الحكومة السورية المؤقتة صراع من أجل الوجود والتمكين

2 أكتوبر 2019آخر تحديث :
شعار الحكومة السورية المؤقتة
شعار الحكومة السورية المؤقتة

تتكفل الأعباء المعيشية والضرائب بإسقاط وإفشال أكبر الحكومات، بما تسببه من عداء بينها وبين أرباب الأسر الذين يقيد الفقر معصمهم، ويشحن نفوسهم بالانفعالات والمشاعر السلبية تجاهها، ويحولهم من مواطنين يستميتون في خدمة الوطن إلى أعداء يغتنمون الفرص للانقضاض عليه وإسقاط رموزه.

تحتار الأرملة والنازح والمهجر في تأمين أبسط مقومات الحياة لأولادهم، بسبب انعدام فرص العمل، ونتيجة لتوقف حركة الإعمار والبناء إضافة إلى توقف الدعم عن المواد الأساسية كالخبز والوقود،

في المقابل حرصت الوسائل الإعلامية خلال الأعوام الأخيرة على تصوير محافظة إدلب معقل الثورة الأخير وملاذ المهجرين الأكبر وكأنها تورا بورا، مستندين في تصورهم هذا إلى تغول الفصائل المصنفة بالإرهاب فيها، وانتشار عناصرهم على الحواجز والمعابر والجبهات، وكثيراً ما تُنعت بالسواد أو منطقة “توحش” وكأنه يفوح منها رائحة الجثث المتفسخة التي تزكم أنوف المتابعين لأخبارها، أو تشبه بسجن كبير تحتجز العصابات المسلحة المدنيين خلف قضبانه.

ساهمت هذه الصور في توقف تدفق الدعم الخدمي والطبي والتعليمي، إضافة لتوقف أعمال الحكومة المؤقتة وإنهاء أعمالها، وانحسار أعمال وحدة التنسيق والدعم، ورغم ضعف الحكومة المؤقتة، وشدة الانتقادات الموجهة لها إلا أنها أثبتت حضورها في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، التي كان للحكومة حضور مؤسساتي فيها،

وقد قدمت حكومة أحمد طعمة استقالتها لتحصل الحكومة المؤقتة الثالثة في 12/7/2016 على ثقة الهيئة العامة للائتلاف، بنتيجة (68) صوتاً من أصل (98) مشاركاً في جلسة الثقة، وأعلن د. أبو حطب فور تكليفه أن الحكومة بجميع وزاراتها ومكاتبها ستعمل في الداخل، وسوف تعتمد مبدأ المؤسسات والانتشار الأفقي على أكبر رقعة جغرافية ممكنة من المناطق المحررة، وفعلاً بدأت الحكومة الثالثة عملها في ظروف سياسية وعسكرية وأمنية قاسية، ترافقت مع انخفاض معدلات الدعم المقدمة لمؤسسات المعارضة بشكل عام من الدول الصديقة، وانحسار وتراجع في الوضع العسكري والميداني، بما فرض تحديات أكبر عليها مقارنة مع سابقتها،

إلا أن بعض الدول الداعمة وجدت في هذه الحكومة المنتخبة ضالتها وتدفق الدعم عبر مكاتب ووزارات هذه الحكومة إلى الداخل حيث يتعطش المواطن لجميع أنواع الخدمات، مما ساهم في خفض سعر الخبز، ودعم قطاع التعليم بتوفير جزء كبير من رواتب المعلمين والمدرسين، وكادت أن تسحب بساط الدعم من تحت أرجل النظام في الأمم المتحدة، وبدأ قطاع الصحة يأخذ دعمه مباشرة عن طريق الحدود التركية دون تدخل النظام، وأعلنت المراكز الصحية انفصالها عن النظام وبذلك لا يمكنه أن يدعي أمام مجلس الأمن أن حكومته لا تزال تدعم المراكز الصحية والتعليم في المناطق المحررة.

لا يمكن إنكار حرص وسعي الحكومة المؤقتة إلى إقامة علاقة إيجابية مع الاتحاد الأوروبي، عن طريق قيادات سابقة في الائتلاف الوطني باستخدامهم علاقاتهم الشخصية لترتيب زيارة لرئيس الحكومة برفقة قيادات الائتلاف إلى بروكسل بداية حزيران/ يونيو 2017، وهو ما لم تتمكّن حكومة د. طعمة من تحقيقه، لكن هذه العلاقة لم تنعكس في حصول الحكومة على تمويل مباشر من الاتحاد الأوروبي، بمعنى أن العلاقة بقيت في إطار الدعم غير المباشر الذي لا يُحقق التمكين والسيادة المطلوب للحكومة.

