بوتين يهدد إدلب بالحرب . فهل سيتمكن أردوغان من حمايتها ؟

28 أبريل 2019آخر تحديث :
أردوغان روحاني بوتين
أردوغان روحاني بوتين

أخبار تركيا بالعربي

عادت روسيا للتهديد بشنّ عمل عسكري واسع النطاق في محافظة إدلب ومحيطها، لتزيد المخاوف من صراع جديد في المنطقة يُسقط اتفاق سوتشي الموقّع مع تركيا في 17 سبتمبر/أيلول الماضي وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في شمال غربي سورية، وذلك بالتزامن مع تصعيد القصف من النظام السوري وموسكو على تلك المنطقة. وجاء التهديد الروسي بعد فشل الجولة 12 من اجتماعات أستانة في تحقيق أي تقدّم، في ظل تعنّت النظام الذي يعتبر نفسه منتصراً في الحرب، فيما يرى البعض أن كلام موسكو يستهدف المزيد من الضغط على أنقرة في الساحة السورية.

وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحافي في بكين أمس السبت، أنه لا يستبعد “إجراء عملية عسكرية في إدلب”، مضيفاً: “لكن الوقت غير ملائم الآن، إذ يجب الأخذ بالاعتبار الأوضاع الإنسانية وحياة المدنيين”. وأضاف أن بلاده “ستواصل محاربة الإرهاب في إدلب”، محذراً من سماهم الإرهابيين هناك من أنه “في حال استمروا بهجماتهم، فإنهم سيتعرضون للضربات، ولا سيما أنهم قد شعروا بحقيقة ذلك”.

وشنّ بوتين هجوماً على المعارضة السورية، محمّلاً إياها مسؤولية فشل تشكيل اللجنة الدستورية خلال الجولة الأخيرة من أستانة، التي عُقدت يومي الخميس والجمعة الماضيين. وزعم بوتين أن “الاتهامات الموجهة للرئيس بشار الأسد بعرقلة انطلاق عمل لجنة الإصلاحات الدستورية عارية عن الصحة”، مضيفاً: “أستطيع القول إن المعارضة هي من يعرقل ذلك”. واعتبر أن النظام السوري خرج منتصراً من الصراع في البلاد، زاعماً أنه “لا يفرض شروطاً على المعارضة”.

وتؤكد تصريحات الرئيس الروسي أن موقف بلاده لم يتغير حيال الوضع في سورية، إذ تواصل موسكو دعمها اللامحدود للنظام السوري، وهو ما يخفّض من سقف الآمال بانفراج في المدى المنظور، من شأنه الدفع باتجاه بلورة حل سياسي متوازن وذي مصداقية لدى الشارعين الموالي والمعارض.

وتعدّ تصريحات بوتين خطوة متقدمة باتجاه التنصّل من اتفاق سوتشي، الذي جنّب محافظة إدلب العمل العسكري الذي يهدد به النظام وحلفاؤه، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوحت بين 15 و20 كيلومتراً خالية من السلاح الثقيل. كما جاءت تصريحات بوتين بعد فشل الجولة 12 من مسار أستانة، ما يؤكد أن الهوّة لا تزال واسعة بين الطرفين الروسي والتركي حيال جملة من القضايا، أبرزها الوضع في محافظة إدلب، التي تعدّ معقل المعارضة المسلحة و”هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً)، ومجموعات متشددة تدور في فلكها.

ومن الواضح أن الجانب التركي لا يزال يتشدد برفضه لأيّ عمل عسكري في شمال غربي سورية يدفع باتجاهه الجانب الروسي، لأنه يدرك أنه لن ينتهي إلا بالقضاء على ما تبقّى من فصائل المعارضة السورية، ما يعني عملياً انتصار النظام وحلفائه، فضلاً عن نتائجه الكارثية على نحو 4 ملايين مدني يعيشون في محافظة إدلب ومحيطها، من المرجح اندفاعهم باتجاه الحدود السورية التركية في حال اندلاع الصراع المسلح من جديد.

كما تأتي تصريحات الرئيس الروسي، في سياق ضغط وابتزاز واضح للجانب التركي كي يتساهل بقضايا أخرى؛ منها اللجنة الدستورية، والوضع في ريف حلب الشمالي، وفي ريف اللاذقية الشمالي حيث يسعى الروس إلى إعادة قوات النظام إلى هذه المناطق. وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينتيف، قد أعرب الجمعة عن قلق موسكو من الأوضاع الميدانية هناك، لوقوع معظم أراضي المحافظة تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) وفق قوله، في ما يبدو تمهيداً لعمل عسكري يجري التحضير له.

وتتهم موسكو الجانب التركي بالفشل في معالجة ملف “التنظيمات الإرهابية” في شمال غربي سورية، على الرغم من مرور أشهر على توقيع اتفاق سوتشي الذي وضع على الأتراك مسؤولية القضاء على هذه التنظيمات المتطرفة، التي لطالما كانت المدخل الواسع لسحق فصائل المعارضة من الطيران الروسي. ويبدو أن أفق تسوية في شمال غربي سورية مسدود في المدى المنظور، ما يؤكد أن المنطقة ذاهبة إلى أتون صراع جديد، يبدو أن جميع الأطراف تتحضر له، خصوصاً من جانب النظام الذي يريد تأكيد انتصاره بالقضاء على المعارضة مجتمعة في محافظة إدلب، متخذاً من وجود “هيئة تحرير الشام” ذريعة لذلك. ولم تنقطع تصريحات مسؤولي النظام، التي تؤكد نيّة قوات النظام استعادة محافظة إدلب “سلماً أو حرباً”، والتي تقابلها تصريحات من قادة الجيش السوري الحر، التي تؤكد استعداد هذا الجيش للمواجهة “لأنه لا يمكن التفريط بإدلب”، كما يؤكد هؤلاء القادة.

