تشريح الثورة على طاولة التشريح .. بقلم احمد الشيخ دقو

6 يناير 2019آخر تحديث :
تشريح الثورة على طاولة التشريح .. بقلم احمد الشيخ دقو

خاص تركيا بالعربي / احمد الشيخ دقو

( الثورة عبارة عن عملية ، إنها لا تحدث تغيير جوهري من مرحلة ما قبل الثورة الى ما بعدها )هكذا عرفة الكاتب (( كرين برينتن ))الثورة في كتابه تشريح الثورة الذي اعتمد في كتابه على دراسة و بحث اربع ثورات تمت في القرنين الماضيين هم (( الفرنسية – الروسية – الانكليزية – الامريكية ))

الذي صب جل اهتمامه في ميول المجتمعات التي تسبق الثورة الكبرى ، حيث يرى ان التوترات الاجتماعية و السياسية و تدهور قيم المجتمع هي من العوامل التمهيدية التي تسبق الثورات ، لينفي تماما دور الحكومات من الاستبداد والطغيان التي تمارسه على شعبها .

و في دهاليز الكتاب نجده يرى الفعل الثوري هي حمى مرضية تسبقها تمهيدات ترتفع بسبب شكاوى افراد الشعب ، ليتعارض تماما مع تعريفه الرئيسي للثورة .

فسببية الثورة هي ردة فعل عن الفعل الممارس من قبل السلطة ، و يأخذنا الى ان من عوارض الحمى هي انهيار هيكلة الدولة .

ليبحر بنا لشط اخر فيقول (( تستقر الحمى و يصبح الناس لا يتحمل تلك الحمى لتحل سلطة افضل محل هذه الاحتجاجات و يصبح الشعب اسعد )) .ليتعارض ايضا مع مقدمته ، فالاحتجاجات تنتج عن حالة وجدت قابلة للتغيير من قبل سلطة غير سليمة ، فإنهاء الحالة المرضية من طريقة ممارسة السلطة ، و تبدلها نتيجة ردة الفعل لينتج من هذه الردة حكومة قادرة على النهوض بالشعب و نقله الى مرحلة افضل .

و يضعنا في دهليز اخر في رؤيته للمراحل التي تمر بها الثورة ، و في كل مرحلة عدد من الحيثيات التي تمر بها تلك المرحلة .

المرحلة الاولى : التي تسبق الحراك العام و من مسببات بداية الثورة

التناحر الطبقي الناتج عن الخلل الاقتصادي لعدم كفاءة الحاكم و الحكومة في وضع سياسات إقتصادية تتناسب مع المرحلة المواكبة لتبدل التوجهات الفكرية للمجتمع و المثقفين تحديدا و تحويل ولائهم الفكري الى العمل التوعوي الشعبي الناتج عن استخدام القوة المفرطة من قبل الحكومة بحق الشعب و مفكريه .

المرحلة الثانية : تعم فئات الشعب و تشكل ضغط في تسارع الانهيار في السلطة .

مما يؤدي الى اضطرابات على نطاق واسع الذي يمس الطبقة الوسطى المتجه الى انهيار مالي متسارع ،ليمس باقي طبقات المجتمع ليتصدر المشهد المثقفين و المعتدلين سياسيا وفكريا ، لتذهب الامور الى الهدوء النسبي .

المرحلة الثالثة : عوارض الازمة الاقتصادية و الضغط المالي على فئات الشعب ، تخرج طبقة جديدة لتستولي على السلطة من المتطرفين و تنحية المعتدلين و إبعادهم عن السلطة ، لينتج عنه الحرب الاهلية لتنتقل رويدا رويدا الى الساحة الخارجية ، لتتشكل المجالس الثورية و تقضي على نفسها ليتصدر الساحة رجل قوي يدير المرحلة ضمن إطار ثوري .

المرحلة الرابعة : و التي هي بداية النهاية للثورة الكبرى .

تفرض حالة من الهدوء النسبي على الساحة العامة تدريجيا ليعود حكم الطاغية الحاكم الفرد ، ويقضي على جميع معارضيه و المتطرفين المغاليين ، و تنصب المحاكم الثورية بحصول المعتدلين على العفو ، لتعود النزعة القومية العدائية

بناءا على هذه الفرضيات و المراحل الاربعة يستنتج برينتن ان معظم الثورات تنتهي دوما بالعودة الى حيث بدأت ، دون اي تغيير على الصعيد الاجتماعي و السياسي .

ليتناسا تماما النتاج الفعلي للثورات التي تمت و التي كانت محور الدراسة في الكتاب ، فَدمج الثورة الاجتماعية و الانقلاب العسكري ليأخذنا الى حكم الفرد المتسلط بعيد كل البعد للفعل الثوري الشعبوي .

و لا ننكر بانه في حالة استثنائية ممكن ان يأخذ الفعل الى المرحلة الحاكمية ، ولكن في دراسة نتاج الثورات و منها الانكليزية تختلف تماما في بعض المراحل و تحديدا في منتصف المرحلة الثالثة المؤدية الى الحرب الاهلية ، و يعود لهيمنة المثقف الانكليزي و وعي الجماهير الثورية ، فنتج عنه الاحزاب و البرلمان القادر على وضع عقد اجتماعي ثوري ينقل المجتمع الانكليزي عموما الى شط الامان .

و الثورة الامريكية فبعد إعلانها عن الاستقلال عن الملكة الام لعدد من الاسباب و منها الهيمنة الاقتصادية ،تشكلت قيادات لإدارة كامل الولايات لأمريكية و نتج وثيقة إعلان الاستقلال .

لنعود و نقول بان دراسة المجتمعات لا تتم بطريقة هندسية رياضية كما قال ماكس ليرنز (( انا متشكك بصراحة عندما يبدا من يدرسون المجتمعات متسلحين بالمشارط و المساطر الحسابية و انابيب الاختبار لانهم لا يعدون بأكثر مما يمكن ان يحققوه ، و تتخذ ادعاءات دارسي المجتمع التي نسمعها في ربع القرن الاخير طابعا دينيا و كأنهم يغسلون انفسهم بدم الحمل العلمي )) .

الفكر الثوري المجتمعي لا يقاس بالطرق المعروفة و المتداولة نسبيا فثورة الشعب لا تنطلق من الحالة الاقتصادية كما يقول المفكر رامزي موير (( لم تكن الثورة البريطانية وشيكة بسبب ضيق اقتصادي )) ، و غير مرتبطة بالقيم الاجتماعية الاخلاقية المتغيرة فلكلا عصر و زمان و فكر و منهج اجتماعي وديني ، فدراسة الثورات دون امتلاك مشاعر نحوها ، غير ان من الممكن الاحتفاظ بالمشاعر على نحو نسبي خارج الدراسة و ليس داخلها .

الثورة مرتبطة بالضرورة بالإنسان نفسه عندما يشعر بفقدانه لأدميته و كرامته و حريته فمعظم الثورات على مر العصور ارتبطت ارتباط وثيق بالكرامة والحرية .

فالإنسان قادر على التعايش في اسوء الظروف المعيشية الاقتصادية و الاجتماعية فهو كائن متأقلم بطبيعته ، إنما لا يستطيع التأقلم مع السلطة المستبدة السالبة لإنسانيته .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.