كيف تستطيعون النظر بعيون زوجاتكم؟

11 يوليو 2019آخر تحديث :
أردوغان و أكرم إمام أوغلو
أردوغان و أكرم إمام أوغلو

كيف تستطيعون النظر بعيون زوجاتكم؟

بقلم بشار دريب / خاص تركيا بالعربي

جاهدًا حاول ألا يخسر عاصمة العثمانيين التاريخية ومركز ثقله الانتخابي، غير أنّ مُحاولات السيد أردوغان وفي ليلةٍ وضحاها تحولت لعصفٍ مأكول، ولم يجد صاحب النهضة التركية الحديثة بُدًّا من تقديم التهاني لرئيس أكثر الأحزاب عداءً له، فيما تعهد الأخير بالعمل مع الرئيس “لصلاح البلاد والعباد”.

على مضض تقبل أردوغان الهزيمة، لكنّه تقبلها، وإذ لستُ بوارد الحديث عن أسباب الهزيمة؛ فأهل تركيا أدرى بِشعابها وهذا شأنهم الخاص ولا يحقُّ لأحد التدخل به، كما لست بوارد الدفاع عن شخص أردوغان، غير أنّ ما يُثير الدهشة هي ردّةُ فعل بعض الأنظمة العربية التي رأت بخسارة العدالة والتنمية بابًا للشماتة، فأكثرهم لم يعرف الهزيمة يومًا منذ وصوله إلى الحكم على ظهور الدبابات، كما أنهم يعرفون أنّهم وحين يُهزمون (وبغض النظر عن الطريقة إن كانت انقلاب أو ثورة) فمصيرهم سيكون السجون، وهو الأمر الذي لا يخشاه أردوغان المهزوم، ولم أقل أنّهم سيُهزمون بانتخابات، فهم لا يُهزمون بمثل هذه الخزعبلات.
ربما من حقهم أن يشمتوا؛ فهم لم يعتادوا الديموقراطية، ويعتبرون خسارة أردوغان ثأرًا شخصيًّا لهم، لكن وبتحليلي الشخصي فإنّ أردوغان لم يسمع حتى بشماتاتهم، فالرجل مشغول ببناء بلده، التي تحوّلت وخلال سني حكمه القليلة إلى إحدى أهم وأعظم الدول على مستوى العالم، لكن وبالمقابل، ماذا قدّم حُكّام العرب منذ استقلال بلادهم؟ في الحقيقة لا أدري.

منذ أيامٍ قليلة وخلال انطلاق كأس الأمم الإفريقيّة، كتب أحد المصريين مستهزئًا، بعد أن وضع صورة لمصر اليوم وصورة زمن حكم الملكيّة في مصر (مصر هي الدولة الوحيدة التي ستتقدم لو عادت إلى الوراء)، كثيرًا يحمل هذا الهزل من المعنى، ربّما ليست مصر وحدها ستتقدم لو عادت للوراء، أغلب الدول العربية المسلط على رقاب شعوبها السيف ستتقدم لو عادت للوراء…
لكن تركيا اليوم هل ستتقدم لو عادت للوراء؟ بالطبع لا، فمنذ حركة كمال أتاتورك، عاشت تركيا حالةً من التقلبات السياسية والاقتصادية، وكانت سيوف العسكر مُسلطة على رقاب الترك (كما العرب اليوم)، واقتصاديًا؛ فحدث ولا حرج، ولكن ومنذ اعتماد الديموقراطية نظامًا، ووصول العدالة والتنمية إلى سُدّة الحكم (بالانتخابات)، وخلال عشرون عامًا من (الحكم والعمل) تمكن الحزب بقيادة أردوغان من نقل البلاد والعباد إلى مصافي الأمم، فيما بقينا نحن العرب نشتم ونعيب ونستهزئ.

قد يظنّ البعض أنّي أكتب هذا الكلمات كوني متعاطفًا مع حزب العدالة والتنمية، أو أنني أحد مُحبي أو مُريدي السيد أردوغان، غير أنّ الحقيقة لا يُمكن إخفائها بغربال، وحقيقة أردوغان أنّه أنموذج لأي رئيس، يعمل المستحيل من أجل رفعة أمته ورفاه شعبه، ويُقارع الكبار مستندًا على دعمٍ شعبي قد لا يبقى لو أنّه حاد عن طريق الصواب.

يقول البعض إنّ أردوغان يهدف إلى إعادة أمجاد الحكم العثماني، ويعيب عليه ذلك، وإنّ صدقت مزاعمهم؛ والله لا أعلم أين الخطأ في ذلك، ألم يرفع ترامب شعار (جعل أمريكا عظيمة مجدداً)، وبالطبع هذا من حقّه وحق الأمريكيين، وبالطبع هذا من حق العرب، هل من أحدٍ منع أو يُحاول منع العرب من إحياء أمجاد الحكم الأموي أو العباسي؟، ربما لا أحد يمنعنا من ذلك إلّا الحُكّام الذين يرون مصيرهم مُرتبط ببقاء الحال كما هو عليه، ولا أحد منهم يُحاول إحداث أيّ نوعٍ من التقدم، ولكن دوام الحال من المُحال.

وليس أغرب من هؤلاء الحُكّام إلّا من ارتضوا أن يعيشوا في ظلالهم، شعوبٌ كاملة باتت تُدار “بالريموت كونترول” ارتضت الهوان، يُرعبها عُنصر أمنٍ أبله لم يأخذ قوّته إلّا من ضعفهم، ولا جبروته إلّا من هوانهم.

يُدهشوني هؤلاء الناس، فبعد أن شربوا من الذلّ أوعيةً، كيف يستطيعون النظر بعيون زوجاتهم، كيف يجرؤون على معاشرةَ نسائهم، وكيف يُربّون أبنائهم ويُعلمونهم الرجولة، كيف يستطيعون تجرع هذا السم الزعاف يومًا بعد آخر ثم يتجرؤون على النظر في عيون زوجاتهم.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.