السوريون في تركيا والشاي التركي

21 يونيو 2019آخر تحديث :
الشاي التركي
الشاي التركي

تركيا بالعربي

خطر لمحطة تلفزيونية تركية منذ عامين، أن تجري استطلاعاً بشوارع إسطنبول حول سؤال “ماذا لو تم منع شرب الشاي بتركيا” فكانت الإجابات تلخيصاً لمدى ولع الأتراك بهذا المشروب، وتعلقهم به والذي تعدى كونه طقساً، ليقترب ربما، من الخطوط الحمر أو الإدمان.

يرد رجل على سؤال لو تم منع شرب الشاي، بقوله “لا يمكن، الشعب ينتفض ويتظاهر” ويرد آخر “حياتنا ستنتهي، الشاي يعني الحياة” ويقول ثالث “إذا منع الشاي ستقوم ثورة”.

وبإجابة شاب صغير، يمكن رؤية المفاجأة وعدم، مجرد حتى التفكير بمنع الشاي “لمجرد طرح الفكرة تلعثم لساني” لتختم سيدة خلال الاستطلاع التلفزيوني ” كنا انتهينا، لا يمكن العيش بدون شاي”.

يمكن من تلك الإجابات، معرفة تأثير الشاي بحياة الأتراك الذين يربطونه بكل جلسة وطقس ووجبة طعام، بل ويقولون بأمثالهم الشعبية “محادثة دون شاي، كسماء الليل دون قمر”.

يقول صاحب مقهى بمنطقة درامان بإسطنبول، يدعى سيرين ألطاي: شرب الشاي عادة لدى الأتراك، إن بالمنازل خلال وجبة الإفطار مع الكعك التركي “السميت” أو بالمقاهي المنتشرة بكثرة وبجميع مدن وشوارع تركيا، واصفاً الحالة “بالإدمان” ولا يمكن التخلي عنه.

وحول طرق إعداد الشاي التركي، يضيف ألطاي لـ”العربي الجديد” تختلف طريقة إعداد الشاي التركي عن غيرها، فهنا نملأ إبريقين، الأول كبير مملوء بالماء المغلي وفوقه إبريق صغير مملوء بخمير الشاي، ويتم سكب الخمير ومن ثم الماء الساخن فوقه، على حسب رغبة الزبون، فالبعض يفضل الشاي المركز “ديمليه” وآخرون بفضلونه عادياً “نورمال” مشيراً إلى أن الشاي التركي وبحكم عدم غليانه، يكون النيكوتين فيه أقل وغير ضار.

ويقدر صاحب المقهى التركي عدد كؤوس الشاي التي يشربها التركي يومياً، بنحو عشر كؤوس صغيرة، ويشرح بحديث لـ”العربي الجديد” كيف باتت تركيا و”مدن البحر الأسود، كأوردو خاصة” من أهم مواطن زراعة الشاي، حيث يساعد المناخ، لوجود أكثر من 300 يوم مشمس في العام، ووفرة الأمطار في فصل الشتاء، على شروط زراعة الشاي وجمع ما يكفي من محصول جيد.

وحول أنواع الشاي بتركيا، يشير صاحب المقهى ألطاي، إلى أن بتركيا أنواعا عدة من الشاي، الأسود وشاي الأعشاب مثل البابونج والكافور والمانجو، وهناك شاي مفيد جدا من أوراق شجرة الزيتون، وهناك الشاي الأسود المخلوط مع الفواكه كالتوت والأناناس والليمون والبرتقال والزهور، وهناك الشاي الأبيض الذي بدأ ينتشر أخيراً، لكنه غالي الثمن.

ولا يبتعد المتقاعد خليل أقطاي عن رأي سابقه، بل يزيد بأن بلده يصدر الشاي لأكثر من 110 دول حول العالم، وساهم بنقل ثقافة الشاي، منذ مطلع القرن الثامن عشر، ويتابع مبتسماً “الشاي مشروب رخيص ومفيد، كل أربع كؤوس شاي تساوي سعر فنجان قهوة”.

ويبيّن التركي أقطاي أن طقس الشاي دائم بالبيت التركي، حتى خلال حفلات الأعراس والزيارات العائلية “لا تحسب الزيارة إن لم تقدم للضيف الشاي.

وسألنا المتقاعد التركي عن “أطيب” كأس شاي شربها بحياته، فقال: في مقهى “إسماعيل دمير” في ولاية “بولو” لأنه يحضر الشاي على نار حطب البلوط والصنوبر، وليس على الغاز أو الكهرباء، كما انتشر بتركيا، لافتاً أن صاحب المقهى دمير، لا يحدد سعر كأس الشاي، بل يتركه حسب ما يريد الزبون.