وتعليقاً على ذلك، أعرب المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للتفاوض يحيى العريضي، في حديث مع “العربي الجديد”، عن استغرابه من تصريحات بوتين، مؤكداً أن المعارضة بكل هيئاتها وتياراتها وشخصياتها “لم تترك سبيلاً إلى حل سياسي إلا وسارت فيه”: مضيفاً: “اجتُزئت القرارات الدولية، وحُرف مسار جنيف عن مقاصده، ونُقل إلى أستانة، مع ذلك ظلت المعارضة متمسكة بالحل السياسي”. وأشار إلى أن اللجنة الدستورية “هي من بنات أفكار بوتين، ومع ذلك وافقت المعارضة على الانخراط بها، علّنا نصل إلى حل سياسي يجنب ما بقي من سورية الدمار”، مضيفاً: “ولكن إذا كان بوتين يريد حلاً على قياس مصالحه وعلى مقاس نظام بشار الأسد فهذا لن يتحقق”.

وأشار العريضي إلى أن “العالم تخلّى عن السوريين، ولكن هذا لا يعني أن نتخلى عن حقوقنا”، مضيفاً: “طائرات بوتين هي التي حمت النظام وحافظت على منظومة الاستبداد، ولولا هذه الطائرات لكنا قادرين على مواجهة قوات النظام والمليشيات الإيرانية”. وتابع أن “الروس جربوا كل أنواع الأسلحة بالسوريين، وهم مسؤولون عن استمرار نزف الدم السوري عندما يدافعون عن إرهاب النظام، ويتصرفون (الروس) بكل غطرسة، كما أن جبهة النصرة توفر لهم الذريعة للفتك بالسوريين”.

من جهته، رأى المحلل العسكري العقيد مصطفى البكور، أن مسار أستانة “فشل في تحقيق أي إنجاز”، مشيراً في تصريح لـ”العربي الجديد” إلى أن هناك توجهاً دولياً للعودة إلى مفاوضات جنيف، مستبعداً قيام النظام بعمل عسكري في المدى المنظور، “بسبب وضعه الاقتصادي المتردي، والمواقف الدولية الرافضة لهذا العمل”، مضيفاً: “لكن لا أستبعد مغامرة إيرانية مدعومة من روسيا لخلط الأوراق”.

ميدانياً، واصل الطيران الحربي الروسي ومدفعية النظام السوري أمس السبت، القصف على مناطق في شمال غربي سورية، وأكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن الطيران الحربي شنّ غارات على محيط مدينة اللطامنة وقرية الجيسات وقرية حصرايا في ريف حماة الشمالي، فيما قصفت مدفعية النظام عدة مناطق في ريفي حلب وإدلب. إلى ذلك، أكدت مصادر إعلامية معارضة مقتل نحو 45 عنصراً من قوات النظام، في اشتباكات للأخيرة مع “هيئة تحرير الشام” على محور الحويز، وفي قرية الحريشة شرق بلدة زمار في ريف حلب الجنوبي في الساعات الأولى من صباح أمس السبت.

وتعليقاً على التطورات، رأى عضو الائتلاف الوطني السوري ياسر الفرحان، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن القصف الذي يستهدف المدنيين “عادة متكررة ومستمرة من قِبل النظام مع كل جولة مفاوضات سواء في جنيف أو أستانة، انتقاماً من السوريين المطالبين بحقوقهم المشروعة”. وأضاف: “النظام يستهتر بالمجتمع الدولي بوحشيته المتكررة، وتعطيله لأي مساعٍ دولية من أجل التوصل لحل سياسي للقضية السورية، والنظام لا يريد أن تنجح أي خطوة تقود إلى تنفيذ القرارات الدولية”.

أما القيادي في الجيش الحرّ العميد فاتح حسون، فرأى في حديث مع “العربي الجديد”، أن “استمرار أو توقف القصف الروسي ليس مؤشراً لنجاح أو فشل مؤتمر أستانة”، مضيفاً: “الخروقات كانت مستمرة خلال مؤتمرات جنيف أيضاً”. واعتبر حسون أن “كل الأطراف تسعى لحصد المزيد من المكاسب وتحسين موقفها التفاوضي، من خلال ممارسة الضغط العسكري والتصعيد الميداني”، مضيفاً: “تكثف موسكو طلعات طيرانها وقصف المناطق المحررة قبيل كل اجتماع أو مؤتمر دولي، في محاولة إثبات وجودها وأفضليتها بالنسبة للحاضن الاجتماعي للنظام، فيما تتواصل مع ممثلي الجماعات الدينية والشعبية في المناطق التي يسيطر عليها النظام، واستطلاع الآراء في العديد من القضايا سواء كانت عسكرية أو سياسية”. وتابع بالقول: “تضمن موسكو بعمليات القصف المستمر على المناطق المحررة التي يردّ عليها الجيش الحر، استمرار حالة الترويج الإعلامي أن القوات الروسية ممثلة بـ”الفيلق الخامس” هي التي تقوم بحماية تلك المناطق من خطر الإرهاب المزعوم، الأمر الذي يشرعن وجودها العسكري لفترة زمنية أطول أمام الرأي العام العالمي”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.