واجه حضور الحكومة الثالثة في الشمال تحدياً كبيراً مع تشكيل حكومة الإنقاذ في إدلب بتاريخ 2/11/2017حيث وجهت الأخيرة إنذاراً إلى الحكومة المؤقتة في 10/12/2017تطالبها بوجوب إخلاء مقراتها ومكاتبها في إدلب ومنحتها مدة أقصاها 72 ساعة للمغادرة أو أن تعلن دمجها مع الحكومة الجديدة، بعدها قامت قوة من هيئة تحرير الشام باقتحام وإغلاق مكاتب وزارتي الصحة والتربية في إدلب ومركز مؤسسة الحبوب وإكثار البذار في مدينة سراقب يوم 19/12/2017. كما قامت حكومة الإنقاذ بحلّ المجالس المحلية التابعة للحكومة وإيقاف عملها، واستولت على إدارة “جامعة حلب الحرة” وضمتها إلى مجلسها التعليمي، ثم أُخرجت الحكومة من إدلب في كانون الأول/ ديسمبر 2017، وحَصْر عمل الحكومة في مناطق درع الفرات.

ساهم توقف الحكومة المؤقتة في نشر صورة أكثر سوداوية عبر أفلام تعرض، وتقارير أممية تكتب، ومقالات تنتشر في عدة وسائل إعلامية، معظمها يشبه إدلب “بالموصل” أو “الرقة” وكأنها تحت سيطرة داعش؛ التي تمارس أسوأ الانتهاكات بحق المدنيين والإعلاميين والصحفيين، كما تحاول بعض الجهات كسب ثقة الداعم، وحصد المزيد من الأموال على حساب الشعب السوري المنهك، فتذهب لاختلاس الصور بكاميراتهم على أنها صور مسربة من داخل محافظة إدلب، رغم أن شبكات التغطية التركية تمتد عبر الشمال المحرر المتاخم للحدود التركية إلى ريف حماة الشمالي، وتتوفر أحدث أجهزة الهواتف بيد الكثير من المواطنين، وتنتشر الكاميرات الرقمية بكثرة ويمكن لأي شخص البث مباشرة من أي نقطة في الداخل السوري.
كما ساهم توقف الحكومة بترويج تلك التقارير التي تصور القاعدة على أنها تحتكر الساحة، وسقطت بعض القنوات في فخ تقمص نظرية النظام وترويج ما يدعيه منذ بداية الثورة؛ بأن بشار الأسد لا يقاتل شعبه بل يقاتل تنظيمات إرهابية تكفيرية أجنبية مهاجرة، ويسخر النظام لإثبات تلك النظرية ما يملكه من الوسائل المتاحة، بينما تقدم تلك القنوات المحسوبة على الثورة خدماتها المجانية له، وتحاول نقل الصورة بأسوأ سيناريو ممكن لتتصدر قوائم الدعم المخصص لمشاريع مكافحة الإرهاب الدسمة.

لا نستطيع إنكار الأخطاء التي ترتكبها معظم الفصائل في المناطق المحررة، والتضييق الذي تفرضه على الحاضنة الشعبية من قبل القوى المسيطرة مثل رفع الأسعار والضرائب والإتاوات المفروضة على المنظمات العاملة في الداخل مما سبب نقمة كبيرة لدى المواطنين على حكومة الإنقاذ، إلا أن محاولة شيطنة المنطقة برمتها، هي أكبر هدية تقدم لنظام بشار الأسد والميليشيات الشيعية والأحزاب الكردية الانفصالية التي تعزف على هذا الوتر، لتتلقى معظم الدعم، ويبقى معقل الثورة الأخير بدون دعم خاصة بعد موجات التهجير من شرق السكة وريف حماة الشمالي إضافة إلى المعارضين والثوار والفصائل من المحافظات الرافضين للتسوية السياسية مع نظام الأسد والمحتل الروسي.
يبدو أن وجود واستمرار الحكومة المؤقتة على المدى القريب سوف يساهم في عودة الدعم إلى إدلب إلا أن هذه العودة تحتاج عدة عوامل
أهمها:

1- قبول حكومة الإنقاذ ومن خلفها بالسماح لعودتها وممارسة أعمالها.
2- السياسة التركية المعتمدة في إدارة منطقة الشمال، والشكل الإداري الذي سيتم اعتماده في حال وصل مناطق الشمال ببعضها بعضاً.
3- مواقف الدول الداعمة للحكومة مالياً، وخاصة الاتحاد الأوروبي.
4- موقف ودور الجيش الوطني والجبهة الوطنية في منطقة الشمال وتموضعها العسكري والسياسي في مناطق السيطرة التركية في درع الفرات وعفرين وإدلب، حيث لا يمكن للحكومة العمل هناك إلا بعد موافقتها وضمن المحددات التركية حصراً.

الحكومات وجدت من أجل غاية محورها تقديم الخدمات ورعاية شؤون مواطنيها بأبسط الطرق وأقل الأسعار، وإتاحة التعليم ودعم الصحة، وتسقط عندما تفقد الغاية التي وجدت من أجلها، وتنهار عندما تمتهن التجارة وتنافس التجار وتضع يدها على الموارد العامة وتتدخل في تحديد الأسعار ورفعها، وبذلك تكون شبه ساقطة شعبياً، وما عليها إلا انتظار قرار إنهاء دورها.

نداء سوريا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.