كويت سوريا تحترق

27 يونيو 2019آخر تحديث :
كويت سوريا تحترق

كويت سوريا تحترق

بقلم هدى الحسين / خاص تركيا بالعربي

لأول مرة في تاريخ محافظة الحسكة السورية تلتهم النيران آلاف الهكتارات من محاصيل القمح والشعير قبيل وأثناء فترة الحصاد.

لُقِّبَت هذه المحافظة الشمال شرقية ب”كُوَيت سوريا” كونها نبع يفيض بالنفط والغاز والقمح والشعير والقطن إلا أن خيرها دوماً لغيرها فقد كان النظام الحاكم يأكل لحمها ويرمي عظامها لأهلها على مدى نصف قرن مما تسبب بهجرة أهل القرى منها إلى محافظات أخرى في سنوات الجفاف بحثا عن عمل.

أكرم الله سوريا هذا العام بأمطار وفيرة لم تشهد لها مثيلا منذ ثلاثين عاما وفي الأخص خلال سنوات النزاع الثمان الماضية فتفائل المزارعون بموسم حصاد مُبَشِّر لكن “الإدارة الذاتية الكردية” هذه المرة قابلت خير السماء بشرها فقد أصدرت أولا قرارا بمنع المزارعين بيع المحصول لحكومة النظام وأنها وحدها من ستقوم بشرائه بغية المتاجرة به للحكومة وخارج البلد وقد حددت أسعار أدنى من الأسعار التي أعلنت عنها الجهات الحكومية لشراء المحصول من المزارعين إلا أن المزارعين توجهوا بأغلبيتهم إلى الجانب الحكومي لبيع المحصول مما دفع “بالكردية” إلى التراجع عن قرار الحضر وترك الحرية للمزارع باختيار الجهة التي يريدها على حد زعمها.

هذا التراجع كان غريبا ومريبا في آن إلى أن اتضح أنه كان يخفي خلفه بداية خطة انتقامية تتضمن حرق مايتسنى من الأراضي الزراعية.

بدأ مسلسل حرق سنابل الذهب عقب إعلان وقف الحضر وأدى إلى الإطاحة بأرزاق أناس يعتمدون على الزراعة كمصدر أساسي للعيش. كانت يد الحقد والظلم والطمع تكتب بالنار : “من لايتعاون معنا فهو خائن، سنذلكم ونجوعكم ونفقركم وستبقون تحت سلطتنا ونحن من يرسم حاضركم ومستقبلكم” وكأنه نيرون في حرقه لروما.

لم تحترق الحقول الصفراء فقط بل واحترقت قلوب أصحابها معها وتناثر أدراج الرياح رماد حبوب الآمال والجهد الضائع سُدى.

منذ أكثر من شهر ونصف والحرائق تشتعل يوميا بعشرات الآلاف من الهكتارات ويحاول أصحاب الحقول عبثا خمدها مما تسبب بوقوع قتلى ومصابين دون أية مساعدة مفلحة تُذكَر من جهة “الكردية” والنظام بينما كانت تهرع سيارات الإطفاء لقلة من المواقع القريبة فتصل متأخرة بعد أن يكون الزرع قد احترق وانتهى الأمر، بالإضافة إلى منع “الكردية” الحصادات من القدوم من مناطق بعيدة إلى مواقع الحصاد أو بأفضل الأحوال قدومها واستئجارها لأكثر من 3 أيام مما تسبب بتأخر الحصاد وبالنتيجة تعرض للحرق.

هذه الحرائق طالت أيضا بعض الأراضي الزراعية في محافظات ديرالزور والرقة وحلب من التي واقعة تحت حكم “الإدارة الذاتية” إلا أن للحسكة كان النصيب الأكبر مما أثار ذهول واستياء جميع سكان الحسكة بمختلف مكوناتها العرقية.

هنا في محافظة الحسكة ذات الأغلبية العربية تحكم الأقلية الكردية الأغلبية.