ويتأثر المقيمون بتركيا بطقس الشاي، فجل السوريين هجروا أنواع الشاي التي اعتادوا عليها، رغم وجود العديد من المنشآت السورية التي تصنع الأنواع ذاتها التي كانت موجودة بسورية.

ومن السوريين الذين يتغنون بالشاي التركي، ولا تخلو منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي من “الشاي التركي” الإعلامي أحمد العقدة.

ويقول العقدة لـ”العربي الجديد” لم أستسغ طعم الشاي التركي حينما أتيت إلى هنا قبل ست سنوات، ولكن بعد رؤيتي طرق الإعداد وعادة تقديم الشاي المستمرة طيلة اليوم، بدأت أغيّر رأيي تدريجياً، وخاصة بعد معرفتي أن تركيا من مواطن زراعة الشاي وفيها أنواع فاخرة وليست كالتي كنا نستهلكها بسورية.

ويضيف العقدة، هنا الشاي ضمن أهم أولويات ثقافة مقاهي الأرصفة، ولا يمكنك الفرار من تلك العادة، وخاصة حينما تبدأ بتذوق الفارق مع الشاي التركي، خاصة الأنواع الفاخرة التي تأتي من مدينة ريزة والتي يصل سعر الكيلو منها إلى أكثر من 500 ليرة تركية “سبقت الأتراك الآن وأشرب بمعدل 20 كأس شاي يومياً”.

وتشير المراجع إلى أن ثقافة الشاي، وصلت إلى إسطنبول في عام 1856 مع قدوم الجنود البريطانيين والفرنسيين إلى المدينة حلفاء في حرب القرم التي اندلعت في عام 1853. وقتها صارت حفلات الشاي التي أقيمت في السفارات رائجة أيضا بين أفراد المجتمع البارزين، وبدأ الأتراك يعيدون تقديم الشاي. وفور أن عرف الشاي طريقه إلى بيوت إسطنبول، لم يكن يقدم للضيف فنجان من القهوة فقط، بل كان يقدم له الشاي أيضا.

وأما “السماور” أو إبريقي الشاي، فقد وصلت إلى الأناضول مع المهاجرين القادمين من القوقاز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومع ذلك فقد صار الشاي والسماور ذائعين إلى حد أنهما صارا جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية،

ويحكى بالأوساط التركية أن السلطان عبد الحميد الثاني، أحب الشاي، في حين كان السلطان محمد الخامس مدمنا لشربه. وزرعت بذور الشاي التي جلبت من اليابان في عام 1878 في مدينة بورصة، لكن أخفقت محاولة زراعته. وعندما اتضح أن منطقة البحر الأسود أكثر ملاءمة، زرعت بذور الشاي في مدينة باتومي عام 1918 كما عُرف علي رضا أرتين، مدير مدرسة الزراعة، بأنه أول شخص حاول زراعة الشاي في تركيا. ليصدر بعد ذاك، قانون زراعة الشاي في عام 1924، وجلبت بذوره من باتومي إلى مدينة ريزا، وكانت النتائج واعدة. وتأسس أول مصنع للشاي في تركيا في المدينة نفسها عام 1947.

ولشدة ولع الأتراك بالشاي، أقاموا العام الفائت، أول معرض للشاي بمدينة إسطنبول، بهدف التقاء جميع الشركات التركية والأجنبية الرائدة والعاملة في هذا القطاع، للتعاون والتطوير والتعرف على آخر التطورات المستخدمة في إنتاج الشاي.
بل وبدأ في مدينة ريزة شمالي تركيا، العمل على مشروع إنشاء أكبر سوق للشاي في المدينة، تمتد على مساحة 9 آلاف و520 مترا، فضلاً عن تمثال لكأس الشاي يتوسط المدينة.

بقي أن نقول إن تركيا تصدر الشاي إلى 110 دول حول العالم، من بينها دول أوروبية، فضلًا عن الصين وسنغافورة والسعودية وروسيا، حيث تحتل تركيا المرتبة الخامسة في العالم من حيث إنتاج الشاي والمرتبة الثالثة من حيث الاستهلاك، وكسبت تركيا نحو 25 مليون دولار من صادرات الشاي العام الفائت إثر تصدير نحو 5 ألاف طن من الشاي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.