مصر تحب السوريين .. ولكن!

7 أغسطس 2022آخر تحديث :
مصر تحب السوريين .. ولكن!

مصر تحب السوريين .. ولكن!

بقلم الكاتب أحمد طالب الأشقر

إن إيجاد دولة ملائمة للاجئين السوريين، أصبح من أشد هواجسهم وأكثر همومهم على الإطلاق ، فكان لابد من بديل مناسب وآمن يشعر فيه اللاجئين كأنهم في وطنهم الأم ، بعيداً عن العنصرية و التضييق الذي يتعرضون له في بعض الدول اللجوء ، والذي قد يتطور إلى خطاب شعوبي تحريضي يُتبنى ” رسمياً ” ، لإجبارهم على ” العودة طوعياً ” وربما هذه ما يحدث فعلاً ! .

لماذا مصر .. وما الذي يميزها عن غيرها ؟!

مصر العروبة أم الدنيا ، تعتبر مصر الدولة الشقيقة الكبرى من حيث عدد السكان ومن حيث المساحة الجغرافية المأهولة ومن حيث قطاع الصناعة والتجارة والزراعة وسوق كبير للخدمات والمنتجات.

وقد أصبحت بيئة خصبة لجذب الاستثمارات وجذب اليد العاملة الماهرة من دول عدة عداك عن طبيعة شعبها الودود ، ومما لاشك فيه أن القرار السياسي في مصر اتجه _بادئ الأمر_ وبشكل ملحوظ لاستيعاب موجة لجوء من دول عربية ومن سوريا على وجه الخصوص .

فبدأت الموجة الأولى للهجرة مع بداية الثورة السورية ، بهجرة الصناعيين والتجارة ورؤوس الأموال الكبيرة من صناعيي حلب ودمشق ثم تبعها رؤوس الأموال المتوسطة ، و بعد أن ألفَ اللاحقون ما بدأه السابقون ، جاءت موجة الهجرة الثالثة من سوريا ودول اللجوء الإقليمي ، تركيا ولبنان وغيرها ، وهنا عملت الحكومة المصرية على تعديل الإجراءات القانونية والأمنية في منح الفيز للسوريين بشكل يتناسب مع المتغيرات الداخلية والخارجية.

يذكر أن عدد المقيمين السوريين حالياً في مصر بحسب بعض الإحصائيات يبلغ قرابة 500 ألف مقيم، يعمل الكثير منهم في الصناعة والتجارة وشركات الأغذية والورش الحرفية والمهنية والمطاعم وفي المقاولات والإنشاءات، إضافة للطلاب والمسجلين كلاجئين في قيود مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.

في حوار أجريته مع سيدة مصرية تدعى “أم أدهم”، وهي خريجة بكالوريوس تجارة وتعمل في التسويق، تقول :

“السوريون اخوتنا واحنا كشعب بنحبهم جداً ، وماشاء الله أثبتوا كفاءة في جميع التخصصات عشان كده في وقت قصير جداً لفتوا الأنظار ليهم بشكل واضح يمكن اكتر من أصحاب البلد نفسها ما شاء الله تحسهم عندهم ابتكارات ديماً، عندهم نشاط هما هنا عايشين بأمان لأن الناس هنا بتحبهم جداً”.

وعن أكثر شيء تحبه السيدة “أم ادهم” في السوريين :

” أما بنسبه ليا اكتر حاجه بحبها أكلهم بحبه جداً، وبجد عندهم سلام داخلي مش عصبين ، أسلوبهم هادي عندهم طولة بال وصبر، عايزين يوصلوا ومحدش بيوصل غير لما يكون شغال على نفسه بشكل كبير فيارب احفظ جميع دولنا العربية وديما نعيش في سلام ، ويرد ارضكم ليكم ويخرج منها كل ظالم .

وتكمل السيدة أم أدهم : ” بنسبة للانتقال هنا في مصر للعيشه والأمان ده هتكون كويسه لأن أنا كشعب مش بنأذي حد بل بالعكس بنكرم ضيوفنا جداً، وبالنسبة للعمل لو الشخص عنده مؤهل عالي يسمحله بشغل وعنده مميزات كتير سهل أنه يشتغل ، أو حتي علي الأقل حرفة ، هنا معظم السوريين أثبتوا كفاءة في الحرفية عندهم صنعه وبيتقنوها.

