لاجئون سوريون في تركيا: العنصرية تهدد المجتمع التركي أيضا

6 أغسطس 2022آخر تحديث :
لاجئون سوريون في تركيا: العنصرية تهدد المجتمع التركي أيضا

لاجئون سوريون في تركيا: العنصرية تهدد المجتمع التركي أيضا

تركيا بالعربي – متابعات

يعيش اليوم نحو 4 ملايين لاجئ سوري في مختلف الولايات التركية، ومعظمهم محرومون من حقوقهم الإنسانية الأساسية، هدفًا للغضب الاجتماعي الذي تزامن مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في تركيا، ما يجعل حياة هؤلاء اللاجئين أكثر صعوبة ومصيرهم غير واضح.

صحيفة “دوفار/ Duvar” التركية تناولت في تقرير نشرته اليوم السبت، الواقع المرير الذي يعيشه اللاجئون السوريون في تركيا من خلال حوار أجرته مع الناشطَين السوريين في شؤون اللاجئين بتركيا: (ن. م) المدرّسة السابقة وعضو الحركة السياسية النسوية السورية، و (ز. د) الناشط السوري وعضو المكتب السياسي في “حزب اليسار الديمقراطي السوري”.

المطالبة بالديمقراطية والرد بالرصاص

وينقل التقرير عن (ن. م) قولها إن “سوريا بلد راسخ الجذور بشعبه وحضارته. وكان وصول الدكتاتور حافظ الأسد إلى السلطة قبل 50 عاماً، مدمراً لكل الحريات وبمثابة كارثة لسوريا. وجاء نجله بشار الأسد إلى السلطة بمزاعم جلب الديمقراطية إلى البلاد. إلا أنه ردّ على الناس الذين طالبوا بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة بالسلاح والمجازر والاعتقالات”.

وتصف (م) دوافع السوريين إلى اللجوء فتقول: “كان على الأشخاص الذين تمكنوا من الفرار من ظروف الحرب اللجوء إلى البلدان المجاورة. ونظرًا لقربها من الحدود ولتشابه بنيتها الاجتماعية والثقافية والدينية، أصبحت تركيا الدولة الأكثر جذبًا للاجئين السوريين”.

أما (ز. د) فيقول: “يعيش الشعب السوري تحت حكم قمعي منذ انقلاب (البعث) العسكري عام 1963 ضد الحكومة السورية المنتخبة. انتقلت السلطة عام 1970 إلى حافظ الأسد الذي ارتكب العديد من المجازر بحق الشعب السوري. وفي عام 2000 وصل ابنه بشار إلى السلطة ليواصل نظام والده القمعي”.

ويضيف: “لم يتباطأ سلوك الاعتقالات والقمع العنيف لكل صوت معارض في المجتمع منذ بداية تسلّمه السلطة”.

ويتابع (د) سرد ما تعرض له السوريون ودفعهم لمغادرة بلادهم بعيد انطلاق الاحتجاجات (آذار 2011) ضمن سياق أحداث ربيع العربي، حيث دفع نظام الأسد بـ “الجيش السوري” إلى الميادين للتصدي للمتظاهرين من المدنيين الذين زادت أعدادهم على الرغم من نيران الجيش، واستمرت المظاهرات التي طالبت بإسقاط النظام القمعي والتحول إلى نظام ديمقراطي، وما لحقه من انتشار للعنف في جميع أنحاء سوريا: “النظام وإيران وروسيا وداعش والقاعدة… والعديد من التنظيمات الأخرى التي شاركت في الحرب” وما خلفه من دمار للمدن.

استغلال الأزمة الاقتصادية ضد اللاجئين

وفي ردّها على سؤال حول انخفاض معدل قبول اللاجئين في المجتمع التركي وازدياد حالات العنصرية ضدهم، تقول (م): “رغم تدخل القوى الإقليمية والعالمية وجهود التفاوض وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2245 الذي يطالب بوقف إطلاق النار في سوريا وإرساء حل سياسي وعودة طوعية وآمنة للاجئين، إلا أنه لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء حتى الآن”.

