تفجير عفرين، من يتحمل مسؤوليته وما الحل؟

1 مايو 2020آخر تحديث :
تفجير عفرين، من يتحمل مسؤوليته وما الحل؟

عبد الله سليمان أوغلو

خاص – تركيا بالعربي: منذ تفجير عفرين الذي راح ضحيته عشرات الشهداء وعشرات الجرحى نتابع المناقشات والحوارات والاتهامات على وسائل التواصل الاجتماعي ومعظمها يدور حول تحميل المسؤولية لقادة الجيش الوطني.
فهل هم وحدهم يتحملون المسؤولية وباستقالاتهم أو اقالتهم تنتهي المشكلة ولن تتكرر التفجيرات والاغتيالات والخروقات الأمنية بين الحين والآخر في كل المناطق المحررة.

 

تكمن المشكلة الرئيسية في المناطق المحررة، بغياب المؤسسات وغياب المرجعيات التي تراقب وتحاسب المؤسسات، تم تشكيل الجيش الوطني ليضم كافة الفصائل العسكرية في مناطق الشمال السوري لكن هل ما تم تشكيله يمكن تسميته بالجيش فما زالت الأسماء المتداولة بين الفصائل هي ذاتها القديمة وعلى الغالب بأسماء من شكلها أو بأسماء قادتها، أذكر في إحدى المجموعات تم استضافة قادة إحدى الفرق ببث مباشر فسأله سائل: اللواء رقم كذا هل هو ضمن فرقتكم فرد عليه: أنا ما بعرف بالأرقام قلي فصيل فلان أو فلان لأقلك أي أو لأ ” وهذا النموذج ينطبق على الكل طبعاّ.

 

 

إذا أخطأ عنصر أو قائد من يحاسبه أو من هو القادر على محاسبته؟ المحكمة العسكرية أم الشرطة العسكرية التي تتبع للقادة أو تم تعيينهم من قبل القادة أنفسهم؟

المسؤولية الأمنية مسؤولية مشتركة ومتكاملة لا يستطيع فرد أو أفراد أن يقوموا بها بل وجود المؤسسات الحقيقية التي لها مرجعيات حقيقية تستطيع القيام بذلك، دول كثيرة تعجز عن ضبط الحالة الأمنية في حال حدوث اضطرابات أو قلاقل فما بالك بحرب مستعرة منذ 9 سنوات لم تبق دولة على وجه الأرض والا تدخلت فيها بشكل مباشر أو غير مباشر.

 

الجهاز الأمني الذي يجب أن تتبع جهة مدنية لا عسكرية، الاستخبارات العسكرية، جهاز الشرطة، مؤسسات الدولة (مرور- نقل- مواصلات- طرق برية- مجالس محلية… وما إلى ذلك) كلها يجب أن تدار من جهة واحدة توجهها تراقبها وتحاسبها وتقومها إن أخطأت أو تصب جميع المعلومات الأمنية أو الشخصية في مصب واحد وتعطى الأوامر من رأس هرم واحد لها القدرة على الالزام بالالتزام والمحاسبة في حال عدم الالتزام.

 

فمن تكون هذه الجهة هل هي الحكومة المؤقتة- إن كان حديثنا منحصراً في موضوع تفجير عفرين- أم المجلس المحلي أم تركيا بمؤسساتها الفاعلة على الأرض باعتبارها الضامن والمشرف على كل العمليات الأمنية والخدمية على الأرض؟

حتى الآن هناك فشل في إنشاء مؤسسات أمنية وعسكرية وحتى سلطات محلية لها قدرة السيطرة والضبط على الأرض، والأمور تسير على مبدأ (حارة كل من ايدو الو) و كل حارة دويلة لحالها لا تستطيع قوة اختراقها أو الاقتراب منها، تجاوزات بالجملة، التعدي على الأملاك العامة والخاصة، مجالس محلية ضعيفة ليس لها قوة تمثيلية تعتبر نفسها سلطة تنفيذية للمؤسسات التركية العاملة على الأرض وبالمقابل تعتبر نفسها سلطة مستقلة لا تتبع لأي مؤسسة سورية أخرى من مؤسسات المعارضة، لا خطط ولا مبادرات تمشي الأمور على مبدأ ( طجت لعبت).

