تركيا بالعربي
انتقد مستشار الرئيس التركي “ياسين أقطاي” قُصر المهلة الممنوحة للسوريين المخالفين لمغادرة إسطنبول، مشدداً على ضرورة تفكير الحكومة خلالها بحلول أكثر منطقية.
جاء ذلك في لقاء تلفزيوني مع أقطاي بثته إحدى القنوات التركية المحلية.
ولفت مستشار الرئيس التركي الانتباه، بحسب ما ترجمه موقع “الجسر ترك”، إلى قصر المهلة الممنوحة للسوريين في إسطنبول حتى 20 آب / أغسطس للعودة إلى الولايات المسجلين فيها، مشيراً إلى استحالة تصحيح ما نجم على مدار 8 أعوام خلال شهر واحد.
وشدد أقطاي على ضرورة منح السوريين مهلة أطول، مضيفاً أن محاولة (تصحيح الأخطاء) خلال هذه المهلة القصيرة أشبه ما يكون بعمل جراحي مُستعجل يُبتر خلاله أحد الأعضاء ما قد ينجم عنه المزيد من النزيف والجراح.
وأضاف قائلاً: “هذه المهلة لا يجب أن تكون ممنوحة للسوريين فحسب، وإنما هي مهلة يتوجب على الحكومة التفكير خلالها بحلول أكثر منطقية”.
ولفت الانتباه إلى تأسيس العديد من السوريين المخالفين حياتهم وأعمالهم في إسطنبول، مشيراً إلى أن ترحيلهم عنها اليوم هو أقرب ما يكون إلى “التهجير”.
واستطرد حديثه مشدداً على ضرورة توفير الظروف الاجتماعية والمهنية المناسبة لهم في الولايات التي سيعودون إليها فيما إذا كان رحيلهم عن اسطنبول ضرورة لا مفرّ منها.
كما انتقد أقطاي بشدة لائحة القوانين المتعلقة بالحياة المهنية، والتي تشترط على صاحب العمل الأجنبي توظيف 5 أتراك لقاء كل موظف أجنبي لديه، واصفاً ذلك الشرط بـ “الفارغ وغير المنطقي”، ومشيراً إلى أنه سبب رئيسٌ في عدول الكثير من المستثمرين عن تنفيذ مشاريعهم.
وشدد على ضرورة تعديل الشرط في سبيل ترغيب الأجانب بالاستثمار، وبالتالي العودة بالمنفعة الاقتصادية على تركيا.
ولفت الانتباه في سياق حديثه إلى المنفعة الكبيرة التي عاد بها المستثمرون السوريون على تركيا من الناحية الاقتصادية وتوفير فرص العمل.
وضرب مثالاً حول تاجرين سوريين تعرف عليهما مصادفة في إسطنبول، وتبين له بأن قيمة الصادرات السنوية لكل منهما على حدة، تتجاوز مبلغ 20 مليون دولار، مشيراً إلى وجود العديد من أمثالهما في تركيا.
وأردف أن المنفعة الاقتصادية التي يعود بها المستثمرون السوريون في تركيا تكفي وتزيد لحمل أعباء السوريين الآخرين.
وأضاف قائلاً: “لم يُقال عبثاً (يأتي الضيف ويأتي رزقه وبركته معه)، لكننا لا نرى تلك البركة، فقد أصبحت أعيننا عمياء بعض الشيء”.
وفيما يتعلق بدعوات ترحيل اللاجئين السوريين، لفتت ضيفة البرنامج الأخرى الانتباه إلى أصول مئات آلاف المواطنين الأتراك حالياً، والمنحدرة من دول شرق أوروبا، واحتضان تركيا لهم على مدار الأجيال الماضية بعد منحهم الجنسية وحق المواطنة.
وأضافت قائلة: “ينادون برحيل السوريين، ولكن يجب أن نصطحبهم في رحلة إلى جناق قلعة، ونريهم بأعينهم كيف يرقد الشهداء السوريون، من أنتم لتطردوا السوريين؟”.
هذا وقد علق مستشار الرئيس التركي على مداخلة الضيفة بالإشارة إلى أن السوريين يملكون حقاً أكبر في العيش على الأراضي التركية من أولئك الذين ينادون بترحيلهم.
