هل يتوازن سوق النفط خلال النصف الثاني من 2019

24 يونيو 2019آخر تحديث :
أبار نفط في تركيا
أبار نفط في تركيا

تركيا بالعربي

ونحن ندلف إلى النصف الثاني من العام، لا يتوقف سيل التصريحات والتحليلات حول مآلات أسعار النفط خلال الأشهر الستة القادمة. وبرغم أن حالة عدم اليقين هي صفة لا تفارق أسواق الطاقة، وجميع الأسواق المالية بصفة عامة، ولكن لا يمكن إنكار أن الفترة الحالية هي الأكثر صعوبة في التنبؤ منذ سنوات طويلة.

وتطرح هذه العوامل المتشابكة تساؤلات حول اتجاهات تداول النفط خلال الشهور المتبقية من 2019، وهو الأمر الذي يخلق فرص وتحديات في آن واحد لشريحة المتداولين في أسواق الطاقة.

تعزى هذه الضبابية بصفة رئيسية إلى تناقض المحددات الرئيسية لاتجاهات الأسعار في ظل عدم وجود اتفاق بين الدول المنتجة بشأن جدوى مواصلة العمل باتفاقية خفض الإنتاج، والتي بدأ سريانها مطلع العام الحالي. وبالمثل، تظل توقعات الطلب هي الأخرى متذبذبة في ظل تضارب الإشارات الدالة على تباطؤ النمو في كافة الاقتصادات الرئيسية بلا استثناء، جنباً إلى جنب مع استمرار النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى، بما في ذلك أقرب حلفائها مثل بلدان منطقة اليورو واليابان والمكسيك.

وبرغم حالة التفاؤل الشديدة التي خيمت على مفاوضات التجارة بين الولايات المتحدة والصين قبل أقل من شهرين، وإلى الدرجة التي صدرت فيها تأكيدات من الرئيس الأمريكي نفسه بقرب التوقيع على اتفاق نهائي خلال أسابيع قليلة، إلا أن كافة هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح مع انهيار المفاوضات والبدء في جولة جديدة من رفع الرسوم الجمركية والإجراءات الانتقامية بين الطرفين.

ضبابية توقعات العرض

سادت حالة من الجدل بشأن مستويات المعروض العالمي خلال الشهور الماضية، وهو الأمر الذي زادت حدته مع تنوع العوامل المؤثرة في هذا الشأن. على سبيل المثال، أدى القرار المفاجئ للإدارة الأمريكية بإلغاء الإعفاءات التي منحتها في نهاية العام الماضي لبعض مشتري النفط الإيراني إلى دفع خبراء الطاقة لإعادة حساباتهم، خصوصاً وأن القرار الأمريكي يستهدف الهبوط بالصادرات الإيرانية من نحو مليون برميل حالياً إلى الصفر، كما صرح بذلك مسئولي ترامب.

وفي سياق منفصل، تتزايد المخاوف من نشوب حرب في منطقة الشرق الأوسط بعد سلسلة من الهجمات على ناقلات نفطية تابعة لشركات غربية، والتي تتهم الولايات المتحدة وحلفائها من دول الخليج طهران بالوقوف خلفها. هذا الملف الساخن سيظل مفتوحاً لفترة غير قصيرة، وبكل تأكيد فإن نتائجه ستكون حاسمة في تقرير مصير الأسعار بعيداً عن الحسابات الفنية لمستويات الطلب والعرض.

من الوارد أن تنتهي كافة النزاعات الحالية بجلوس الولايات المتحدة وإيران إلى طاولة المفاوضات، وربما التوصل إلى اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات الأمريكية والسماح لها بالعودة مرة أخرى إلى الأسواق الدولية. هذا الاحتمال سيضغط بلا شك على الأسعار في الفترة اللاحقة، خصوصاً وأن إيران هي ثاني أكبر منتج للخام داخل أوبك، ومن المفترض أن يزيد إنتاجها عن أربعة ملايين برميل يومياً إذا ما رفعت القوى العالمية القيود المفروضة عليها.

