السوريون يتكيفون بشكل كبير في تركيا

7 يوليو 2022آخر تحديث :
بقاء السوريين في تركيا
بقاء السوريين في تركيا

السوريون يتكيفون بشكل كبير في تركيا

ألمونيتور – ترجمة: ربى خدام الجامع – تلفزيون سوريا

عندما أتى سعد الناصيف من سوريا إلى الجنوب التركي في عام 2012، كان لا يعرف إلا النزر اليسير عن البناء، وبما أنه تعرض لمنافسة من قبل الأتراك، لذا فقد دخل ذلك المجال عبر بعض معارفه من العمال المختصين بأعمال البناء الحجرية حسب التقاليد والأعراف في مدينة حلب السورية، وهكذا أسسوا جميعاً شركة SMM وذلك لسد تلك الفجوة في الأسواق التركية. فقد ساعدت معرفتهم في هذا المجال التقليدي شركتهم على الصمود في وجه العاصفة الاجتماعية – الاقتصادية التي طالت مؤخراً شركات سورية أخرى أقيمت في تركيا.

أسس السوريون ما بين 11 إلى 14 ألف مشروع تجاري في تركيا منذ قيام الثورة السورية، وإذا أخذنا التخصيم (أي بيع الشركة لديونها المستحقة بسعر منخفض لطرف ثالث مقابل حصولها على أموال لتباشر أعمالها بشكل فوري) داخل السوق السوداء بعين الاعتبار، فلابد أن يتضاعف هذا العدد ضعفين أو ثلاثة.

ونجح السوريون في مجال التصدير، وفي ربط زبائنهم ورأس المال الاجتماعي بتركيا، وأسهموا في توسيع شبكة التوريد المحلية. كما تقدم الشركات التي يملكها سوريون خدماتها المحلية للمهاجرين السوريين ولقطاعات تحتاج إلى خبرات محددة أو الكثير من العمال مثل البناء الحجري، وصناعة الأحذية، والمنسوجات، والنجارة وغيرها.

غير أن المشاريع التجارية السورية بمختلف مجالاتها تتعرض اليوم لسلسلة من التحديات في تركيا، بدءاً من جائحة كوفيد-19 التي طال أمدها، وصولاً إلى الاقتصاد والسياسة.

تعكس الحجارة الحلبية تاريخ تلك المدينة التجارية العظيمة رمزياً وحرفياً، إذ تتربع قلعة حلب الأثرية فوق تلة من الحجر الجيري الطبيعي، كما يحتوي مسجد النقطة في تلك المدينة على حجر يعتقد أنه تلطخ بدماء الحسين، سبط النبي محمد، وهكذا أتى لقب حلب الشهباء أو حلب البيضاء من الشكل المشرق لتلك المدينة.

في عام 2016، تجاوزت شركة SMM هدفها المتمثل بتحقيق ربح يعادل مليون ليرة تركية، في الوقت الذي توظف فيه 126 عامل بناء حجري ليقوموا بتجديد وترميم حجارة المساجد والأبنية القديمة في عموم الجنوب التركي، بالإضافة إلى بناء مطاعم وفيلات جديدة في المنطقة ذاتها.

إلا أن تلك التطورات الإيجابية لم تمر مرور الكرام على مسؤولي الحكومة في المنطقة، إذ يقول أوندار يالجان، وهو رئيس مديرية الهجرة لدى بلدية غازي عنتاب: “لقد سد المهاجرون السوريون مشكلة نقص العمالة، وذلك في مجال نحت الحجارة وغير ذلك. وهكذا تحسن شكل المدينة” حيث استشهد هذا المسؤول بعمليات التجديد والترميم التي أفادت قطاع السياحة الذي توسع في غازي عنتاب بشكل كبير.

تحديات بالنسبة للمشاريع السورية

ظن القائمون على شركة SMM بأن عام 2020 سيكون الأفضل على الإطلاق، إلا أن كوفيد-19 تفشى حينذاك، بيد أن الضغوطات على رجال الأعمال السوريين لم تزدد إلا منذ أن بدأت الأزمة الاقتصادية الحالية تعصف بتركيا. إذ كشف تقرير صادر عن أسواق البناء خلال الشهر الماضي بأن معظم الشركات السورية في تركيا ترى بأن الأزمة الاقتصادية الأخيرة خلفت أثراً سلبياً أشد من تأثير الجائحة. كما أن الضرر الأكبر أصاب المشاريع التجارية السورية التي تعمل في السوق المحلية، إلا أن الصادرات أصبحت منافسة بنسبة أكبر. أي أن الظروف الحالية كانت بمنزلة مؤشر لكثير من الشركات السورية، وبينها شركة SMM، حتى تركز على الصادرات بشكل أكبر مقابل حصولها على العملة الصعبة.