شاهد الفيديو
اقرأ أيضاً: ما هي سياسة الهجرة عند الجامعة العربية؟
بقلم ياسين أكتاي
لقد قلنا أن ما قامت به تركيا تجاه المهاجرين على مدار 8 سنوات خلت والذي يصلح أن يكون نموذجًا يُحتذى به في العالم؛ قد أزعج بعض البلاد وبطريقة غربية لما يحمله من طبيعة السياسة الإنسانية. هؤلاء الدول التي تتمتع بإمكانيات كبيرة تجعلها تقوم بذلك وبشكل أسهل، لماذا نراها منزعجة من سياسة تركيا نحو الهجرة؟.
في الحقيقة إن السبب بسيط للغاية ولكونه بسيطًا تكمن الغرابة في هذا الأمر البسيط، لأنهم يبخلون يريدون من غيرهم أيضًا أن يكونوا بخلاء “يبخلون ويأمرون الناس بالبخل”. أضف إلى ذلك أن هذا الكرم الذي يقوم به غيرهم يكشف بخلهم أمام العالم، كما يكشف عدم الإنسانية وتجاهلهم للقضايا الإنسانية، وهذا الشيء بطبيعته يجعلهم غير مرتاحين.
بهذه الحالة هل يجب أن يُترك الناس الذين لجأوا نحو أبوابكم للموت، فقط من أجل أن لا تشعروا بانعدام الراحة؟.
من أجل ذلك رأينا كيف كان البعض سعيدًا للغاية بالانعكاسات السلبية للتدابير الأخيرة التي بدأت بها تركيا حيال تنظيم إقامة المهاجرين. لقد كانوا سعداء لدرجة أنهم حكموا بقرب انتهاء السياسة الإنسانية التي تسلكها تركيا، ولم يبق منهم سوى الرقص على أمانيهم تلك.
لكن حتى ذلك لم ينعكس هذه المرة من قبيل “وأخيرًا تركيا أدركت الحقيقة وعادت عن الخطأ”، بل انعكس من حيث وكأنهم يرون أنفسهم أنهم يفعلون أكثر بكثير وكثير، وأن تركيا تقصّر كثيرًا فيما يجب عليها.
مؤخرًا ومن جديد تظهر قناة عربية من القنوات العربية الغنية عن التعريف، للتعليق على الأوضاع الأخيرة حول مسألة إقامة المهاجرين في تركيا، ولقد طفا هذا التعليق على تلك الأخبار التي قامت بها تلك القنوات: “تركيا تتصرف بشكل سيء للغاية إزاء مسألة المهاجرين السوريين، إنها تقوم بترحيلهم خارج الحدود، وتسلّمهم لحكم الأسد أي أنها ترسلهم للموت”.
وحينما سُئلت عن رأيي حول هذه الأخبار المُنتَجة، أجبت بالقول: إن هؤلاء حينما يقولون ذلك إن كانوا لا يخافون من الله فليخجلوا من العبد، وليخبروني كم من السوريين استقبلت بلدانهم، وكم من المساعدات قدمتها بلادهم إلى السوريين.
إن تركيا حتى هذا الوقت استقبلت 5 ملايين مهاجر من سوريا، العراق، مصر، ليبيا، اليمن وأفغانستان بشكل من الأشكال، وإن تركيا عاملت هؤلاء المهاجرين بأفضل معاملة إنسانية ولا تزال.
وعلاوة على ذلك، فإن 90 بالمئة من هؤلاء المهاجرين اختاروا القدوم إلى تركيا، على اللجوء إلى بلدان أولئك الذين يشنّون هذه الأقاويل ضد تركيا، على ما تشهده بلدانهم من انعدام في الاستقرار، ومن انتهاك لحقوق الإنسان، ومن الممارسات التي تجعل الإنسان لا يطيق الحياة. لأنهم وجدوا في تركيا المعاملة الإنسانية، والحقوق، والاستقرار والفرص.
