الانتخابات المحلية التركية.. هل ستحكم العلمانية تركيا مجددًا؟

7 أبريل 2019آخر تحديث :
أتاتورك
أتاتورك

عبد اللطيف مشرف / مدونات الجزيرة

انتهت انتخابات البلديات التركية يوم الأحد الماضي الموافق 31 مارس، بانتصار حزب العدالة والتنمية على حزب الشعب الجمهوري المعارض له، وتعد هذه الانتخابات من أشد المعارك الانتخابية والأكثر تنافسية بين الحزبين علي رئاسة المدن والبلديات التركية، وعلى الرغم من فوز تحالف الشعب الذي يضمّ حزب العدالة والتنمية والحركة القومية بأكثر من 51 في المائة من الأصوات، إلا أنه خسر في المدن التي تُعد مراكز القوة في تركيا مثل: أنقرة – إزمير – أنطاليا – أضنة- مرسين وما زالت بعد إسطنبول لم تظهر النتيجة الحاسمة، لوجود طعون مقدمة من حزب العدالة والتنمية بخصوص الفرز والنتائج التي كانت قد أعلنت بتقدم مرشح المعارضة أمام أوغلو على مرشح العدالة والتنمية رئيس الوزراء السابق على يلدريم، حيث هناك جدل واسع بخصوص هذه النتيجة وعمليات الفرز.

ولكن رغم انتصار العدالة والتنمية في العديد من المدن التركية، إلا أنه حقيقة خسر أكبر المدن التركية وأكثرها ثقل في كافة المجالات سواء من حيث الكثافة السكانية أو القيمة الاقتصادية أو السياسية أو السياحية، لكن من وجهة نظري الخسـارة الأكبر في العاصمة أنقرة وإسطنبول إذا ذهبت للمعارضة، حيث أن المدينتين كانتا تحت قيادة العدالة والتنمية منذ 25 عامًا، فلماذا خسر العدالة والتنمية مراكز القوي، وهل ستحكم العلمانية تركيا مجددًا؟

قام في تركيا النظام العلماني للدولة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وسقوط الخلافة العثمانية، وتأسيس مصطفى كمال أتاتورك للجمهورية التركية، ومع صعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية تم تخفيف الكثير من الأعباء عن المواطنين الأتراك الملتزمين بالدين الإسلامي، حيث تم رفع الحظر الذي كان مفروضاً على الحجاب، قبل أن يتم السماح للمحجبات بالدخول إلى الجامعات ثم البرلمان والشرطة والجيش التركي، كما شهد عهد أردوغان بناء وترميم مئات المساجد، والاهتمام بها، فضلاً عن النهضة الاقتصادية الكبيرة التي قاد الدولة إليها بعد أن فاز في جميع السباقات الانتخابية التي دخلها، ولكن يبقا السؤال لماذا خسر العدالة والتنمية مركز قوته في المدن الكبرى؟

من وجهة نظري ومن واقع معايشتي لتلك الانتخابات على أرض الواقع، ومن الحديث مع الأتراك والسماع لآرائهم المختلفة، هناك عدة أسباب كانت وراء خسارة هذه المدن، فعند التدقيق نجد أن هذه المدن تشكل النسبة الأكبر في الكثافة السكانية، وأيضا مستوى المعيشة والتعليم، وهي الأكثر حركة سياسيًا وفكريًا، فالمواطنين لديهم الوعي الكافي، للتمييز بين برامج وخطابات كل حزب، فنجد أن خطاب حزب العدالة والتنمية كان متكرر في أغلب الأماكن، ويتضمن الخطاب دومًا الإرهاب والمعارضة وخطرهم على الدولة التركية، مما جعل الكثير يمل تلك الخطابات بل ويرفضها، وأيضا أغلبها تناول مشاريع البنية التحتية ولعل كان أبرزها خطاب العدالة والتنمية في إسطنبول التي تضم أكبر كتلة سكانية وميزانية في تركيا، ولم يتناول أوضاع المواطن التركي من تعليم وصحة وغذاء وسلع وبطالة وغيرها من الأشياء التي تهم المواطن التركي اليوم، وخصوصًا بعد اهتزاز الاقتصاد التركي وارتفاع الدولار مقابل الليرة.

