هل تعيد تركيا رسم خريطة النفوذ شرق الفرات؟

15 ديسمبر 2018آخر تحديث :
الرئيس أردوغان وقادة الجيش التركي
الرئيس أردوغان وقادة الجيش التركي

بات واضحًا أن تركيا جادة في تهديداتها، ولن تتوانى عن ضرب الأهداف التي تهدد أمنها القومي، على الرغم من إعراب وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن قلقها حيال العملية العسكرية المرتقبة، والتي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وجاء في بيان (البنتاغون)، أن أي عمل عسكري من جانب واحد وخاصة في ظل احتمال وجود أفراد من الجيش الأمريكي هناك أو في محيط المنطقة محل قلق بالغ، وغير مقبول،وأشار الكوماندر شون روبرتسون، المتحدث باسم (البنتاغون) في بيان أن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن تركيا الحدودي.

يمكن استبعاد أي صدام “أمريكي– تركي” في ظل تزايد التوتر بين أنقرة وواشنطن، خاصة أن تلك المجموعات التي تهدد أمن تركيا إضافة للمجموعات الجديدة التي تنوي واشنطن تشكيلها، موجودة في منطقة جغرافية بالغة الأهمية الإستراتيجية، ولا سيما في ظل تأكيد أردوغان أن بلاده ليس لديها أي عداء لا تجاه الإدارة الأمريكية ولا الجنود الأمريكيين الموجودين في سوريا، مضيفًا: “رغم كل شيء، نرى أمريكا كحليف إستراتيجي ويمكننا المضي معًا في المستقبل شريطة الالتقاء على أرضيات صحيحة”.

وبطبيعة الحال، يبدو أن التركي ماضٍ في تنفيذ خطته بغض النظر عن التوتر المتزايد مع واشنطن؛ حيث تجمعهما عضوية الـ “ناتو”، والدولتان من القوى المؤثرة في الحلف الأطلسي، وأي خلل جدي بينهما قد يؤدي إلى الإطاحة بكامل الحلف، وهو ما يسعد موسكو، التي لا تضع حاليًّا في حساباتها التصدي عسكريًّا لأدوات الولايات المتحدة في سوريا، وتصرفت بحنكة حين تركت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، لتتولى تلك المهمة، إن كان في درع الفرات ثم لاحقًا غصن الزيتون والآن على أبواب العملية الثالثة.

العملية التركية الوشيكة سبقها تراجع واشنطن ” إعلاميًّا” في تصريحاتها، عن تشكيل جيش من قوات “سوريا الديموقراطية” الذي يشكل عمودها الفقري الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب في الناتو و دول أخرى، إلا أن ذلك لم يبدد قلق تركيا ، حيث ترى أنقرة التنظيم الذي تحاربه منذ الثمانينات يحظى برعاية حليفها الإستراتيجي، ويتمدد على طول حدودها داخل الأراضي السورية بمسمى وغطاء جديدين، بعد كشف المتحدث السابق باسم تلك المجموعة المسلحة المنشق، طلال سلو، نقلا عن مسؤولين أمريكيين أن تسمية قوات “سوريا الديمقراطية” هي لطمأنة تركيا.

ولا بد من الإشارة،أنه بينما تدور أحداث كبرى غرب الفرات في مناطق سيطرة روسيا، تدرب واشنطن عناصر الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني في الحسكة شرق الفرات الواقع تحت السيطرة الأمريكية،من أجل إنشاء مجموعة مسلحة جديدة، في تجاهل وتهميش آخر جديد للغالبية العربية، لتزداد بذلك تعقيدات المشهد السوري.

والأمر الذي لا مفر من ذكره، أن الكل يتعامل مع ما يجري شرق الفرات من زاوية الأمن القومي التركي، ويتم تجاهل أن هذا الخطر اليوم يهدد ملايين العرب سكان تلك المناطق؛ حيث يشكلون أكثرية مطلقة وفق معظم الدراسات والبيانات، كما يتناسى العالم أن مصير هؤلاء الملايين قرابة نصف سكان سوريا بات في مهب الريح، بالإضافة إلى التقارير التي صدرت عن منظمة العفو الدولية وتحدثت بوضوح عن جرائم حرب تعرض لها العرب شرق الفرات من تهجير وإزالة بيوتهم و قراهم من على وجه الأرض.

حيث قالت منظمة العفو الدولية ،في تقريرٍ صدر أواخر عام 2015 ،إن بعثتها لتقصي الحقائق في شمال سوريا كشفت عن موجة من عمليات التهجير القسري وتدمير المنازل، تعد بمثابة جرائم حرب نفذتها الإدارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، الحزب الكردي السوري الذي يسيطر على المنطقة ، وقالت لمى فقيه، مستشارة الأزمات لدى المنظمة، “إن الإدارة الذاتية، بإقدامها عمدًا على تدمير منازل مدنيين، وفي بعض الحالات تدمير وإحراق قرى بأكملها، وتشريد سكانها من دون أية أسباب عسكرية يمكن تبريرها، إنما تسيء استخدام سلطتها، وتنتهك بصفاقة القانون الإنساني الدولي في هجمات تعد بمثابة جرائم حرب “.

والملاحظ اليوم أن إسراع واشنطن في محاولة شرعنة مكاسب تلك المجموعة المسلحة التي لا يختلف وجودها من الناحية القانونية عن وجود داعش أو النصرة داخل أراضي الجمهورية العربية السورية، وذلك عبر سعيها في إقامة نقاط مراقبة على الحدود السورية التركية، وهو الذي بات يدفع تركيا للإسراع أيضا بالتحرك عسكريًّا قبل فوات الأوان.

الأجواء والظروف اليوم، تشابه تلك التي كانت قبل العمليتين العسكريتين درع الفرات وغصن الزيتون؛ حيث كل عملية منها كانت لتحقيق هدف محدد بإيقاف شق من المشروع الاستيطاني الانفصالي الذي يستهدف وجود قرابة نصف سكان سوريا ملايين العرب سكان مناطق شرق الفرات.

الواضح اليوم أن دمشق لا تثق بتلك المجموعة المسلحة المتمركزة شرق الفرات، والتي غدرت بها في أكثر من مناسبة، وآخرها المجزرة التي ارتكبت بحق مفرزة الأمن العسكري التابعة لدمشق، بالإضافة أنها باتت تتحرك كأداة أمريكية،و تتمدد أكثر من حجمها مستغلة الدعم الأمريكي تحت ذريعة الحرب على داعش، بينما ترتبط دمشق وأنقرة بتفاهمات دولية هي أهم للطرفين على المدى المتوسط و البعيد.

من جانبه، لفت شون روبرتسون، المتحدث باسم (البنتاغون)، إلى أن تركيا حليف مهم للغاية منذ عشرات السنين داخل حلف شمال الأطلسي، وشريك محوري للغاية للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” .

يبقى القول،إن ما يجري شرق الفرات هو الخطر الأكبر على مستقبل سوريا، هذا الخطر ترجمته هي إزالة الجمهورية العربية السورية من الخريطة الجغرافية والسياسية، ومن مفرزاته لاحقًا، تهديد الأمن القومي التركي مبدئيًا،ليطال الجغرافيا القريبة و البعيدة في مراحل قادمة.

بقلم:
باسل الحاج جاسم
المصدر:
صحيفة الحياة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.