ومع ذلك دعونا نغض النظر عن كون تلك البلدان لا تفتح أبوابها للمهاجرين، وأنها تقوم بشنّ الأقاويل ضد تركيا، لكن على الأقل لو أنّ تلك الدول تحسن إلى مواطنيها ولا تسيء معاملتهم كي لا يضطروا لمغادرة البلد، لو لا تقتل مواطنيها بدم بارد، لو لا تعتقلهم، لو لا تقوم بتعذيبهم داخل الزنزانات؛ فهذا يكفي منها.
على تلك الدول أن لا تنسى، أن هؤلاء اللاجئين جميهم حينما يلوذون نحو تركيا فإنهم يجلبون معهم “شرعية البلاد التي تحكمهم”. إن موجات الهروب واللجوء تحكي للعالم أجمع انتهاكات حقوق الإنسان في بلاد العرب، تفضح التعذيب والأوضاع المخزية للعالم كله، ما الذي يحدث في مصر، ما الذي يحدث في اليمن، في سوريا؟.
هناك منظمة دولية اسمها جامعة الدول العربية. وهناك دول تتنافس فيما بينها لقيادة هذه الجامعة. هل رأينا أيًّا من هذه الدول المتنافسة تحمل همًّا إزاء قضايا المواطنين الذين فروًا لاجئين إلى دول غير عربية، مضطرين بسبب سوء الوضع الإنساني في بلدانهم؟ هل رأينا أيًّا من هذه الدول تعترف أنها المسؤولة بتقصيرها عن المواطنين الذين لجأوا نحو دول غير عربية، أو تبحث عن سبيل لتقديم المساعدة إليهم؟.
حقًّا ما هي سياسة الهجرة لدى الجامعة العربية؟ هل هناك خطة للجامعة العربية حيال تأمين الحياة الكريمة للمواطنين الذين تمثّلهم؟ هل هناك تدبير تتخذه حيال هجرة ولجوء مواطني دول هم أعضاء في تلك الجامعة، نحو دول غير عربية؟ أم أن الجامعة العربية ممتنة من هذا الوضع القائم؟ ماذا؟.
لنكرّر القول بأن القرارات التي اتخذتها تركيا مؤخرًا حيال إقامة المهاجرين، والتي جعلت تلك الدول تشعر بفرح وسرور؛ هي في الحقيقة جاءت عكس فهمهم وتوقعاتهم، لذا عليهم أن لا يفرحوا عبثًا. إن ما قامت به تركيا مؤخرًا من تنظيم لوضع المهاجرين يصب في كونها تسعى لتنظيم وضع الهجرة بشكل أكثر منطقية وتقنية.
إن تركيا لم تبتعد عن سياسة الهجرة التي تسلكها، وكما قال السيد رئيس الجمهورية فإنها لم تبتعد عن ذلك ميليمتر واحد.
إن ما يجري هو إعادة ضبط لما كان قائمًا منذ البداية، إلا أنه تم إهماله من قبل المهاجرين من ناحية، كما تم إغفال تطبيقه من قبل الموظفين من ناحية أخرى.
لا يوجد هناك على الإطلاق نية في إرسال أحد نحو أي مكان يشعر فيه بالخطر على حياته، لم يحدث هذا ولن يحدث.
هناك بعض التدابير التي يجب اتخاذها بهدف تخفيف العبء عن مدينة إسطنبول، إلا أنه حينما يتم تطبيق تلك التدابير يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار الحالات الإنسانية للوضع الذي كان قائمًا طيلة 8 سنوات، دون التنبؤ من قبل بما سيحدث.
ولهذا السبب، يحتاج تطبيق هذه التدابير بشكل تام متسعًا من الوقت لا مفرّ منه.
خلاصة القول، تركيا ستواصل أداء واجباتها الإنسانية. وهي عندما تقوم بأداء تلك الواجبات ستسمرّ بتذكير أولئك الذين لا يؤدون واجباتهم على مرأى العالم وسمعه، كما ستظل مصدر إزعاج لهم.
بكل تأكيد ليس الهدف هو أن تكون مصدر إزعاج لهم، إلا أنها لا يمكن أن تُغفل واجباتها الإنسانية لمجرد أن البعض سينزعج.