هذه الأشياء استغلتها المعارضة ببراعة، ولمست المعارضة حال المواطن التركي وما يعانيه في حياته اليومية ولعبت عليه، واستغلت أيضا الحالة الاقتصادية وارتفاع الدولار بل عملت على تضخيم الموضوع لدرجة أنها جعلت المواطن التركي يشعر بأن فوز العدالة والتنمية، سيكون نتيجته ارتفاع جنوني في الدولار، ومع الأسف لم ينجح العدالة والتنمية الحزب الحاكم حاليًا في السيطرة على ارتفاع معدل الدولار مقابل الليرة رغم الوعود المتكررة، وأيضا الصدام المتكرر بين الحكومة التركية والحكومة الأمريكية في الآونة الأخيرة كان سبب غير مباشر في هذه النتيجة، حيث تريد الحكومة التركية خلق سيادة منفردة وقرار منفرد بقضاياها وشؤونها بعيدَا عن أي تدخلات من القوي الدولية مثل أمريكا، ولكن مع الأسف الكثير من الأتراك لا يصل إليهم هذا الفكر، بل يصل إليهم فقط ما ينتج عن هذه السياسة من حروب اقتصادية تضره وهذا أكثر ما يقلق المواطن التركي من واقع معايشتي الأن لهذا المجتمع.

أن المحرك الرئيسي للناخب التركي هو الاقتصاد، لذلك يتم الضغط على العملة خلال كل فترة تمر فيها تركيا بانتخابات، لذلك قد حان الوقت لمراجعة الحزب الحاكم لبعض السياسات الخاطئة التي أدخلته في هذه الدوامة التي تسببت بانتصار المعارضة، وعلى المجتمع أن يجرب البديل ثم يحكم بعد ذلك من هو الأفضل، ونجد بعض الأحزاب رغم توجهها الإسلامي إلا أنها أعطت أصواتها للمعارضة نكاية في حزب العدالة والتنمية، حيث أن حزب السعادة الإسلامي لعب دوراً بطريقة أو بأخرى في حال خسارة حزب العدالة والتنمية لإسطنبول، حيث يمتلك الحزب ١٥٠ ألف عضواً في إسطنبول جميعهم لم يصوّتوا لمرشح حزب العدالة والتنمية علي يلدريم، وكذلك مناطق الأكراد مثل ديار بكر وغيرها من المدن المختلفة، فكانت هذه أهم الأسباب في تراجع العدالة والتنمية في المدن الكبرى وغيرها، ولكن يبقا سؤال آخر، لماذا ربحت المعارضة المدن الكبرى ومراكز القوي وارتفاع نسبة التصويت لصالحها؟

ويعود هذا الارتفاع -وفقا لقراءات متعددة جمعتها الجزيرة نت- إلى ارتفاع حدة الاستقطاب في الانتخابات البلدية الذي وحد الجمهور المعارض للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلف مرشح المعارضة الأقوى أكرم إمام أوغلو، وهي قراءة يعززها التدني الكبير في نسبة التصويت لمرشحي المعارضة الآخرين في إسطنبول.

وأيضا ما ذكرته سابقًا من خسارة العدالة والتنمية لكتل تصويتية من الناخبين رغم توجههم الإسلامي، وذلك لرفضهم بعض سياسات الحزب الحاكم، وكذلك الخطاب السياسي والانتخابي للعدالة والتنمية، مما صب في مصلحة المعارضة بل واستغلته أفضل استغلال، وأيضا الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وتراجع الليرة وفقدانها 30 في المائة من قيمتها أما الدولار، وأيضًا أصيب حزب العدالة بالإرهاق بعد سيطرته الطويلة والمتواصلة على مفاصل الدولة، وبعد فوزه في كافة المحطات الانتخابية منذ عام 2002م.

