فشل المنطقة الآمنة: التوغل البري التركي في سوريا ما زال مرجَّحاً

12 سبتمبر 2019آخر تحديث :
الجيش التركي
الجيش التركي

صرح مجلس الأمن القومي التركي بنبرة حسم غير مسبوقة أن تركيا ستنشئ منطقة آمنة بطول 280 ميلاً تمتد من نهر الفرات إلى الحدود “السورية – التركية – العراقية” مما سيدفع وكيل واشنطن “وحدات حماية الشعب” (YPG) عشرين إلى خمسة وعشرين ميلاً بعيداً عن الحدود التركية.

ودفع هذا مسؤولين أمريكيين في أنقرة إلى ثنيها إذ بعد مفاوضات صعبة استطاعت صد تركيا عن هجومها العسكري الأحادي ضد وحدات حماية الشعب.

بعد أن تعلمت تركيا دروساً من التأخر الأمريكي السابق في مثل هذه الاتفاقات، خاصة في مقاطعة منبج، حذر وزير الشؤون الخارجية التركي “جاويش أوغلو” من أن “تركيا لن تسمح للولايات المتحدة بتعطيل العملية في شرق الفرات كما فعلوا في “منبج”.

كما حذر وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار” من أن “تركيا متمسكة بمنطقة آمنة في شمال سوريا يتراوح عمقها بين 30 و 40 كيلومتراً ولن تتردد في اتخاذ إجراء أحادي الجانب إذا فشلت الولايات المتحدة في تلبية مطالبها، وهذا يدل على أن احتمال التوغل التركي لا يزال عالياً كما كان دائماً.

استمرت العلاقة الجيدة بين ميليشيات الحماية والولايات المتحدة لأربع سنوات، وفي العديد من المرات هددت تركيا بعمل عسكري ضد الميليشيات، معبرة عن انزعاجها الشديد من ولاء واشنطن العلني لما تعتبره أكبر تهديد للأمن القومي.

بالنظر إلى هذا، ما هو الاختلاف الآن الذي يجعل احتمال التوغل التركي أقوى عن ذي قبل؟ الجواب هو في تحول السياسة الإقليمية والدولية، وكذلك في مستوى استعداد تركيا للقيام بهذه المهمة.

علّم شراء S-400 أنقرة أنها يمكن أن تتجاهل تهديدات واشنطن بنهج “حافظ على لعبتك”، وعلى الرغم من نوبة الغضب الأمريكية، اشترت أنقرة سلاحاً روسياً كبيراً، ولم ينتهِ العالم بالنسبة للأتراك!
كما علم شراء المنظومة أن واشنطن وصلت لآخر حدودها مع تركيا.

وبالتالي، في منعطف حادّ، بدأ الرئيس دونالد ترامب في إلقاء اللوم على سلفه باراك أوباما، في كارثة S400 قائلاً: “إنه ليس خطأ تركيا أو أردوغان”، وجلب ترامب أيضاً أكثر من أربعين سيناتوراً جمهورياً إلى البيت الأبيض لثنيهم عن فرض عقوبات على تركيا.

ثم هناك عامل روسي فقد طلبت أنقرة من موسكو أن تدعم مطالبها في شرق الفرات تماماً كما فعلت قبل هجوم عفرين الناجح ضد ميليشيات الحماية في 2018.

لكن وبنبرة قاسية بشكل غير معتاد قال العقيد الروسي “سيرجي رودسكوي”: “إن قوات الاحتلال الأمريكية تستولي على حقول النفط ومنشآته” في منطقة الجزيرة السورية، وهم مستمرون في تدريب الجماعات الإرهابية”، جاء هذا التغير في النبرة بعد أن هبطت الطائرة الروسية IL-76 المحملة بأجهزة S-400 في أنقرة.

علاوة على ذلك، في قمة أستانا في كازاخستان في 2 أغسطس، وقعت روسيا وإيران وتركيا بياناً مشتركاً يرفض “الأجندات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية بالإضافة إلى تهديد الأمن القومي للبلدان المجاورة”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن النمو السريع للقدرات العسكرية والاستخباراتية التركية قد حرّر تركيا من تهديدات حظر الأسلحة الأمريكية والأوروبية التي أعاقت في الماضي القدرة العسكرية للجيش التركي.

