كيف أصبح السوريون ضحايا الأخبار المزيفة في تركيا ؟

11 ديسمبر 2018آخر تحديث :
السوريين أمام مركز إدارة الهجرة في غازي عنتاب
السوريين أمام مركز إدارة الهجرة في غازي عنتاب

في الثالث عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تم نشر مقطع فيديو على موقع “تويتر”، ظهر فيه رجل زُعم أنه سوري جالس على قمة تمثال مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، في مدينة أديامان الجنوبية الشرقية.

وجاء في تغريدات كُتبت حول محتوى الفيديو: “تم منع مهاجر سوري من قبل الشرطة والمواطنين من محاولة تحطيم تمثال مؤسس الجمهورية التركية”.

انتشر الفيديو وتمت مشاهدته من قبل أكثر من 330,000 مستخدم، كما تمت مشاركته على صفحة الفيسبوك المتطرفة “Uyan Turk” (استيقظوا يا أتراك). من هناك وخلال 18 ساعة شاهده حوالي 190,000 شخص، ومن هذه الصفحة وحدها تمت مشاركته من قبل حوالي 5,000 مستخدم.

وعلى منصات كثيرة علق عليه 12,000 مستخدم، مستخدمين بشكل كبير لغة هجومية وتهديدية. من ضمن أوائل من شاركه كان باريش ياركاداش، عضو البرلمان الممثل لحزب “الشعب الجمهوري” المعارض (CHP) والصحفي السابق. وقال إن الفيديو قد أرسل إليه من قبل رئيس مكتب “حزب الشعب” الجمهوري في المقاطعة المركزية في أديامان.

لكن بعد أسبوعين، في يوم 27 تشرين الثاني، كشفت منظمة teyit – لتحري الحقيقة ومواجهة الأخبار الكاذبة المنتشرة على الإنترنت – أن الفيديو كان خبراً مزيفاً، وقالت: “ادعاء (فيديو: رجل سوري هاجم تمثال أتاتورك في أديامان): مزيف”.

وبعد أن تحدثوا للشرطة في أديامان، وشهود العيان ووسائل الإعلام المحلية، اكتشفت teyit.org (link is external)أن الشخص الظاهر في الفيديو كان تركياً مدمناً للمخدرات، حاول تسلق التمثال قبل عامين.

انتشرت القصة كخبر حقيقي حينها، وفي تصريحه الأولي للشرطة، قال المدمن أنه حاول الجلوس على كتفي التمثال ليعبر عن عواطفه لأتاتورك.

ويعد أتاتورك بالنسبة للعديد من المواطنين الأتراك تجسيداً للوطنية، وأي اعتداء عليه يعد أمراً غير مقبول على الإطلاق، كما أن تماثيله محفوظة بالقانون التركي، حيث قد تصدر أحكام بالسجن بحق أي أفعال مهينة موجهة ضده. وتم نشر الفيديو المذكور بعد يومين فقط من الذكرى الثمانين لموت أتاتورك.

وقال تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني (link is external) نُشر، أمس الإثنين، وترجمته “السورية نت“، إن مثل هذه الأخبار الكاذبة وردود الفعل عليها، تبيّن المخاطر التي يتعرض لها اللاجئون السوريون البالغ عددهم بتركيا 3.5 مليون لاجئ من تلك الأخبار.

ونقل الموقع عن جولين تشافوش، رئيسة التحرير في teyit.org، قولها: “سببت المعلومات الكاذبة حالات قتل في المكسيك وفي الهند – ولكن ليس في تركيا، إلى الآن. ولكن هذا لا يعني أن ذلك لا يمكن أن يحصل”.

وحذرت قائلةً: “بالواقع تركيا ناجحة للغاية فيما يتعلق باستضافة الأجانب واللاجئين مقارنة مع بعض الدول الأخرى، ولكن المعلومات الزائفة قد تطلق شرارة من الممكن أن تؤدي إلى عنف جسدي أو لمواقف تتطلب تدخل قوات الأمن”.

انقسام حول اللاجئين

والأخبار الزائفة ليست نادرة في تركيا وليس محصورة بتاتاً بقصص عن السوريين، فهنالك واحد من كل اثنين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا، يعتقد أنه يصادف أخباراً زائفة كل أسبوع، وفقاً لتقرير الأخبار الرقمية الصادر عام 2018 عن مؤسسة رويترز. وهذا أعلى معدل بين الدول الـ37 المدرجة في التقرير.

ومنذ أن تم إطلاقها قبل عامين حققت teyit.org بحوالي 700 من مواد المحتوى المشبوه في وسائل التواصل الاجتماعي، كاشفة الكذب التام لحوالي 500 منها، و60 أخرى كانت مزيجاً من الكذب والواقع، وبقيت قلة منها غير مؤكدة، إلا أن المحررين يستمرون بالتحقق من القصص التي تقع في ذات نطاقها بين حين وآخر على أمل كشف الحقيقة.

