لن يساعدنا أحد في العالم، ما لم نساعد بعضنا

2 يناير 2020آخر تحديث :
علم الثورة السورية
علم الثورة السورية

بقلم تميشيل شماس (محامي سوري) / بروكار برس

بعيداً عن المسار الدستوري الذي استماتت روسيا لفرضه كمدخل “للحل السياسي” في سوريا على طريقتها، متجاوزة في ذلك ما نصت عليه بوضوح قرارات مجلس الأمن المتعلقة بسوريا ولاسيما بيان جنيف والقرار 2254، لقطع الطريق أمام حصول أية عملية انتقال سياسي حقيقة، وإعادة تكريس الأمور كما كانت قائمة قبل اندلاع الثورة السورية في عام 2011، ضـ.ـاربة عرض الحائط بكل التضـ.ـحيات الهائلة التي قدمها الشعب السوري طيلة السنوات السابقة.

بعيداً عن كل ذلك، تكتسي اليوم الدعوات المطالبة بضرورة أن يكون للعـ.ـدالة بكل تجلياتها وإجراءاتها مكاناً في مسار أية عملية سياسية سورية أهمية قصوى، على اعتبار أن تحقيق العـ.ـدالة بات اليوم مطلباً هاماً وضرورياً، ليس من أجل التأكيد على سيادة القانون ومحـ.ـاكمة المجـ.ـرمين ومحاسبتهم أمام قضاء مستقل ونزيه وتعويض الضـ.ـحايا وحسب، بل ولأن تحقيق العـ.ـدالة في مجتمع كالمجتمع السوري عاني ومازال يعاني من مأساة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها لا من حيث الأعداد الهائلة للضـ.ـحايا بين قتـ.ـيل وجـ.ـريح ومهجّر ومختفي قسرياً في سجـ.ـون النظام، ولا من حيث حجم الدمار الهائل والنهب الواسع الذي طال البشر والحجر.. سيساعد بلا أدنى شك في منع حدوث حالات انتقام عشوائية قد تدمر ما تبقى من روابط إنسانيه في المجتمع السوري.

وتسهل عملية إرساء السلم الأهلي، وتعافي المجتمع من الأحقاد والضغائن التي تغلغلت في نفوس السوريين بسبب ما تعرضوا له من ويلات لا تتحملها حتى الجبال.

وبما أنّ روسيا مصّرة على فرض رؤيتها المعطلة لأي حل سياسي حقيقي ينتشل سوريا من مأساتها التي تسبّب فيها من تصرُّ روسيا على أن يبقى متحكماً بمصير الشعب السوري ومقدراته، وانها مستمرة أيضاً في منع مجلس الأمن من إحالة مرتبكي تلك الجـ.ـرائمم إلى المحـ.ـاكمة أمام المحـ.ـكمة الجنـ.ـائية الدولية أو محـ.ـكمة دولية خاصة على غرار المحـ.ـكمة الخاصة بيوغسلافيا السابقة، ومستمرة في قتـ.ـل وتهـ.ـجير السوريين، لم يبق أمام السوريين وخاصة اللاجئين منهم المنتشرين في أصقاع الأرض إلا تشكيل مجموعات ضغط في أماكن تواجدهم لاسيما في الدول الأوربية الغربية من أجل حث حكومات تلك الدول ودفعها إلى تعديل تشريعاتها الوطنية بما يفتح الطريق أمام ملاحقة مرتـ.ـكبي تلك الجـ.ـرائمم استناداً إلى مبدأ الصلاحية العالمية.

فقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان جرّمت مرتـ.ـكبي الانتـ.ـهاكات الجسيمة والجـ.ـرائمم الخطيرة المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الأربعة، واتفاقية روما المنشئة للمحـ.ـكمة الجنـ.ـائية الدولية، واتفاقية مناهضة التعـ.ـذيب، وفرضت على جميع الدول سواء كانت طرفاً في تلك الاتفاقيات أم لا، التحقيق في تلك الجـ.ـرائمم وتقديم مرتـ.ـكبيها الى قضائها الوطني، كما أتاحت تلك القواعد لضـ.ـحايا الانتـ.ـهاكات في حالة عجز القضاء الوطني أو رفضه النظر في تلك الانتـ.ـهاكات والجـ.ـرائمم اللجوء إلى محـ.ـاكم الدول الأخرى التي تأخذ بمبدأ الولاية القضائية العالمية.

فما الذي يمنعنا من الاستفادة من هذا المبدأ؟ ولماذا لا نستغل انتشار السوريين في دول العالم والمبادرة الى تنظيم النشاطات والفعاليات التي من شأنها تكوين رأي عام عالمي ضاغط يدفع الدول إلى مؤامة تشريعاتها الوطنية بما يكفل تطبيق مبدأ الصلاحية العالمية ومنع توفير أي ملجأ لمرتـ.ـكبي تلك الانتـ.ـهاكات والجـ.ـرائمم وضمان محـ.ـاكمتهم ومعاقبتهم؟

لننظر إلى كيف أن ثلة من المحامين والنشطاء في المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية والمركز السوري لحرية الإعلام والتعبير ومجموعة صور قيصر لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد استطاعت بالتعاون مع منظمات أوروبية تُعنى بحقوق الإنسان وشجاعة المدعين الأبطال في الإدلاء بشهادتهم أن تفتح طريقاً كانت مغلقة أمام ملاحقة من أجرم بحق الشعب السوري، فخلال ثلاث سنوات من العمل الدؤوب والمضني نجحت هذه المجموعة من إقامة سبعة قضايا في ألمانيا والنمسا والسويد والنرويج وفرنسا ضد مسؤولين عن التعـ.ـذيب في سجـ.ـون ومعتقلات الأسد، وصدر في بعضها مذكرات توقيف بحق عدد من المسؤولين الأمنيين وفي مقدمهم اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني واللواء جميل حسن المدير السابق لإدارة المخابرات الجوية.

وكانت ستكون النتائج أكبر بكثير مما حققه هؤلاء المحامين والنشطاء السوريين على أهمية ما حققوه، فيما لو خرج السوريون من هذه السلبية التي تلفّ معظمهم وتخلوا عن الفردية الارتجال في سلوكهم وانتظموا في عمل جماعي منظم وواعٍ، عندها سيكون صوتهم مسموعاً ومؤثراً خصوصاً في الدول التي يتواجدون فيها اليوم..

لا يجب أن نقلل من أهمية هذه الخطوة ومدى تأثيرها على مسار الحل ومستقبل سوريا، فهي من جهة ستقلّص من الملاذات الآمنة التي يفكر المجـ.ـرمون باللجوء إليها، ومن جهة أخرى ستؤكد انه لا مفرّ من محاسبتهم ومعاقبتهم مهما طال الزمن.. كما أن مجرد إدراج أسماء هؤلاء المجـ.ـرمين كمتهمين بارتكاب جـ.ـرائمم تعـ.ـذيب وحرب وإبادة وضد الإنسانية سيحول دون أن يكون لهم أي دور في مستقبل سوريا، وفوق ذلك ستعطي جرعة أمل مهمة للضـ.ـحايا وذويهم بألا يفقدوا الأمل في تحقيق العـ.ـدالة طالما أن هناك سوريون يواصلون جهودهم في سبيل ملاحقة المجـ.ـرمين ومحـ.ـاكمتهم وإبقاء باب العـ.ـدالة مفتوحاً.

لن يساعدنا أحد في العالم، ما لم نساعد بعضنا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.