هل يندمج المهاجرون العرب في المجتمع التركي؟ (مقال)

7 أبريل 2022آخر تحديث :
السوريين في تركيا
السوريين في تركيا

هل يندمج المهاجرون العرب في المجتمع التركي؟ (مقال)

بقلم قطب العربي – الجزيرة

مع تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين العرب إلى تركيا، تزايدت أيضًا التوترات مع قطاعات مع الشعب التركي تنظر بعين الريبة إلى هؤلاء المهاجرين، وتراهم عبئًا على الاقتصاد التركي، وسببًا في فقدان الكثير من الأتراك للوظائف، حيث يفضل كثير من أصحاب الأعمال الأتراك توظيف هؤلاء المهاجرين نظرا لتدني تكلفة تشغيلهم (من حيث الرواتب والتأمينات والخدمات التي يفرضها القانون)، كما أن مشاريع تجارية عربية نافست نظيرتها التركية، وكان نتيجة كل ذلك وقوع اشتباكات بين شبان عرب وأتراك في الأماكن التي يقطنها بكثافة المهاجرون العرب خاصة السوريين.

كانت تلك التوترات وقودًا للحملات الانتخابية للمعارضة في الانتخابات البلدية الماضية، التي أسفرت عن فوز حزب الشعب بأكبر بلديتين، هما أنقرة وإسطنبول. وفور استلامه لمهامه، شرع رئيس بلدية إسطنبول في فرض قيود جديدة على المهاجرين العرب وخاصة السوريين، وإعادة توزيعهم على مناطق إسطنبول المختلفة منعًا لتركزهم في بعض الأحياء التي شكلوا فيها كتلة كبيرة، كما فرضت وزارة الداخلية قيودًا على التأشيرات السياحية التي كانت ميسّرة من قبل.

المعارضة وورقة المهاجرين

تستخدم المعارضة العلمانية ورقة المهاجرين دومًا لإحراج الرئيس أردوغان وحزبه، وقد دافع الرئيس التركي كثيرًا عن المهاجرين ونفى أن يكونوا سببًا لأي أزمات اقتصادية بل العكس هو الصحيح، وعلى مدار السنوات الماضية كانت المعادلة التي تبناها حزب العدالة والتنمية ورئيسه ووزراؤه هي معادلة (المهاجرين والأنصار)، ونجحت هذه المعادلة في دفع الكثير من الأتراك إلى احتضان المهاجرين وفتح بيوتهم ومحلاتهم وأشغالهم لهم خاصة في السنوات الأولى.

لكن أخطاء متتالية من بعض المهاجرين، مع تزايد شحن المعارضة العلمانية ضدهم تسبب في تزايد منسوب التوترات المجتمعية التي دفعت السلطات الرسمية إلى التدخل لضبط العلاقة مجددًا، فتم نقل تبعية إدارة الهجرة من وزارة الداخلية إلى رئاسة الجمهورية، كما تحركت السلطات التركية لتهدئة الجبهة السورية في المناطق الحدودية عبر اتفاقات مع الجانب الروسي بهدف إعادة أعداد كبيرة من السوريين إلى المناطق الآمنة، وظهرت مؤخرًا إشارات لفتح حوار مباشر مع النظام السوري لتطبيع العلاقات، والحصول على ضمانات لعودة باقي السوريين المقيمين في تركيا، وقد يتكرر هذا مع الجانب المصري خاصة بعد إعلان تركيا عن تسمية سفير جديد لها في القاهرة.

ضمن المسارات التي تحركت فيها السلطات التركية للتعامل الهادئ مع المهاجرين، منح الكثيرين منهم -خاصة من ذوي التخصصات المفيدة للمجتمع- الجنسية التركية، كما بدأت بعض المبادرات والبرامج الهادفة لإدماج المهاجرين في المجتمع التركي، وتسير هذه المبادرات بهدوء حتى الآن، وتتولى هذه المبادرات بعض الجهات الرسمية، خاصة وزارة الداخلية، وإدارة الشؤون الدينية، والبلديات، وجمعيات المجتمع المدني سواء التركية أو العربية، ويولي الحزب الحاكم عناية خاصة بها، لكن السؤال هل سيكون الاندماج سهلًا ومقبولًا؟!

