدر القول إن هذه السلسلة كانت تعرض على شاشة “سبيستون” العربية قبل أكثر من 10 سنوات، ما يعني أنها معروفة لدى الأطفال العرب.

لماذا يستحوذ على عقول الشباب؟

بالنسبة للأجيال القديمة ربما يصعب عليهم استيعاب هذا الانجذاب من جانب شرائح واسعة من الشباب لمثل هذه الأفلام والكتب. وقبل أيام زارنا طبيب شاب فلسطيني، لكنه مولود في فرنسا، فوجدتها فرصة لألفت نظر ابني إلى ضرورة توسيع إطار ثقافته، ضاربا المثل من صديقه الطبيب الشاب، لكن فوجئت أن الطبيب يشاطر ابني الاهتمام نفسه بهذه النوعية من الكتب والأفلام، عندئذ حاولت توجيه نقدي إلى كليهما، بضرورة سعيهما لتكوين ثقافة حقيقية مكوناتها التاريخ والأدب والسياسة، لم يلق كلامي استحسانا عندهما، وأخبراني أن الرئيس الفرنسي ماكرون نفسه، له الاهتمامات نفسها، حتى أنه خاطب الشركة اليابانية صاحبة فيلم “ون بيس” خلال الانتخابات الأخيرة لتصمم له شعارا يتضمن شخصية أبطالها. طبعا، ماكرون وفريق حملته أرادوا التزلف من فئة الشباب لكسب أصواتهم في الانتخابات.

ومن خلال كتابتي عن هذه الظاهرة في “فيس بوك” وردت العديد من التعليقات لآباء يواجهون المشكلة نفسها مع أبنائهم خصوصا في المجتمعات الجديدة التي وفدوا إليها. وتراوحت الآراء بين ضرورة تفهم اهتمامات الجيل الجديد التي قد لا تكون متطابقة مع ميراثنا الثقافي وما تعودنا عليه في مجتمعاتنا الشرقية، وآخرون اعتبروها تغريبة جديدة أو حتى مؤامرة تستهدف سلخ جيل الشباب عن قضاياهم الحقيقية وتوجيهها نحو عوالم متخيلة.

يقول أسامة مرشد المقيم في مدينة ميتز الفرنسية، وهو كاتب سيناريست ومعد برامج ثقافية ومتابع لهذه النوعية من الأفلام والمنتجات إن هذه الأفلام والمسلسلات تحمل جرعة فلسفية وفكرية عالية جدا، وليست ساذجة كما نظن نحن ومن في جيلنا، حيث يحجم غالبيتنا عن التفاعل مع مفردات الإعلام والدراما الحديثة، ما يفوت عليهم اكتشاف قيمة أكبر بكثير مما ألفوه من قبل في الأدب والسينما التقليدية.

الجيل القديم عاجز أمام الجيل الجديد

وأوضح مرشد في حديثه مع “تلفزيون سوريا” أن اهتمامه بهذه المنتجات بدأ قبل سنوات على خلفية اهتمام ابنته التي لديها هوس كبير بها لدرجة أنها تعلمت اللغة اليابانية ولديها محاولات “خجولة” لإنتاج مماثل. ورأى مرشد أن جيله هو “الجيل الوحيد عبر التاريخ، الذي تعلم من آبائه، ومن أبنائه في الوقت نفسه” لكن علينا أن نعترف أننا غير قادرين على “تعليم أبنائنا، ربما نرشدهم ونربيهم في سنواتهم الأولى، لكن بعد ذلك الميديا ستتكفل بكل شيء”.

وأضاف أن الحصول على أي معلومة كان في الماضي أمراً شاقاً حقاً، يحتاج إلى الكثير من المطالعة والبحث، والتنقيب، والمقارنة، ومن بين ألف صفحة نقرأها قد نجد صفحة واحدة قيمة، لكن إن وجدنا رأياً لا نجد رأياً مضاداً او وجهة نظر أخرى، لذلك كانت وجهات نظرنا في الغالب مؤسسة بناء على ما نقرأ أو بناء على وجهة نظر واحدة فقط، لذلك كنا جيلا ذا نظرة أحادية للأمور، وهذه ما سهل أدلجتنا”.

وفيما يخص الجيل الجديد، يقول مرشد إن الأمر مختلف كلياً، و”أول الأمر اللعب بألعاب الكومبيوتر، وهذا ما كنا نرفضه وربما نعتبره سخيفا، لكن الأجيال الجديدة منها مبنية على أفكار فلسفية عميقة، وأفكار عملية وخيالات لا حدود لها، إضافة إلى أنها تجعل من يلعبها ذا بديهة سريعة ويتمتع بقدرات فائقة على التحكم وإدارة الموقف وسرعة في معالجة البيانات والأوامر، والانتباه إلى أدق التفاصيل، لذلك فإن هذه الألعاب خلقت جيلاً متطوراً فيزيائياً ومهاراتياً أكثر منا بكثير”.

