صور متداولة من ترحيل عائلات سورية طواعية من إسطنبول

9 أغسطس 2019آخر تحديث :
صور لترحيل عائلات سورية من إسطنبول "طواعية"
صور لترحيل عائلات سورية من إسطنبول "طواعية"

تركيا بالعرب

كـ”الشاة المساقة للذبح” يشبّه أحد الشبان المُرحلين من تركيا حاله وهو في طريق العودة الواصل بين اسطنبول والشمال السوري، بينما شبّه آخر أُعيد عنوة من لبنان الأمر بـ”قهر الرجال”، خصوصا عندما يصبحوا “لا حول لهم ولا قوة” أمام أعين أولادهم وزوجاتهم، بالإضافة إلى “الصدمة الموجعة” ببلد وأشقاء “طلبنا الآمان في ديارهم” وإذ بهم يرمون اللاجئين بجميع مشاكلهم التاريخية والحالية التي أوصلهم إليها ساسة بلادهم، متجاهلين السبب الذي دفع اللاجئ لترك منزله وشقاء عمره والعيش بخيمة لا تقي حر صيف أو برد شتاء.

المفارقة المرعبة في الحالة السورية هي خوف السوريين على حياتهم عند معرفتهم بالعودة الحتمية إلى بلادهم على عكس جميع شعوب الأرض الذين لا يسعهم الكون فرحا بالعودة إلى مسقط الرأس الذي كانت ميدانا للطفولة ومرتعا للشباب، أرض الأهل والذكريات بحلوها ومرها.

صور لترحيل عائلات سورية من إسطنبول “طواعية”

يؤكد الشاب “أحمد” أنه بذل جهدا كبيرا ودفع أموالا طائلة ليصل إلى تركيا، لينتهي به المطاف أخيرا بسجن كبير يخشى فيه مغادرة عتبة المنزل المقيم فيه خوفا من الاعتقال والترحيل، موضحا بأن “بلاد الله الواسعة ضاقت على السوريين بما رحبت”.

“لن أعود” يقول الصحفي “محمد العويد” المقيم في فرنسا منذ خمسة أعوام، مضيفا لـ”زمان الوصل” أن “الخوف يتملكه في الصباح والمساء بل وفي كل ساعة بات الخوف يتمدد أبعد من حدود سوريا وجوارها، ليصل إلى كل القارات، حيث ما وطأت أقدام اللاجئ”.

صور لترحيل عائلات سورية من إسطنبول “طواعية”

وتساءل “العويد” ما الذي تغير من مشهد الموت اليومي سوى ارتفاع وتيرته ومساحته وضحاياه، صور أطفال ونساء وأبرياء، كيف يمكن التفكير بالعودة وجحيم النيران مشتعلة وتجد من يوقد تحتها يوميا”، مؤكدا أن لا شيء تغير اليوم “بتنا أكثر حاجة للعدل والقانون وسيادته بين الجميع لننام لغد، ولا أحد يعيدنا إلى السجون والتهجير، نريد رحيل القتلة وما زالوا بصدارة المشهد، نريد رحيل الغزاة الجدد والقدامى، الأفضل أن نوقف تعداد ما نريد ونقول نريد أن ننام كما ينام البشر فهل هذا كثير علينا”.

*الوطن ليس حفنة تراب

“الوطن ليس عبارة عن تراب أو حجارة بل هو المكان الذي يحقق فيه الإنسان الأمان والكرامة” تقول أستاذة علم النفس الدكتورة “ليندا النفوري” مؤكدة أن الإنسان يرغب بالاستقرار وأن يعيش في مكان يحقق له الأمان، فـ”الأمان بالنسبة للحاجات النفسية هو في أعلى هرم الحاجات عند الإنسان، مشددة على أنه إذا “وجد الإنسان الأمان والاستقرار يستطيع أن يبدع وأن يستمر في الحياة بطريقة جيدة ويستطيع أن يكون إنسانا مفيدا ونافعا، أما عندما لا يوجد أمان ولا استقرار هذا يؤدي إلى مزيد من المشكلات، مزيد من القلق والتوتر”.

