تركيا بالعربي
بقلم عمران سلمان / الحرة
إعلان
عمليات الترحيل القسري المستمرة التي تقوم بها السلطات التركية هي فقط قمة جبل الجليد في قضية اللاجئين السوريين. ما لا يجري الحديث عنه هو المصير النهائي لهؤلاء اللاجئين والذين يقدر عددهم بأكثر من ثلاثة ملايين ونصف الميلون لاجئ، على المدى المتوسط والبعيد.
إعلان
خيارات مسدودة
إعلان
ومع تعذر إمكانية عودتهم، أو عدم رغبتهم في العودة إلى سوريا، فإن الخيار الآخر للاجئين هو التوطين في تركيا، وهو أمر يبدو أن أنقرة بدأت تعي أبعاده وتكلفته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
إعلان
طبعا ثمة خيار آخر وهو فتح الأبواب أمام من يريد منهم أو يقدر على الهجرة إلى أوروبا، لكن هذا الخيار الذي جربته الحكومة التركية في السابق، لم يعد ممكنا هو الآخر اليوم، مع إغلاق دول شرق أوروبا لحدودها أمامهم والمناخ السياسي العام المناهض للمهاجرين في دول أوروبا الغربية.
إعلان
الوجه الآخر لهذه الأزمة يتمثل في أن المعارضة السورية المقيمة في تركيا أو الموالين لها، يبدون محرجين من توجيه الانتقادات للحكومة التركية أو طرق هذا الملف بصورة تجبر أنقرة على الالتزام بحقوق اللاجئين أو على الأقل الجلوس على طاولة للبحث في كيفية حل هذه المشكلة والتخفيف من آثارها وتداعياتها الإنسانية.
إعلان
لم يعودوا لاجئين!
إعلان
وحتى الآن، كان يمكن أن يشكل عامل الوقت وتجاهل المشكلة مخرجا لجميع الأطراف، لكن يبدو أن ذلك كان مجرد وهم. لقد كان الافتراض السائد أن اللاجئين المسجل أغلبهم في المحافظات التركية الجنوبية المحاذية للحدود السورية، سوف يبقون هناك وينتظرون ما يحمله لهم القدر.
إعلان
وكان هذا الافتراض قائم على أساس أن الأزمة السورية سوف تضع أوزارها في غضون سنوات قليلة ومن ثم تحل مشكلتهم بالعودة إلى مدنهم وقراهم. أو في أسوء الأحوال استخدامهم ورقة لابتزاز الأوروبيين والمجتمع الدولي.
لكن الأزمة طالت، ومعها بدأ اللاجئون يغيرون من طبيعة وضعهم وتطلعاتهم. فلا يمكنهم أن يبقوا لاجئين إلى الأبد، هم بحاجة إلى أعمال ومصادر رزق كريم لهم ولأسرهم، وهذه الأعمال قليلة أو غير موجودة في تلك المحافظات الفقيرة أصلا.
لهذا كان من الطبيعي أن تتنقل أعداد متزايدة منهم ما بين المدن بحثا عن عمل وتحسين أوضاعهم المعيشية والقانونية. وبالطبع فإن اسطنبول، العاصمة التجارية لتركيا، هي الوجهة المحبذة. وهنا دق ناقوس الخطر في أنقرة.
ولعله من غير المنطقي أن يتوقع أحد أن هؤلاء اللاجئين سوف يعودون إلى بلادهم حتى إذا عرض عليهم ذلك، فسوريا اليوم بلد مزقته الحرب وبحاجة إلى أموال طائلة وسنوات لإعادة إعماره.
إعلان
التوطين كابوس أنقرة
لكن هذا بالضبط ما يخشاه الأتراك وهو التوطين. ولهذا بدأت الحكومة التركية تغير من اتجاهها وموقفها من اللاجئين السوريين، وليس فقط بسبب فوز المعارضة التركية في انتخابات بلديات المدن الكبرى اسطنبول وأنقرة وأزمير، وخطابها المعادي للاجئين.
وهذا هو سبب الضيق والتذمر والقسوة التي يبديها المسؤولون الأتراك إزاء هذا الملف. فهم يشعرون على نحو متزايد أنهم في ورطة (جانب منها على الأقل من صنع أيديهم) وأنه ليس من السهل الخروج منها.
من الأمور الطريفة هنا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتاد على تشبيه العلاقة بين الأتراك واللاجئين السوريين، بأنها مثل العلاقة بين الأنصار والمهاجرين!
ثمة حديث في بعض الأوساط عن أن إصرار تركيا على إقامة منطقة آمنة داخل سوريا، هدفه هو التخلص من العدد الأكبر من اللاجئين السوريين على أراضيها بنقلهم إلى تلك المناطق.
وهناك مخاوف لدى بعض المراقبين، السوريين وغير السوريين، بأن يعمد الجيش التركي إلى استقطاع هذه المناطق مستقبلا وضمها إلى تركيا، خاصة مع تزايد عمليات “الأتركة” في المناطق السورية التي سيطرت عليها حتى الآن.
هذه مجرد أحاديث ومخاوف غير مؤكدة، وإن كانت مشروعة.
لكن ما هو مؤكد هو أن مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا، بدأت تأخذ منحا جديا. ولا يبدو أن أحدا في المجتمع الدولي أو في الإقليم يريد أن يتحمل أي عبء في هذا الموضوع، باستثناء دفع بعض الأموال أو إرسال مواد إغاثة.
وهذه، إن قدر لها الوصول أصلا، لا تعدوا أن تكون مجرد مسكنات، لمشكلة آخذة في التفاقم، فيما الحلول الناجعة تتلاشى أو تضيق مع مرور الوقت.