وخلال هذه المرحلة خسر الحزب العديد من كوادره من جيل الآباء المؤسسين الذين توجه بعضهم إلى توجيه نقد لاذع لسياسات الحزب ورئيسه أردوغان، مما أفقد قواعد الحزب الكثير من زخمها التاريخي، ولعل أهم الأسباب من وجهة نظري أن الحزب يعاني من أزمة مع جيل الشباب التركي الذي لم يعاصر حالة البلاد قبل وصوله إلى الحكم، وهو جيل متقلب المزاج سريع الحكم مختلف المتطلبات عن الأجيال السابقة.

هذا الجيل يوجد لديه فجوة فكرية كبرى، تتمثل هذه الفجوة بين أفكار وطموح وخطابات العدالة والتنمية ذات الطبيعة الإسلامية والخلفية الحضارية وبين ما يدرسه هؤلاء في المناهج التعليمية ذات التوجه العلماني الصرف البعيد عن الخلفية الإسلامية والحضارية، وهنا تكمن الفجوة الكبيرة وعلى حزب العدالة والتنمية الانتباه لهذه النقطة ويقوم وعليه القيام بتعديل المناهج مع ما يتوافق مع عقيدة الدولة وهي الإسلام، وإلا ستكون نقطة ضعف كبيرة في مسيرته وما يطمح إليه، حيث أن المعارضة لعبت أيضا على ذلك واستخدمت وجوه شبابية بين مرشحيها وكانت توجه خطاباتها أكثر للشباب، حيث أن هؤلاء الشباب لم يعيشوا معاناة تركيا الاقتصادية والسياسية السابقة، بل عاشوا أمجاد تركيا الحالية، فيقيسوا تركيا الأن كباقي الدول العظمي والكبرى، فيتطلعون إلى المزيد والمزيد، فعلي العدالة والتنمية أخذ هذه النقطة في الحسبان وتوجيه الخطاب للشباب، وتعديل المناهج الدراسية بما يتوافق مع المجتمع وعقيدته الإسلامية.

والدليل على هذا التحليل وارتفاع نسبة المعارضة والتصويت لها، ليس هذا بمفاجأة وشيء جديد، والمتابع للشأن التركي يجد، الصعود اللافت للحزب المعارض منذ انتخابات الرئاسة الأخيرة حين حصل مرشحه محرم إنجة على أكثر من 30 في المائة في انتخابات الرئاسة التي فاز فيها أردوغان في 24 يوليو 2018، وهي النسبة الأعلى لمرشح الجمهوريين في آخر 12 عاما، وأيضا ظهرت الكثير من المؤشرات على إمكانية تراجع حزب العدالة والتنمية في معاقله الرئيسية بإسطنبول، إذ خسر الحزب قلعته الحصينة “باشاك شهير” في التصويت على استفتاء تعديل الدستور عام 2017.

وفي النهاية إن أظهرت النتائج فوز حزب الشعب الجمهوري فهنيئا له وعليه أن يبدأ بخدمة المواطنين الذين سيحاسبونه في الانتخابات المقبلة، وإن أظهرت النتائج فوز حزب الشعب الجمهوري فعلى حزب العدالة والتنمية معالجة القصور عنده والتحضير بشكل أقوى للانتخابات المقبلة، تركيا اليوم بلد يحكمه القانون وليس أهواء هذا الحزب أو ذاك، وعلى الجميع في نهاية المطاف أن يحترم إرادة الشعب، تحية لحزب العدالة والتنمية الذي لم يستخدم سياسات التشبيح للمطالبة بحقه المهدور، وتحية للمعارضة التي انصاعت للقانون والدستور وتنافست سياسيًا بما يليق بمكانة تركيا الأن.

تنويه: مقالات الرأي تعبر فقط عن وجهة نظر صاحبها

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.