الهجرة الاختيارية والاضطرارية

هناك فارق كبير بين المهاجرين العرب وغير العرب إلى دول أوربا أو الولايات المتحدة وكندا، والمهاجرين إلى تركيا، فالأولون في غالبهم هاجروا بقرار حر، بحثًا عن حياة أفضل، وهدفهم هو استيطان تلك المجتمعات الجديدة، والحصول على جنسياتها، وعدم التفكير في العودة إلى أوطانهم الأصلية إلا بقصد الزيارة. أما المهاجرون إلى تركيا في غالبهم، فقد كانت هجرتهم اضطرارية، نتيجة الحروب، والاضطرابات السياسية، وبالتالي فهم يعتبرون أنفسهم في هجرة مؤقتة، ويترقبون فرصة العودة حال تحسّن الأوضاع في بلدانهم، وبالتالي فمن الصعب على هذه العقلية أن تتقبل فكرة الاندماج الكامل في المجتمع التركي الذي يعتبرون أنفسهم مجرد ضيوف مؤقتين عليه.

لكن هذا لا يمنع أن هناك من قرر الاستقرار الدائم في تركيا، خاصة من حصلوا على الجنسيات الاستثنائية أو الاستثمارية، وقد لمست هذا الاتجاه بنفسي لدى بعض المصريين والعرب، وهؤلاء حريصون على سرعة الاندماج في المجتمع التركي، حيث تعلّموا اللغة التركية سريعًا، وانضموا إلى أحزاب وجمعيات تركية، كما حدثت زيجات متبادلة بينهم وبين الأتراك.

قبل أسابيع، انطلقت مبادرة “أمة واحدة” برعاية دائرة الشؤون الدينية في أحد أحياء إسطنبول المكتظة بالمهاجرين العرب والأفارقة (منطقة إيسنيورت)، وهي واحدة من مبادرات عديدة للتعايش والتعاون والتفاعل بين المهاجرين (عرب وغير عرب) والمجتمع التركي، ولعلها تقدم نموذجًا يمكن تكراره في مناطق أخرى.

مبادرات عملية

كان المجتمع التركي هو صاحب المبادرة لاحتضان المهاجرين في سنواتهم الأولى عقب موجة الثورات المضادة، ولم ينشغل المهاجرون بالانفتاح على المجتمع التركي لقناعتهم بأن هجرتهم مؤقتة جدًّا، ستنتهي بزوال أسبابها، ولم يخطر ببالهم أن مقامهم في تركيا سيطول، ويحوّل هجرتهم القصيرة إلى هجرة طويلة، وقد منعهم ذلك من التفاعل مع المجتمع التركي، والانفتاح عليه بالقدر الكافي، ولم يقدّموا مبادرات عملية تجاه المجتمع تُشعره بقيمة المهاجرين ونفعهم له، سوى بعض الفعاليات الشكلية لشكر تركيا حكومة وشعبًا، ولكن ظهرت مؤخرًا بعض المبادرات العملية، ومنها مشاركة رجال أعمال عرب مهاجرين في تأسيس مشروعات تنموية حقيقية أسهمت في توفير فرص عمل للكثير من الأتراك أيضًا، بجانب مشروعات عقارية تقليدية، ومشاركة مهاجرين عرب في مشروعات محلية لخدمة المجتمع، ومشاركتهم في عمليات الإغاثة التي تقوم بها جمعيات تركية.

ومع صعوبة تحقيق خطط الاندماج الكامل، فإن البديل الأمثل هو الانفتاح على المجتمع التركي، وعدم الانغلاق على النفس، أو بناء “غيتو” لكل جنسية، وطريق الانفتاح يبدأ بتعلّم لغة المجتمع وقوانينه وثقافته، وإقامة الروابط والصداقات، وهو ما يسهم في بناء علاقة صحية، كما يسهم في إزالة أي توترات مجتمعية، ويبقى أمل العودة إلى الأوطان حاكمًا لدى غالبية المهاجرين.

المصدر : الجزيرة مباشر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.