بعد بتر ساقها إمرأة سورية تمشي وتعمل لأجل أطفالها

29 يوليو 2019آخر تحديث :
بعد بتر ساقها إمرأة سورية تمشي وتعمل لأجل أطفالها

بعد بتر ساقها إمرأة سورية تمشي وتعمل لأجل أطفالها

أسامة الشامي / خاص تركيا بالعربي

“كانت هدية نظام الأسد لي في عيد الأم قذيفةً مدفعيةً، بترت ساقي الأيمن، عندما كنت أحاول إنقاذ ابني من القصف، وهو ذاته طفلي الذي مشيت لأجله أول مرة، عندما رأيته يتعرض للخطر.”

هكذا وصفت أم شاهر اصابتها وتحديها، لتركيا بالعربي، بعيون يملؤها القهر والحزن، ويغمرها التحدي والثبات، والتي تمر بظروف قاهرة وصعبة، لا تثنيها عن محبة أطفالها، والرغبة بالحياة.

أم شاهر إمرأة أربعينية، من أطراف ريف إدلب الجنوبي، تعرضت لقذيفة مدفعية، اطلقتها حواجز النظام بريف حماة، أثناء قصف قرية عابدين، جنوبي إدلب، عندما حاولت انقاذ ابنها من حديقة البيت، والمضي به للملجأ، بعد أن بدأت تنهال القذائف على القرية.

بعد أن حملت أم شاهر طفلها ببضع خطوات، قطعت طريقها قذيفة، جعلتها تخسر ساقها، ورغم ذلك استمرت بحمل ابنها أحمد، غير آبهة بوجع الجرح والنزيف الشديد.

خلال علاج أم شاهر ، توقع الطبيب أن تمضي حياتها مع المساند (العكازات)، حينما ركبت طرف اصطناعي، لكنها تحدته قائلة: “بإذن الله رح اجي لعندك مشي وبلا عكازات”.

ثلاث أشهر فقط، واستطاعت الٲم أن تتغلب على ٳعاقاتها، بدافع الأمومة، تقول ٲم شاهر، واصفةً أول موقف مشت فيه بلا مساند، والدموع تغمر عينيها:

“كان ٲحمد ابني عمره 8 أشهر، ويلعب بدراجة الٲطفال، تدحرج بإتجاه شرفة المنزل المرتفعة، والتي قد يسقط منها ويتضرر، لم أشعر ٳلا وٲني مشيت له ملهوفة، وضممته”.

لأم شاهر ثلاث أولاد، طفلين وبنت، كان عليها إعالتهم، رغم اصابتها، بعد زواج زوجها من إمرأة ثانية، والسكن بعيداً عنهم، حيث انشأت بسطة حلويات وخبز، قرب بيتها، بعد مساعدة مالية، قدمها لها فاعل خير، كما أوضحت.

ترعى عيالها، وتتابع شؤون البسطة، وتبيع المارة، وتقضي ساعات من الوقوف، والسير حول بيتها، وتزرع خضروات و ورود حول بيتها ايضاً، وترعاهن بنفسها، لا يعتقد الرائي أن هذه المرأة صاحبة إعاقة، خصوصاً من يلقى نبتات اكليل الجبل الخضراء بحديقتها، ويشاهد انتعاش الياسمين المُحيط بمنزلها، يخفي صمودها وقوتها الكثير من الملامح الموجعة.

بدأت المرأة الصابرة عملاً جديداً، بعد ازدياد احتياجات أولادها، وهو تجارة الألبسة المستعملة(البالة)، حيث قدم لها أحد تجار الألبسة عرضاً، بتقديم البضاعة لها دون رأس مال، وتقاسم الأرباح معها، استطاعت أن تدير تجارة الألبسة بثبات، وتغطي مصاريف عائلتها لفترة من الزمن.

سمعت أم شاهر إحدى جاراتها تقول: “هذه إمرأة عاجزة، ولايمكن أن تحمل أو تنجب.”

مما أثار خزنها وتحديها من جديد، فحملت مرة أخرى، تقول عن حملها الأخير:

“يتردد زوجي إلي كل فترة، ولأنه لا يتكلف بمصروفنا لا اتقبله كزوج، إلا أن كلام جارتي جعلني أورط بحمل جديد، وأنا مريضة ضغط وسكر، والحمل بالنسبة لي مخاطرة بالحياة.”

ظروف طبية صعبة عاشتها، كانت برأي أحد الأطباء مشروع وفاة، تعدتها كلها، وأنجبت أمير إبنها الرابع، لتبدأ الحملة الروسية الأخيرة على ريف إدلب، وتدمر طائرات ومدفعيات روسيا والنظام قريتها، وتضطر للنزوح تاركةً كل أثاث بيتها خلفها، وبلا معيل لها سوى الله.

تصف حالها الآن، بقولها:

“تعديت الكثير من المصاعب، لكني الآن باصعبها، حيث يرهق النزوح العائلات المقتدرة، فكيف بحالي انا، واكثر مايهمني الآن، هو تأمين حليب أطفال لابني الصغير، الذي أعجز عن تأمينه له.”

أم شاهر نموذج للكثير من السوريات المنكوبات، اللواتي يحملن جراحهن، ويمضين بطريق الحياة الصعب، بظل حرب ظالمة، تثقل كاهل الرجال قبل النساء.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.