وتضيف: “نتيجة ذلك، استغل بعض السياسيين وبعض أحزاب المعارضة في تركيا الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة الليرة التركية وبدؤوا في التحريض ضد اللاجئين السوريين. إنهم يحاولون تحقيق النجاح في الانتخابات المقبلة، بدعوى أن السوريين يعيشون بالفرص التي يستحقها الشعب التركي. هذه العبارات بالطبع لا تعكس الحقيقة، فالذي يدفع ثمن المساعدات الجزئية المقدمة للسوريين في تركيا هي الأمم المتحدة (والاتحاد الأوروبي)، ويوجد توثيق لكميات وتواريخ هذه المساعدات”.

من جهته، اعتبر (د) أن تركيا “باعتبارها استمرارًا لإمبراطوريتين متتاليتين، لم تتّبع علمانية تتفق مع تنوعها الثقافي، وتم فرض نموذج قائم على التوحيد القياسي على المجتمع. وكانت النتيجة مناخًا من الخوف خلق صراعًا مستمرًا بين الهويات المختلفة”.

ويضيف التقرير أنه عندما جاءت أولى مجموعات اللاجئين إلى تركيا، اكتشف الأتراك أن أفرادها لم يكونوا مختلفين ثقافياً عن مجتمعاتهم. لذلك فتحوا لهم بيوتهم ووقفوا إلى جانبهم. لكن في العملية المستمرة، وبسبب الركود الاقتصادي والمعلومات المضللة عن السوريين (تلقي مساعدات مختلفة من الدولة… إلخ) بدأ خطاب الكراهية يجد لنفسه مكانًا. كما خلق المناخ الانتخابي أرضية مناسبة لتعزيز هذا الخطاب واستهداف اللاجئين.

“عندما تتشكّل دولة ديمقراطية سنعود إلى منازلنا”

وجواباً على سؤال يتمحور حول تصوّر الأتراك بأن السوريين “مجتمع إسلامي سياسي متجانس، وأن جميع الثوار في سوريا هم (جهاديون)”، تعلّق (م) بالقول إن “سوريا مزخرفة وملونة مثل الفسيفساء أو الأطباق السورية الشهيرة (الفتّوش) لا يوجد نكهة أفضل من الأخرى. لقد تمكن الشعب السوري من العيش معًا عبر التاريخ. توجد العديد من الطوائف والجماعات العرقية في كل مدينة سورية تقريباً”.

وتتابع: “السنّة هم بالطبع أكبر مجموعة في سوريا (بين 65- 80 بالمئة). ومع ذلك، عندما اندلعت الثورة في سوريا، وقف الشعب بكل مكوناته ضد دكتاتورية الأسد. واتهم الأسد الجماهير التي طالبت بالحرية بالجهاد والتطرف، وزعم –أمام العالم- أنه يخوض حربا على الإرهاب. ومن الطبيعي اتهام السوريين-ومعظمهم من الطائفة السنية- الذين اضطروا للجوء إلى تركيا بسبب هذه الدعاية، بأنهم (جهاديون/ إرهابيون”.

وتوضح (م) بأنها تنحدر من أقلية سورية، وبأن أصدقاءها السوريين في تركيا ينتمون لديانات وهويات عرقية مختلفة. وتقول: “آمل أن يفكر الشعب التركي بحكمة ويرى الحقيقة ضد خطاب الأسد أو أولئك الذين يقومون بالدعاية العنصرية لمصالحهم السياسية. لم نأت إلى هنا من أجل الرفاهية والمتعة. نحن هنا لأننا لا نريد أن نعتقل أو نعذب أو نقتل. وعندما تنتهي الحرب ويحاسَب المجرمون وتؤسس دولة ديمقراطية، سنعود إلى ديارنا”.