وأوضحت لـ”زمان الوصل” أن السوري عندما يفكر بالعودة إلى سوريا وهو لا يجد أمانا واستقرارا، فهذا يؤدي لمزيد من الخوف والقلق والتوتر، لافتة أن “الخوف من العودة إلى الوطن هو الخوف من العودة إلى المجهول، لا يستطيع العودة إلى عمله أو إلى المكان الذي عاش فيه وانتمى إليه، فقط للمجهول الذي لا يعرف أين هو”.

صور لترحيل عائلات سورية من إسطنبول “طواعية”

وقالت: “في البداية عندما انتقل السوريون من سوريا إلى بلدان الجوار كنازحين أو لاجئين أصبحوا على هامش هذا المجتمع وهو ما يشجع على انتشار العنف الجسدي واستعمال الأسلحة وانتشار المعارك واحتدام الصراع بين النازحين والبلد المضيف ويؤدي إلى مشاكل لها أثارها السلبية، فعندما يطلب منهم العودة إلى بلدهم الأصلي، إلى مكان هم بالأصل لا يشعرون أنهم ينتمون إليه ستكون هذه الجرائم مضاعفة وستكون الآثار الاجتماعية مضاعفة”. وأضافت أن “السوريين عندما خرجوا من سوريا في البداية لم يتم استقبالهم ضمن أطر منظمات دولية أو ضمن برنامج فعال يستطيع احتواءهم بسبب التهجير القسري الذي فرض عليهم وأخرجهم بلدهم، وعندما تتم العودة بالعكس إلى سوريا أيضا لا يوجد جمعيات أو اهتمام دولي أو محلي بعودتهم، فهذا يسبب مزيد من القلق والتوتر، فهو خرج بطريقة فيها خوف وقلق، تواجد في مكان مليء بالقلق والاضطرابات ثم مرة ثانية مضاعفة خوف وقلق واضطرابات، كيف سيكون هذا الإنسان ببنية نفسية سليمة ومعافاة، حتما سيكون إنسانا مضطربا وقلقا بكل الأحوال”.

وأشارت “النفوري” إلى أن التهجير القسري له آثار اجتماعية ونفسية، بالدرجة الأولى على الأشخاص اللاجئين عندما يفرض عليهم النزوح القسري فهم أشخاص بالدرجة الأولى يعيشون على هامش المجتمعات لا ينتمون إلى مجتمع ولا يتقبلهم، وبالتالي يعتبر وجودهم عبئا اقتصاديا واجتماعيا على البلد المضيف، فكيف إذا كان حال السوريين عندما تم تهجيرهم من المناطق التي يعيشون فيها إلى مناطق أخرى وطلب منهم للمرة الثانية النزوح أو التهجير القسري العودة إلى بلدانهم، هذا سيؤدي إلى آثار نفسية فوق الآثار النفسية المتراكمة بالأساس من البداية”.

صور لترحيل عائلات سورية من إسطنبول “طواعية”

وترى أن “الآثار النفسية التي تسيطر على الأشخاص بالدرجة الأولى هي الإحباط، وعدم القدرة على تحسين الأوضاع المعيشية، وعدم القدرة على الاستقرار اقتصاديا أو اجتماعيا”، مشيرة إلى أنه “في كثير من الأحيان يؤدي النزوح أو اللجوء إلى إصابة الأشخاص باضطرابات ما بعد الصدمة نتيجة أعمال العنف التي قد تمارس عليه، فهم لم يشفوا من الصدمة الأولى حتى يتعرضوا لصدمة ثانية، فكيف سيستطيع هذا الإنسان التأقلم مع هذا الوضع، هذا يؤدي إلى تراكم الاضطرابات النفسية عليه من اكتئاب، وقلق، ومشاعر خوف، وعجز عن اتخاذ أي قرار حاسم، بالنهاية يشعر هو كإنسان أصبح في ضياع تام عن أي قرار أو عن أي وسيلة للعيش ضمن هذا المجتمع الذي يجب عليه أن يكون ضمنه”.