وقالت تشافوش لـ”ميدل إيست آي”، إنه وعلى الرغم من أنها لم تحتفظ بإحصائيات حول كم من تلك القصص تعلقت بسوريين، إلا أن نظرة سريعة إلى صفحتها على الإنترنت بيّنت أن مواد الأخبار الزائفة حول هذا الموضوع كثيرة.

وأضافت: “في الواقع، ما يهم أكثر من عددها هو التفاعلات معها. تتم مشاركة ومشاهدة ومناقشة المنشورات التي تحمل معلومات حول اللاجئين السوريين على نطاق واسع”، ورأت أن السبب الرئيسي الذي يدفع المستخدمين للاعتقاد بأنهم معرضون للأخبار الزائفة هو انقسام المجتمع التركي، الذي تعتبر لديه مسألة اللاجئين السوريين كمسألة سياسية لا كإنسانية.

وقالت في هذا السياق: “هنا في تركيا لا نناقش غالباً مسألة اللاجئين السوريين كموضوع بحد ذاته، ولكن كجزء من الانقسام الذي لدينا. هذا الانقسام المتعلق بدعم حزب العدالة والتنمية أو المعارضة. تتم مناقشة المسألة السورية كجزء من الجدل حول السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية”.

وتكشف الإحصائيات من teyit.org أن الأتراك محقون بالاحتراس من المعلومات الزائفة ضمن ما يصلهم من أخبار، إلا أن الانقسامات السياسية العميقة في البلاد تزيد من احتمال قيام الأفراد بمشاركة المعلومات التي تدعم وجهة نظرهم، مع اعتبار كل ما يعارضها “مزيفاً”.

من جهته، شرح آكين أونفر، المدرس المساعد للعلاقات الدولية في جامعة “قادر هاس”، أسباب انتشار الأخبار الكاذبة عن اللاجئين السوريين في تركيا، وقال: “هنا في تركيا، ينتشر التضليل حول اللاجئين والمهاجرين للسبب ذاته الذي ينتشر لأجله في غيرها من الدول: لتغذية الخطاب اليميني المتطرف المعادي للاجئين وقبوله الشعبي”.

التحول المعادي للاجئين

وأشار أونفر إلى أن السوريين يقعون في ملتقى نيران الانقسام السياسي، وينتهي بهم الأمر عادة كضحايا رقميين جانبيين: “لا يوجد انقسام أيديولوجي أو حزبي واضح يمكن ملاحظته على المنصات الرقمية حول مسألة اللاجئين في تركيا. إلا أن هنالك تحول واضح نحو معاداة اللاجئين يمكن رؤيته في كل الكتل الأيديولوجية في وسائل التواصل الاجتماعية”.

كما أكد أيضاً على أنه وكما في الدول الغربية، التضليل المعادي للاجئين في تركيا منتشر لذات السبب: “الهجرة واللاجئين يعدان موادً هامة في الأجندة السياسية لكل الأنظمة السياسية في العالم تقريباً. في إطار روح العصر الحالية، التضليل المتعلق باللاجئين – حول حجمهم، نواياهم وانتشارهم – يعد منتشراً للغاية في الغرب”.

وأضاف: “بدلاً من أن يقدم العداء المشترك للسوريين أرضية مشتركة للأطراف المنقسمة لا يقود سوى لتعميق تلك الانقسامات السياسية ولتغذية التوترات، مع تبني المجموعات السياسية المختلفة لأسبابها الخاصة لذلك العداء ولكون السوريين هدفاً سهلاً للعداء والتضليل”.

ورأى أونفر أن “التضليل المتعلق باللاجئين سهل للخلق والنشر، نظراً لواقع أن اللاجئين أنفسهم لا يملكون وسائل كثيرة للتحقق من صحة تلك التصريحات. ولا يملكون أي ممثل منتخ للقيام بهذه الأمور نيابة عنهم”.

وتساءلت تشافوش رئيسة التحرير في teyit.org: “كيف تستخدم المعلومات الزائفة لاستهداف اللاجئين حول العالم؟”.

وأجابت: “هنالك فئات معينة تدور حولها الأخبار الزائفة المتعلقة باللاجئين. أكثرها شيوعاً هي المزاعم بأن اللاجئين متورطين بأفعال مهينة لثقافة بلادهم المضيفة، وأنهم إرهابيون يتظاهرون بأنهم لاجئون، وأنهم ينشرون الأمراض، وأنهم جزء من نظرة للمؤامرة”.