في السيناريو المعاكس، وهو أيضاً وارد وبقوة، من المحتمل أن تنشب حرب واسعة في منطقة الخليج الأمر الذي سيعطل الإمدادات، وربما يوقفها تماماً، بعد تهديد الجمهورية الإسلامية بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي والذي تمر منه 20% من تجارة النفط العالمية، ناهيك عن تضرر منشآت الإنتاج على جانبي الخليج العربي بسبب الحرب. هذا السيناريو الكارثي سيدفع الأسعار إلى تجاوز المستوى 100$ للبرميل بكل سهولة.

سياسات أوبك وحلفائها

بعيداً عن سيناريوهات الحرب البغيضة، تظل سياسات الإنتاج داخل منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها الرئيسيين مثل روسيا، هي العامل الأكثر أهمية في تحديد حجم المعروض النفطي، وهو ما كان أثره واضحاً بالفعل على مدار السنوات الخمسة الماضية. ولكن ما لا يمكن الجزم بشأنه هو درجة التوافق في الآراء بين الدول المنضوية تحت مظلة ما يطلق عليه “أوبك+”. وبصورة أكثر تحديداً، تضغط السعودية وحلفائها من دول الخليج باتجاه تمديد تخفيضات الإنتاج الحالية حتى النصف الثاني من العام في مسعى للحفاظ على الأسعار من الانهيار. ولكن على الجانب الآخر، لا يوافق المسئولون الروس على الطرح السعودي، وقبل أسابيع قليلة تحدث الرئيس فلاديمير بوتين نفسه عن عدم جدوى تمديد الاتفاق الحالي عندما ينتهي آجله بعد أقل من أسبوعين.

وربما يجادل البعض بحدوث تغير في الموقف الروسي بعد محاولة السعوديون إقناعهم بأهمية الاستمرار في تطبيق القيود الحالية، خصوصاً بعد الانخفاضات الأخيرة في الأسعار. واكتسب هذا الطرح زخماً من تصريحات وزير الطاقة ألكسندر نوفاك والتي حذر فيها من انخفاض أسعار النفط إلى ما دون المستوى 30$ للبرميل بسبب زيادة الإنتاج خلال النصف الثاني من العام، خصوصاً في ظل تراجع معدلات الطلب.

وبغض النظر عن مواقف السياسيين، فإن الشيء المؤكد هو أن شركات النفط الروسية لم تدعم أبداً سياسة حصص الإنتاج وضغطت مراراً على حكومة بوتين لإيقاف التعاون مع دول أوبك. وتبرر الشركات الروسية موقفها بالمخاوف من خسارة حصتها في السوق العالمية لصالح الولايات المتحدة، فضلاً عن تأجيل العديد من خطط التوسع الداخلية. هناك أيضاً خلاف بين السعودية وروسيا بشأن مستويات الأسعار المقبولة، حيث ترى الرياض أن سعر النفط يجب أن يتراوح بين 75$ إلى 80$، فيما تبدو موسكو أقل تشدداً وتقبل بسعر يتراوح بين 60 إلى 65$ للبرميل.

وفي كل الأحوال، فإن الاتفاق الذي ستتوصل إليه الدول المنتجة خلال اجتماعهم نهاية يونيو الحالي سيحدد بشكل كبير مصير النفط خلال الشهور القادمة. ويرى مؤيدو هذا الرأي أن روسيا، حتى وإن كانت غير مقتنعة بتمديد اتفاقية خفض الإنتاج، فإنها يمكن أن تختار البقاء تحت مظلة الإجماع وفي نفس الوقت لن تضر شركاتها النفطية. ولشرح النقطة الأخيرة، فإن روسيا التزمت بحصة صغيرة لخفض الإنتاج بحدو 280 ألف برميل، وذلك مقارنة بإنتاجها الضخم الذي يصل إلى 11 مليون برميل يومياً، وأيضاً عند المقارنة بما تعهدت به دولة مثل السعودية والتي خفضت إنتاجها بأكثر من نصف مليون برميل يومياً.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.