في عام 2017 بعد تحرير المناطق في ريف حلب الشمالي بعملية درع الفرات كتبت مقالاً في موقع ترك برس بعنوان: “مناطق درع الفرات مالها وما عليها” أجملت فيه أهم المشاكل الأمنية بالنقاط التالية ومعظم ما أوردته ما زال ينطبق على الوضع الحالي:

وجود مقرات الفصائل في المناطق السكنية وخاصة في المدن الكبرى ووضع اليد على بيوت كثير من المواطنين من قبل أفراد في الفصائل وعدم اخلاء البيوت رغم الطلب من أصحابها ورغم تقديم شكاوي في المحاكم المختصة لكن دون طائل.

كثرة الحواجز العسكرية من قبل الفصائل، ووجود فصائل لا وجود لها على الجبهات ونقاط التماس ووجدت فقط من أجل فرض أتاوات على المارين عبر حواجزها والقيام بعمليات تهريب مواد غذائية وبترولية وحتى السلاح إلى مناطق قسد والنظام..

ضعف قوات الشرطة من حيت العدد والعتاد لا يمكُّنها من فرض الأمن ومحاسبة و منح بعض عناصر الشرطة رتباً قيادية لمن لا يحملون مؤهلات علمية – بعضهم لا يحمل سوى شهادة اتمام المرحلة الابتدائية- يضعف الثقة بالجهاز ويفتح الطريق أمام فساد بنيوي وإداري لا مفر منه.

عدم وجود محاكم لها قوة القرار والتنفيذ لعدم وجود ذراع تنفيذي لقراراتها وعدم إمكانية إحضار المسيئين من المواطنين والعسكريين على حد سواء.

عدم وجود مؤسسات رسمية ومدنية قوية تفرض هيبة الدولة وتؤمن الخدمات للمواطنين.

واقترحت في المقال نفسه بعض الحلول منها:

دمج جميع الفصائل العسكرية تحت مسمى جيش وطني وفق تراتبية مؤسساتية تحت قيادة مركزية واحدة قادرة على التحكم والمحاسبة وإصدار القرارات وتنفيذها، وحل جميع غرف العمليات وإلحاقها بقيادة الجيش الوطني (وهذا ما تم تحقيه نظرياً لكن عملياً لم يتحقق على الأرض).

إبعاد مقار وثكنات الجيش الوطني عن التجمعات السكنية وحصر عملهم في الجانب العسكري.

منع تجول العسكريين بأسلحتهم ضمن المدن والبلدات والقرى ومنع إطلاق النار دون مبرر.

إلغاء جميع الحواجز العسكرية ضمن منطقة درع الفرات والاقتصار عليها في مناطق التماس مع قسد والنظام.

تمكين قوات الشرطة والأمن العام بزيادة عددها وعتادها وتخريج دورة ضباط من ذوي الكفاءات العلمية أو من الضباط السابقين في الشرطة.

اختيار قضاة أكفاء وتفعيل المحاكم وتخصيص قوى أمنية وشرطية لحمايتها وتنفيذ قراراتها.

تمكين مؤسسات الدولة وتأمين الخدمات الأساسية.

فتح مخافر تابعة للشرطة وإحالة الشكاوى إلى المحاكم المختصة.

محاسبة المسيئين من العسكريين ومنعهم من التدخل في شؤون المواطنين.

وبالنسية للمجالس المحلية إن لم يتم تشكيلها بموجب انتخابات حرة نزيهة من قبل الشعب مباشرة ووجود جهة مرجعية تراقب عملها وأدائها وتفعيل النظام المالي والضريبي في المؤسسات الخدمية بحيث تصبح الخدمات مأجورة وفرض ضرائب ورسوم على التراخيص والعمليات التجارية وحتى على بعض الخدمات بحيث توفر موارد ذاتية للمجالس تستطيع بموجبها تنفيذ خطط ومشاريع وتفي بوعودها الانتخابية لمن انتخبتهم.

إن لم نستطع بناء مؤسسات حقيقية فاعلة تعمل على الأرض لن نصل إلى شيء وسنبقى نراوح في مكاننا بل سنعود إلى الوراء بدل أن نتقدم إلى الأمام ومع كل حادث تفجير جديد سنندب ونلوم ونخوّن لكن بعد التفجير بعدة أيام ستعود الأمور إلى حالتها وسيرتها الأولى دون تغيير ودون تقييم ودون الاستفادة من الأخطاء واستخلاص الدروس والعبر.

ان استقالة القادة أو بقائهم لن تحل الأمور ما لم تتحول الفصائل إلى مؤسسة عسكرية حقيقية لها مرجعية حقيقية عليا تعينها وتراقبها وتحاسبها غير ذلك هو مضيعة للوقت وتكرار للمكرر وتجريب للمجرب دون جدوى.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.