أما التحدي الأخير بالنسبة لرجال الأعمال السوريين في تركيا فقد كان سياسياً، وذلك لأن السياسيين الأتراك استغلوا المشاعر المعادية للاجئين والتي ازدادت في الآونة الأخيرة، وذلك لإلقاء اللوم على السوريين بالنسبة للفوضى الحاصلة في مجال الاقتصاد، وهكذا ارتفع عدد الأتراك المطالبين بإعادة السوريين إلى بلدهم أربعة أضعاف خلال سنوات ثلاث، وازداد ذلك العدد بسبب الانكماش المالي الذي حدث في الفترة الأخيرة. وهذا ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليعلن عن نيته بإعادة توطين مليون سوري ضمن “مناطق آمنة” في سوريا. كما ظهرت دعوات تطالب بحملة عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري، أي ضمن المناطق عينها التي من المفترض أن تتم إعادة توطين السوريين فيها.

سواء أحدثت عملية الترحيل الجماعية تلك أم لم تحدث، فإن التهديد وحده أضر بالمشاريع التجارية السورية، إذ ذكر رجال أعمال سوريون يعملون في مجال المنسوجات، واشترطوا عدم ذكر أسمائهم، بأن استخراج إذن عمل بات أصعب خلال الأشهر القليلة الماضية، وكذلك الأمر بالنسبة للقيود المفروضة على حركة السوريين، ولهذا يخشى كثيرون من أن تصبح مسألة تحصيل المال أصعب، كونها بالأصل تعتبر من التحديات الكبيرة التي تتعرض لها المشاريع التجارية السورية في تركيا.

“ما الذي سيحل بالاقتصاد إن رحلنا؟”

غير أن تمام البارودي، وهو مورد مواد غذائية ونائب المدير التنفيذي للمنتدى الاقتصادي السوري، ومقره غازي عنتاب، لم يعبر عن امتعاضه، بل قال: “إن الهدف من هذا الخطاب هو الانتخابات، إذ لن يقوم أي أحد بترحيلنا. فهنالك 500 ألف سوري في غازي عنتاب يستأجرون أكثر من 100 ألف بيت وخمسة آلاف مكتب، فما الذي يمكن أن يحل بالاقتصاد المحلي إن رحلنا؟”

وبالطريقة ذاتها تحدث سليم كورو، وهو محلل يعمل لدى مركز أبحاث TEPAV في أنقرة، حيث قال: “أتفهم قلقهم، بل يجب أن يقلقوا لأن حياتهم باتت أصعب، ولكني أعتقد أنهم سيبقون في البلد على المدى الطويل، وهكذا سيتطور اقتصادهم وينمو”.

يتابع البارودي بالقول: “أعرف عشر شركات سورية في غازي عنتاب تصدر كل منها أكثر من 10 ملايين منتج تركي سنوياً، ثم إن السوريين جلبوا زبائن جدد لتركيا، ابتداء من الجزائر وصولاً إلى السعودية”، واستشهد هنا بالعلاقات القائمة من قبل التي احتفظ بها رجال الأعمال السوريون مع زبائنهم، وكذلك معرفتهم باللغة وثقافة السوق في العالم العربي، وخلص إلى القول بكل حماسة: “إننا نصدر كل شيء.. كل شيء! لن تصدقوا ذلك”.

خلال هذا الشهر، في مجمع ميناء غالاطة التجاري الجديد المتألق، شيدت شركة SMM أعمدة حجرية لمعرض يقام في منطقة غوبيكليتيبيه، أحد أهم المواقع الأثرية في تركيا، وهذا ما دفع الناصيف للقول وهو يشير إلى المعمل وإلى عماله الذين يقومون بنحت الحجارة بكل دقة خارج المبنى: “هل تصدقون ذلك؟ قبل بضع سنوات كنا ننام في الموقع في أثناء العمل، والآن أصبح لدينا كل هذا”.

المصدر: ألمونيتور

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.