أنواع جديدة من الأدب والسينما

وأوضح أنه بالتزامن مع ذلك ظهرت أنواع أخرى من الأدب والسينما في اليابان وفرنسا والولايات المتحدة مثل الكوميكس والمنغا والإنمي، وغالبا هذا النوع من الأدب والسنيما، يبنيه ويصوغه مجموعة من الأدباء والباحثين معاً، فهو في غالبيته عمل جماعي، مؤسس على أفكار عملية فلسفية، يعالج مواضيع جريئة جداً في علم النفس ودواخل الإنسان العميقة، فتفنن هذا النوع بولوج مناطق عصية علينا من قبل وبكل سلاسة، ما شكل تراكماً فكرياً ومعرفياً سريعاً لدى الأطفال، وقدرة على تبني مواقف إيجابية أو سلبية مؤيدة أو مخالفة، لأي فكرة تطرح عليهم، بالتزامن مع وجود ملايين المقالات عن أي موضوع على الإنترنت بمتناول الجميع، تشرح وتفند وتعارض، حيث كل شيء متاح، وغالبية أطفالنا يطلعون ولو بنسب مختلفة على كل شيء، فأصبحت وجهات نظرهم في الغالب مبينة على اطلاعات حقيقية، ومكثفة. ولا شك أنه ليس كل الأطفال كذلك، لكن من يريد يستطيع وبكل سهولة.

وبشأن مسألة تسطيح العقل البشري وتوجيهه لقبول بعض المسائل الشاذة، أو للتفكير باتجاهات فكرية محددة، فيرى مرشد أن هذا الأمر وارد دائما وفي كل العصور، هناك من يستغل الثقافة لتصدير أفكاره وتسويقها. ويضيف: “عندما أناقش اليوم شاباً في العشرين أو حتى أقل، أصعق بموسوعيته، وبقدرته على المحاججة والنقاش والنظر إلى أي موضوع من زوايا كثيرة ومتعددة، وإن استطعت مجاراته في موضوع فلن أستطيع ذلك في مواضيع أخرى”.

وكتبت السيدة أنوار العمر المقيمة في كندا منذ 26 عاما أن ابنتها الشابة تستغرب خلال النقاش بينهما لماذا عليها أن تحب الأشياء نفسها التي يهتم بها أهلها. وتقر العمر بأن سرعة رفض الأهل لاهتمامات أبنائهم المختلفة عن اهتماماتهم سببه سرعة التغييرات وعدم قدرة الأهل على مواكبتها، لذلك يرفضونها بشكل تلقائي، والأفضل كما تقول، هو أن يحاولوا الاقتراب أكثر من أبنائهم للتعرف إلى اهتماماتهم عن كثب واستيعابها بقدر المستطاع، وقد يكتشفون أشياء مفيدة وأنه كان من الخطأ المسارعة إلى اتخاذ موقف عدائي تجاهها، وفي الوقت نفسه قد يتمكنون من غرس أشياء مفيدة في عقول أبنائهم، في حال كان الحوار مفتوحا ومريحا للطرفين.

وتضيف العمر أنه منذ وصولها إلى كندا قررت أن تكون مرنة في تفكيرها ومنفتحة على ما هو جديد بغية التأقلم مع البيئة الجديدة المختلفة كليا عن بيئتنا التي توارثناها من دون تمحيص كبير بين عجرها وبجرها. وتضيف: “اليوم بعد 26 سنة صارت لدي خلطة عجيبة من كلا الثقافتين، وصار يمكننني التأقلم مع الحياة بشكل أسهل بكثير من قبل، وهو ما نجحت في نقله إلى أولادي، أي أن يأخذوا الأشياء الجيدة من كلا المجتمعين العربي والغربي”.

وفيما دعت السيدة جيهان أمين المقيمة في دمشق إلى ترك الجيل الجديد يستمتع بوقته واهتماماته المختلفة عن الجيل السابق، اعتبر الصحفي خالد حاج بكري أن جيل ما بعد الألفين له شخصيته المميزة، وبعد سنوات قليلة سنرى عالما جديدا ومختلفا بالكامل، داعيا الجيل الأقدم إلى وعي هذا التغيير وقبوله من دون تضييع وقت كبير في محاولة حبه بشكل حقيقي.

وفي المقابل، يقول الصحفي فؤاد عبد العزيز المقيم بين فرنسا وتركيا إن غربته تزداد كلما جلس مع أحد أولاده وتعرف إلى اهتماماتهم، في حين رأت خديجة حداد المقيمة في فرنسا أن ما نشهده اليوم هو “إعادة صناعة العقول، وهي عملية يضطلع بها كارتل الإنتاج الإعلامي العالمي المرتبط بكارتل المال العالمي”. كما اعتبر طلال مهدي أننا نعيش في عصر “التجهيل العلمي والخرافات الشيطانية”.

أما المدرسة شيماء مسلم، فقد كان لها رأي وسط، ورأت أنه قد يكون هناك انجذاب لهذه الثقافة مع الاهتمام بأمور أخرى، مشيرة إلى أنها تتابع مسلسلات أنيمي يابانية وتستمتع ببعضها، لكن هذا لا يمنعها من أن تكون جدية في حياتها وأن تسعى إلى رفع رصيدها من العلم والعمل.

المصدر: تلفزيون سوريا – عدنان علي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.