أما لو جي معندكش مؤهل معندكش حرفه هتتعب شوية في الأول لحد ما تثبت كفاءة بس السورين يقدروا علي ده عشان عندهم صبر أكتر من شبابنا عندنا الشباب بتكون في أشغال كتير بس بيتشرطوا شوية عايز مبلغ اد كده، سكن اد كده، يفضلون يتنكو لحد ما الشغلانه تروح منهم، شوفت علي كده أمثاله حيّة كتير في بدايته أول ما السوريين نزلوا مصر، شوفت فيهم ناس مكنوش بيعرفوا في أي مجال وماشا الله مع صبرهم ونشاطهم أصبحوا حاجه كويسه جدا حاليا”.

ومع كل هذا الإيجابية الحكومية والشعبية تجاه السوريين، ورغم كل الجهود المبذولة من السوريين لمحاولة خلق استقرار نسبي في” بلدهم الثاني مصر” ، إلا أن الأمم المتحدة لها نظرة متشائمة تجاه ظروف معيشتهم فيها ، حيث قالت المفوضية في موقعها الرسمي : ” وعلى الرغم من حسن الضيافة التي تبديها مصر ودعمها للاجئين، بما في ذلك توفير التعليم المجاني والوصول إلى خدمات الرعاية الصحية على قدم المساواة مع المصريين ، إلى أن العديد من اللاجئين يكافحون من أجل توفير الطعام لأسرهم ، وإرسال أطفالهم إلى المدرسة والحفاظ على مساكنهم. ”

في تحقيق أجرته” العربي الجديد”، سنة 2021 م عن أحوال السوريين في مصر والصعوبات التي تعترضهم، يقول التحقيق في مقدمته :” فاقمت تعقيدات البيروقراطية المصرية معاناة اللاجئين السوريين الساعين لاستخراج إقاماتهم ، وخاصة بعد ارتفاع الرسوم وتردي الوضع المعيشي، وبالتالي بات عليهم الدفع لسماسرة يقربون المواعيد خوفاً من الغرامة والترحيل”.

وتكمل الصحيفة : ” يُجمع السوريون الذين قابلتهم معدة التحقيق على أن العوائق المادية تصعب حصولهم على الإقامات، إذ أكد 17 شخصا من أصل 30 حالة وثقت معدة التحقيق تجاربهم أن رفع رسوم الإقامات جعلهم عاجزين عن تأديتها، وخاصة أن 85% من اللاجئين السوريين المسجلين غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية، بحسب تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين في مصر الذي أجرته المفوضية عام 2017.

علاوة على التكاليف الخفية التي تدفع لاستخراج وثائق تعد من متطلبات الإقامة، وهي بحسب 22 شخصا من العينة، تشكل ” العبء الأساسي ” على عاتقهم. ومن بينهم ( أ. ز ) المقيم برفقة والدته في مدينة 6 أكتوبر منذ 8 سنوات ، واضطر إلى دفع مبالغ كبيرة لتجديد إقامتهما العام الماضي”.

وهنا لابد من الإشارة لمسألة مهمة، فبعد موجتي الهجرة الأولى والثانية والتي بدأت مع بداية الثورة السورية ، أعادت مصر النظر في قراراتها تجاه موجة اللجوء الثالثة والتي تركزت بدرجة أكبر من مناطق سيطرة النظام في دمشق وحلب والساحل ، حيث تعتبر هذه الموجة موجة لجوء لأسباب” اقتصادية ” بحتة، ولاتشبه الظروف الانسانية الناجمة عن الحرب في مدن وقرى السوريين الأوائل ، وهذا ماتتجنب مصر أن تقع فيه ، وهو إضافة أعباء بشرية جديدة على كاهلها.

ختاماً .. وكنصيحة عامة من سوريين وصلوا مصر حديثا ، لا تُقدم على الذهاب لمصر إذا ماكنت من فئة رجال الأعمال أو من المستثمرين المتوسطين أو الناشئين ، لأنك حينها ستجد نفسك قد غرقت في طوفان كبير يبدأ في صعوبة تكوين مصدر دخل مستقر ولاينتهي بدوامة البيروقراطية الإدارية في استخراج وتجديد الإقامات والأوراق الثبوتية من سوريا ومصر.

المصادر :

– الموقع الرسمي لمفوضية شؤون اللاجئين.
– تحقيق لصحيفة “العربي الجديد” / 2021م.
– مقابلات واستطلاع رأي عبر الانترنت.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.