هيا نشن حربا على تركيا !

23 يناير 2019آخر تحديث :
اسطنبول
اسطنبول

خديجة محمود/ مدونات الجزيرة

في ظل السحاب الأسود الذي يغطي الساحة العربية والغربان التي تحرسها والدمى الخشبية التي تتخذ من العرش موطنا وفي ظل صراعات التطرف والطائفية ومحاولة التميز في كمية التعصب التي تملكها المجموعات العربية وفي ظل تناسي الإخفاقات والمشكلات إما بسياسة التجويع المفرط كما في مصر والأردن والدول الأخرى التي تعاني الفقر أو بسياسة الإشباع المفرط كما هو في دول الخليج أو بسياسة افتعال الأحداث الهامشية التي تثير الجدل وتحجب العقل عن الموضوع الأساسي. يخرجون من أوطانهم بأقدام حافية بقلوب تحبس آهاتها، بأمل العودة، يسيرون بخطى مبعثرة يفرون من صواريخ وبراميل خالية من الرحمة مليئة بالعذاب عقلهم ووجدانهم في المكان الذي خلفوه دمارا مع أرحامهم الذين عانقتهم براميل الموت، يسيرون في أرض الله الواسعة لا يرجون سوى اﻷمان أو حتى مجرد الحزن بهدوء.

يشرع الطفل بالبكاء فيلقى فاهه يد أمه الجريحة مغلقة إياه خشية سماعه من قبل الحيوانات البشرية فتفترس الوجدان قبل الجسد، تلجأ الأم إلى الله بالدعاء تذرف دمعها واحدة تلو الأخرى، بعضها تضرعا لله والبعض الأخر تذرفه على شاب لها تركته في وسط الدمار ميتا وفي وجدانها يعيش. يستقبلهم الجنود الأتراك باﻹنسانية يحاولون تخفيف عنائهم، يتفوهون بكلام يشبه لغتهم، ينقلون هذا وذاك إلى حياة جديدة بعيدة عن الحروب والدمار ولكنها قريبة من وجع الذكريات.

فطرة الإنسان – الذي من الممكن ان يكون عربيا – تجعله يبحث عن مصالحه أولا ثم يتجه إلى مصالح الآخرين بعدها، فيبحث الإنسان العربي على خارطة العالم التي يرسمها في ذهنه عن وطن يعيش فيه محققا أكبر قدر ممكن من الأحلام، مع العلم إن إرادة الإنسان العربي حاليا تكمن في العيش بعيدا عن الحروب والظلم وأن يشعر بقيمته كإنسان. يبحث ويبحث ويجد البلد الأنسب والأقرب إلى تصوره، فيقول ذلك الإنسان: وجدتها، إنها موطن الحضارة العثمانية العظيمة وموطن من كنا تحت حكمهم مدة طويلة تقدر بأربعة قرون أي أربعون عقدا أي أربعمئة عام فيتجه هذا الإنسان العربي إلى الجمهورية التركية.

تقدر أعداد اللاجئين التي خلفتهم الحرب اﻷهلية السورية المتواجدون على اﻷراضي التركية بنحو اثني مليون لاجئ وأضف إليها أعداد العرب المتواجدون في تركيا والذين يقدر عددهم بخمسمئة آلاف عربي، وخلال هذه الحرب الدامية وفي أخر حدث فيها قامت تركيا بعمليات في إدلب تعين اﻷهالي على التخلص من الظلم الواقع عليهم من نظامهم السياسي في الوقت الذي ينشغل العرب بالقضاء على إخوتهم ووحدتهم وإغلاق الحدود في وجه اللاجئين.

في تلك البلاد لا يتم اعتقالك إن دعوت دعوة خير لأمر خير كما حدث للداعية سلمان العودة في السعودية، وهناك لن تضطر للسفر خارجا حتى تنتقد أحد رؤوس الدولة كما يوسف حسين، وفيها أيضا لن يتحفظ على أموالك لأنك رفعت أربع أصابع يدك وأبقيت الإبهام في كفك، وهناك أيضا يمكن أن تجد المعارض والحليف على القائمة الانتخابية ذاتها ولن تكون مضطرا لأن تختار خيار واحد من بين خيار واحد، كما حدث في انتخابات مصر الأخيرة.

قد يتهمني البعض بالتطبيل أو التسحيج للنظام التركي وببعض الكلام النابي وهكذا، ولكن مهما كتبت لا يوفي شيئا من الاعتذار عما فعله أجدادنا أجداد العرب بالعثمانيين من ثورة ونكران للجميل فإن كانت حجتهم الوقوع بالظلم وما إلى ذلك من حجج واهية، فإن حالنا في الأوطان العربية ليس بحال يحمد فها هو الحال في فلسطين حيث يعيشون أشد أنواع الظلم من قهر ودمار واحتلال، أفلا يستحق هؤلاء ثورة وغضب، فالإسرائيليون يحتقرون العرب ويكرهوهم أشد الكره وإن تظاهروا بالود فعلوها لأجل مصالحهم.

عربي هجر عربي من أرض عربية بمساندة عربية بأسلحة أجنبية، فما في يد ذلك العربي حيلة سوى التفكير في بلد يشرع له أبوابه ويعيش فيه كإنسان، لا ببلد يغلق الحدود في وجه الفارين من حرب مشؤومة وبترك مصريهم للقدر والمجهول. ملخص الحديث هو أن ترى الأمور بعقلك أنت وتزنها بميزان تفكرك لا بموازينهم فقبل أن تتابع أخبارك عن القنوات الإخبارية تابعها على أرض الواقع تجد الحقيقة، كن محللا للأحداث وصانع قرار، اسأل عن الحقائق استكشف وابذل جهدا نحو الصواب واتخذ من عقلك بوصلة ثم انتقد ما لا يعجبك، لا تجعل أموالك التي تلبي لك احتياجاتك المادية حاجبا على عقلك. أصبحتم كالببغاوات تنطقون ما لا تعقلونه بل تتفوهون بكلام الذي جعلكم حبيسو الأقفاص.

بينما النظام السوري يشن أبشع هجماته على معارضيه في ديارهم وبمعاونة روسية خرجت تركيا لتدافع عن المظلومين وتبذل جهدها لإيقاف النهر الدموي الجاري كل ليلة، ومع كل هذا يخرج الإعلام العربي الفاسد ويتسابقون أيهم يسبق في الاستهزاء من تركيا ويتجاهلون عن الدمار المعنوي الذي في بلادهم والكارثة التي نحن بها اﻵن، فلتبقي يا تركيا سالمة ممن يكيدون لك، وأزاح الله الغم عنك، ودمت عونا للمظلوم وأملا له.

تنويه: مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن تركيا بالعربي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.