منذ بدء النزاع المسلح في سوريا أعطى النظام الضوء الأخضر لمليشيا حزب العمال الكردستاني للشروع في التصدي للمضاهرات المعارضة لهما ومحاربة الفصائل المسلحة، ووجدت أمريكا هي الأخرى الأكراد بمثابة أداة مناسبة لاستعمالها في المناطق الشمالية والشرقية من سوريا فدعمتها – أقل ما يُذكَر- عسكريا وماديا وتسلم الأكراد وحدهم مناصب القرار هنا وخصوصا أكراد تركيا وإيران، وجُرِّفَت بيوت المئات من القرى العربية بتهمة أن سكانها على علاقة بداعش وغيرت أسماء القرى والبلدات والمدن إلى أسماء
كردية وضيقت -لا بل أعدمت- حرية التعبير وافتتحت المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة المسيسة بها وفرضت الضرائب والقوانين ومناهج التعليم الخاصة بها وسيطرت على حقول النفط والغاز وفتحت حدودها لمئات المنظمات الأجنبية “الإنسانية” ومنها المشبوهة بالمتاجرة بالأعضاء البشرية واحتجزت الآلاف بمخيمات نزوح تفتقر للرعاية الصحية مسببة بوقوع ضحايا وحالات استغلال وانتشرت جرائم الخطف والقتل وسرقة الأعضاء بعد قتل المخطوفين واستفحل تبييض الأموال.

تارةً تطارد الشباب لسوقهم للتجنيد الإلزامي تحت صلاحية إطلاق النار عليهم في الشوارع وتارةً تزجهم في حملاتها العسكرية مطلقة عليهم أسماء كردية لتعود بهم جثثا هامدة وتحتكرهم -إن صح التعبير- في مقابر خاصة تحت ذات الأسماء وكأنها تريد القول للعالم أن الشعب الكردي ضحى وحرر وانضروا للمقابر تشهد على ذلك رغم أن النسبة العضمى من موظفيها وعسكرييها وحتى قتلاها عربا.

كما وتتبع أساليب العنف في قمع المضاهرات الأهلية والتعبير عن الرأي بحرية وتمنع زيارة المحامين وذوي السجين في فترة التحقيق وخصوصا في القضايا الأمنية التي يدخل فيها المتهم السجن ويخرج دون أن يعلم عنه ذويه أو محاميه شيئ سالبين منه أبسط حقوقه المشروعة مما يثير السخرية من شعاراتهم الديمقراطية الوهمية.

يغرون الناس للعمل برواتب ضعف التي يتقاضاها موظفي النظام وبالكاد تكفي لإعالة فرد واحد في ضل غلاء المعيشة وشح فرص العمل الحكومية.

تحصل بلديات “الإدارة الذاتية” على أجورها من السكان عبر ضبط المخالفات التموينية بالإضافة للضريبة الشهرية من كل منزل مقابل عمل عمال النظافة، أي أنهم قائمون على نفقة السكان.

هذا وتسوق موظفيها كل حين وآخر في مسيرات احتجاجية ضد تركيا وللتنديد بالعزلة المفروضة على قائدهم عبدالله أوجلان هناك تحت تهديد الفصل من العمل وتنظم اضرابات عن الطعام للتضامن مع ما قالوا أنهم معتقلات سياسيات كرديات في تركيا في حين لم تدعو لو لمرة واحدة لوقفة احتجاجية ضد انتهاكات النظام في المحافظات الأخرى وكأنها تعيش خارج نطاق بلد كبير اسمه الجمهورية العربية السورية! وهي بالفعل كذلك إذ لا هي ولا النظام يتدخلان في شؤون بعضهما البعض وكلاهما سيف مسلط على رقاب الشعب السوري، لا والذي يثير السخط أكثر أن بعض قرى محافظة الحسكة تعرضت للسيول هذا العام بفعل الأمطار مما تسبب بالضرر على سكانها ولم تهرع “الذاتية الكردية” لتقديم المساعدة إلى أن قام بذلك فرع الهلال الأحمر السوري بعد وساطات مع الجهات الكردية للموافقة على إدخال المساعدات التي حوت موادا غذائية فاسدة في وقت غاب فيه الهلال الأحمر الكردي والمنظمات الأجنبية المدعية الإنسانية عن تقديم المساعدة بينما أعلنت فيه “الكردية” عن حملة تبرع لضحايا السيول الأكراد في إيران جابت ربوع الحسكة!

بعد هذا كله – وما ذُكِرَ إلا القليل – يثير الواقع هنا سؤالا يُجيب عن نفسه: أهذا حكم إدارة ذاتية أم إدارة عنصرية؟!

تنويه: مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن موقع تركيا بالعربي وإنما عن رأي كاتبها

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.