“السوريون يؤمنون بدولة ديمقراطية ومتعددة الثقافات”

ويقول (د) إنه خلال الثورة السورية فقد أصدقاءً من مختلف الهويات في سوريا “بما في ذلك العلويين والمسيحيين…” الذين قضوا على يد النظام. ويضيف: “من يظن أن المجنس السوري سيصوت لحزب معين فهو مخطئ. إن شعب سوريا -تمامًا مثل الشعب التركي- من الناحية الثقافية في الغالب محافظ، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم إسلاميون سياسيًا”.

انتشار خطاب الكراهية يسبب الغضب في المجتمع

وحول إمكانية مناهضة العنصرية عبر التعاون بين السوريين والأتراك، توضح (م) أن “الشعب التركي إنساني ومضياف للغاية. ومع ذلك، فإن خطاب الكراهية الذي تنشره بعض الجماعات يسبب الغضب في المجتمع. ويصاحب الإقصاء الاجتماعي أفكار التعصب والعنصرية والتمييز. وهكذا يتحول خطاب الكراهية إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية تعقد حياة المجموعة التي يستهدفها”.

وتتابع: “هناك العديد من المثقفين والفنانين والكتاب والمنظمات غير الحكومية والهياكل النسوية التي تقف ضد خطاب الكراهية بين الشعب التركي، وتسعى للحد من تأثيره، وتسعى إلى حل مشترك لهذه القضية. نجتمع معهم في العديد من الندوات والاجتماعات لتعزيز الشعور بالثقة الاجتماعية والسلام”.

ويؤكد (د) بدوره على “العمل باستمرار لتوحيد أصوات الفئات المتناثرة المناهضة للعنصرية، وتحفيز الشرائح الخجولة التي تلتزم الصمت ضد خطاب الكراهية على اتخاذ موقف فاعل. على سبيل المثال، يمكن دعوة الأحزاب السياسية للإعلان عن “وثيقة شرف” تنصّ على فصل ملف اللاجئين عن الصراع الانتخابي. ويجب أن نكون قادرين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال، ويجب أن ننظم حفلات ومباريات ولقاءات تشرح واقع السوريين. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نواصل النضال القانوني من خلال رفع دعاوى قضائية ضد الأشخاص والجماعات التي تنشر أخبارًا استفزازية وتستخدم خطاب الكراهية”.

خطط الأحزاب السياسية الرئيسة في تركيا لإعادة اللاجئين

“أشعر بخيبة أمل من التشكيلات السياسية ضيقة الأفق والضحلة التي تستغل ورقة اللاجئين للنجاح الانتخابي والتي لا تتردد في تصعيد خطاب الكراهية. قد يفوزون بالانتخابات لكنهم سيفقدون إنسانيتهم. أخشى أيضًا أنه في حالة إعادة اللاجئين، فإنهم سيتعرضون لخطر التعذيب والقتل على يد النظام السوري الوحشي” تقول (م).

وتضيف: “إن زيادة خطاب الكراهية والاستقطاب تجاه اللاجئين يحمل في طياته خطر الانتشار داخل المجتمع التركي نفسه وإثارة صراع داخلي. وبمحاربة خطاب الكراهية فسنؤمن الحماية للشعب السوري والتركي من العواقب غير المرغوب فيها لهذا الاستقطاب”.

أما (د) فيرى أن “الخطاب الشعبوي المستخدم في الصراع الانتخابي يجعلنا قلقين وخائفين. هذه عقبة أمام اندماجنا في المجتمع التركي. وإذا بقي اللاجئون السوريون في حالة خوف وعدم استقرار، فلن يمكنهم الكشف عن معارفهم وخبراتهم .

ويختم: “أود أن أشكر كل من يقف إلى جانب اللاجئين السوريين ويدافع عن حقوقهم، وأريد أن أقول لهم: عندما يحل السلام في سوريا يومًا ما، ستكون بيوتنا وقلوبنا مفتوحة لكم كشعب ثار من أجل حريته. لن ننسى الجميل الذي قدمتموه لنا، وسنجعلكم ترون جمال سوريا وشعبها المضياف لزيادة المحبة والمودة بيننا”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.