وأفادت “النفوري” أن من “الآثار النفسية التي يتركها التهجير القسري يكون أثرها الأكبر على النساء والأطفال، حيث تكون آثارا نفسية جسمية بالذات عند الأطفال مثل فقدان الشهية، الانفعالات، الخوف، الغضب، التوتر، انفعالات نفسية شديدة ممكن أن تؤثر على حياة الطفل أن يستمر بحياته كإنسان طبيعي كطفل طبيعي يستطيع أن يشعر بالأمان أو الاستقرار ضمن الحالتين، النزوح الأول والثاني”.

وختمت بالقول إن “التهجير الخارجي الذي يكون بقوة السلاح أو مصادرة الأملاك وهو أبشع أنواع التهجير، له آثار نفسية عميقة تحتاج إلى دعم دولي حكومي ومحلي لإعادة تأهيل النازحين أو اللاجئين عند العودة إلى بلدهم”.

*وصمة عار

العار الذي يوسم به المرء نتيجة عدم إغاثته للملهوف وحمايته، لا يضاهيه عار في أدبيات وثقافات الشعوب على مر تاريخها، وكشفت تقارير مرعبة عن انتهاج سياسة ترحيل قسري وبشكل مرعب في لبنان يتم التعتيم عليها إعلاميا، كما بدأت تركيا تطبيق سياسة مماثلة حيث تم ترحيل أكثر من 6 آلاف سوري عن طريق معبر “باب الهوى” وحده في شهر تمور/يوليو الماضي.

صور لترحيل عائلات سورية من إسطنبول “طواعية”

ويعتبر المحامي “محمد الأسود” أن صدمة السوريين بالمجتمع الدولي أخلاقية وقانونية، لأنه آبدى عجزا منقطع النظير تجاه اللاجئين الذين يقيمون منذ 9 سنوات في خيام بدائية، كما أنه لم يستطع صون القوانين والمواثيق مثل اتفاقية عام 1951 المتعلقة باللاجئين وهي ذات الاتفاقية التي وقعت عليها لبنان وتركيا، ورغم ذلك تم ترحيل آلاف السوريين منهما قسرا دون مراعاة الخطر الذي يهدد حياتهم.

وأبدى “الأسود” في تصريح لـ”زمان الوصل” استغرابه من سكوت الهيئات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية عن هذا الخرق المعيب، الذي تستنفر لأجله المحاكم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، لافتا إلى أن هذا الصمت يعد وصمة عار في جبين هذا المجتمع الذي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وصون كرامته.

صور لترحيل عائلات سورية من إسطنبول “طواعية”

وأكد عجز الأمم المتحدة عن توفير أدنى مقومات الحياة للاجئين السوريين في دول الجوار خصوصا في لبنان الذي تلاعب ساسته حتى بالمسميات ونجحوا بانتزاع صفة “اللاجئ” من السوريين هناك لحرمانهم من الحماية الدولية، وإطلاق مسمى “نازحين” ليخضعوا بشكل كامل لقوانيين البلد الذي هم فيه وبالتالي تسهل عمليات اضطهادهم وترحيلهم.

وطالب “الأسود” بالضغط على المنظمات الدولية لتأخذ دورها كاملا في الدفاع عن حقوق اللاجئين في دول الجوار السوري، فبدلا من أن يرحل السوري ويترك ليلاقي مصيره عند نظام هجره بعد أن قتل من أهله ودمر منزله، يجب المطالبة من لبنان أو تركيا بقوائم السوريين المراد ترحيلهم ليتم العمل والتوصل مع الدول الأوروبية والغربية لتأمين لجوء لهم يحمي حياتهم.

المصدر: زمان الوصل

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.