لقد ولّت السنوات التي كان يرفض فيها الكونغرس الأمريكي فورياً طلب تركيا لشراء أسلحة مثل طائرات الهليكوبتر من طراز Super Cobra AH-1 و Predator بدون طيار والتي كانت تركيا في أمسّ الحاجة إليها لمحاربة الإرهاب.

وكما يقول المثل التركي “المالك السيئ يحفزك على شراء منزل خاص بك!” .

وقد أصبحت تركيا الآن مكتفية ذاتياً وقادرة على إنتاج طائرات هليكوبتر خاصة بها وعربات مدرعة وصواريخ قصيرة إلى متوسطة المدى ومركبات سلاح جوي بدون طيار، وحسّنت منظمة الاستخبارات الوطنية التركية (MIT) قدرتها التشغيلية بشكل كبير أيضاً.

ففي سوريا، تعمل الاستخبارات التركية عن كثب مع القبائل المحلية وتشارك في جمع المعلومات الاستخبارية، في شهر أيار (مايو) الماضي، ومع وجود الاستخبارات اتحدت مائتان من القبائل العربية السورية ضد ميليشيات الحماية في مدينة أورفا التركية وشكلت مجلس القبائل والعشائر السورية.

لدى معظم هذه القبائل نظرة سلبية ضد ميليشيات الحماية، فعلى سبيل المثال، عبرت قبائل منبج البارزة وهي بكارة، وغانم بني سعيد، ونعيم، وفينيل، وبوبنا، والدملخ، والمجادمة والبستلان عن غضبهم الواضح ردّاً على التجنيد الإجباري الذي تفرضه ميليشيات الحماية ودعت تركيا إلى “تحرير” بلداتهم.

كما ألقت الاستخبارات القبض بنجاح على المشتبه به في المذبحة المميتة التي وقعت عام 2013 والتي أودت بحياة ثلاثة وخمسين شخصاً في مدينة ريحانلي التركية ونقلته من سوريا.

علاوة على ذلك، وبالتعاون مع الجيش التركي، اغتالت الاستخبارات كبار أعضاء حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

أخيراً، ينبغي تحليل التوغل التركي المحتمل في شمال سوريا في سياق الوجود العسكري التركي في شمال العراق.

ففي السنوات الخمس الماضية، أقامت تركيا حوالي 13 قاعدة عسكرية في مناطق رئيسية مثل “دهوك” و”أربيل” و”السليمانية” و”زاهو”، مما يشير إلى أن الوجود التركي في شمال العراق طويل الأجل.

ورحبت الحكومة الإقليمية الكردية بقيادة “مسعود البرزاني” والحكومة المركزية العراقية، -التي كانت في يوم من الأيام غير متعاطفة مع تقدم تركيا- بالوجود التركي؛ لأن حزب العمال الكردستاني خصمهم المشترك أصبح قويّاً للغاية بعد هزيمة داعش.

في هذا السياق في شمال العراق يقوم الجيش التركي حالياً بتنفيذ عملية المخلب، وهي عملية توغل عسكرية كبرى تهدف إلى القضاء على مواقع تدريب حزب العمال الكردستاني في “أفاسين” و”حفتانين” و”هاكورك” و”زاب”، وأهمها قنديل – معسكر حزب العمال الكردستاني الرئيسي.

لذلك، يعتمد توقيت العملية التركية في شمال سوريا بشكل كبير على حالة عملية المخلب، ونظراً لأن تركيا قد أحرزت تقدماً كبيراً هناك، فمن المتوقع أن يكون توغل تركيا في سوريا في الأفق.

في الختام، ترفع عوامل تراجع نفوذ أمريكا في الشرق الأوسط بالإضافة إلى الضوء الأخضر من الجهات الفاعلة الإقليمية – وهي روسيا وإيران والحكومة الإقليمية الكردية والحكومة المركزية العراقية – فضلاً عن الاستعداد العالي المستوى للجيش والاستخبارات التركية من احتمالية التوغل التركي في سوريا.

وقال “آرون شتاين” لموقع “وور أون ذا روكس”: إنه “إذا اختارت أنقرة أن تتدخل، فلن يكون الجيش الأمريكي في وضع يسمح بوقفها”.

ربما حان الوقت لوقف استفزاز أنقرة وإصلاح العلاقات، فبدون تركيا ستواجه الولايات المتحدة صعوبة في بسط نفوذها في الشرق الأوسط.

المصدر: ناشونال إنترست / الترجمة: نداء سوريا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.