وأضافت أنه “من ضمن كل تلك المواضيع، من الممكن القول بأن الأخبار الزائفة المتعلقة باللاجئين غالباً ما تكون مرتبطة بالقضايا الإجرامية. القضايا الإجرامية تتبعها مزاعم بأن الحكومة تفضل اللاجئين وتمنحهم مزايا تفوق المواطنين”، وأشارت أن الموضوع الأخير شائع خاصة في تركيا.

ووفقاً لتحليلات teyit.org، فإن 6 من بين 13 ادعاءً زائفاً تم التحقيق فيه على وسائل التواصل الاجتماعي كان من هذه الفئة، وقالت تشافوش “إننا نتحقق منهم، ننهيهم، ولكن – مثل الأشباح – يظهرون مجدداً”، مشيرة إلى أنه من فئات الأخبار الدائمة حول السوريين هي المتعلقة بمزاعم أن “بإمكانهم التصويت في تركيا”، مؤكدةً أن الأخبار الزائفة الدائمة هذه عن اللاجئين السوريين، تظهر مجدداً كلما حصلت انتخابات جديدة في تركيا.

الحسابات المزيفة

ومن المشاكل الأخرى المتعلقة بالأخبار الزائفة حول اللاجئين السوريين في تركيا، هي مشكلة تدني الثقافة الإعلامية في البلاد بشكل كبير، حسبما أشارت العديد من التقارير. لهذا يتم أخذ الحسابات المزيفة الساخرة حتى على محمل الجد.

على سبيل المثال، من الحسابات المزيفة تحت اسم “أحمدي شريف، مكتب الجنسية السورية”، حيث تتم مشاركة منشورات تغذي الآراء المعادية للسوريين في تركيا.

ويزعم هذا الحساب أن السوريين في تركيا أقاموا مظاهرة للاحتجاج على السلوك المعادي للدين الذي يتخذه الأتراك، أو أن السوريين يتم قبولهم في الجامعات دون الخضوع لامتحانات، وتتم مشاركة هذه المنشورات على نطاق واسع، فيما أكدت teyit.org أن الحساب نفسه يقوم بنشر الأخبار الكاذبة.

ولكن فقط من هم على معرفة بالقضية السورية، قد يلاحظون أن أحمدي الشريف ليس شخصاً حقيقياً في الواقع، صورته هي صورة رامي عبد الرحمن مؤسس المرصد السوري لحقوق الإنسان الواقع في المملكة المتحدة، والذي يعتبر مراراً مصدراً لوسائل الإعلام العالمية.

وادعت مادة إخبارية مزيفة، أن التهم المقدمة وفقاً لقانون جديد تم إصداره من قبل وزارة الداخلية، سيؤدي لحصول الأشخاص الذين يشاركون الأخبار أو مقاطع الفيديو أو الصور الزائفة المتعلقة بالسوريين لعقوبة بالسجن تصل لثلاث أعوام.

وقال تقرير “ميدل إيست آي” إنه في الواقع، نادراً ما يكون هناك أي قانون ثابت لمعالجة نشر الأخبار الزائفة في تركيا، حتى تلك المتعلقة بجرائم الكراهية.

وأوضحت تشافوش أنه عوضاً عن السعي لعقاب من يرتكب ذلك، تهتم المنظمة أكثر بتحويل الجميع إلى باحثين عن الحقيقة، وأضافت أن teyit.org عضو في شبكة تحري الحقيقة الدولية وإحدى شركاء “فيسبوك” في حربه ضد التضليل والأخبار الزائفة.

وتضم تحليلات teyit.org مواد تشاركها على منصتها وتحذيرات تضم معلومات زائفة أو مضللة، وبناءً على تحليلات المنظمة، يقوم الفيسبوك بحجب أو إغلاق الصفحات العامة أو الشخصية التي تشارك المعلومات المزيفة أو المضللة.

ويؤكد كل من أونفر وتشافوش أنه لا يوجد أي بحث مكرس لتحديد من الذي يشارك هذه المنشورات المعادية للسوريين، وللتحقق من إن كانت جزءاً من هجمة منظمة. لكن على ما يبدو أصبحت مناقشة أمر اللاجئين السوريين جزءاً لا يمكن التخلي عنه من سياسات تركيا المحلية.

وفيما يتعلق بقصة الرجل الذي صعد على التمثال في أديامان، قام عضو البرلمان الذي ساعدت تغريدته على نشر القصة، ياركاداش، بنشر تغريدة ثانية بعد ساعتين قائلاً أن تغريدته السابقة كانت مرتكزة على “معلومات سابقة”.

وأضاف أن الرجل في الواقع هو “أحمد ب”، مدمن للمخدارت بعمر 30. ولكنه لم يعتذر عن مشاركة المعلومات الزائفة، مصرحاً فقط: “آمل أن ينتهي هذا الهراء”.

المصدر: السورية نت

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.