العربية السعودية.. الصعود إلى الهاوية؟!

14 أغسطس 2018آخر تحديث :
ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان بن عبدالعزيز»
ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان بن عبدالعزيز»

محمود النجار / تركيا بالعربي

لم يكن غضب العربية السعودية من تصريحات وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، واتهامها بالتدخل في شؤون البلاد الداخلية غضبة سعودية مفاجئة، بقدر ما كانت إشارة من ترامب نفسه الذي بدأ حربا تجارية على عدد من دول العالم كالصين وكندا وتركيا وروسيا وإيران والاتحاد الأوروبي من خلال عقوبات اقتصادية أوضرائب جمركية مبالغ فيها، أو من خلال إضعاف الميزان التجاري والتآمر على العملة كما حدث في تركيا، وكانت كندا إحدى الدول التي رفضت الإجراءات الجمركية الأمريكية في صورة تحدٍّ بين ترامب ورئيس الوزراء الكندي الشاب جاستن بيير جيمس الذي أغضب ترامب، ووقف منه موقفا سياديا شجاعا.

ويلاحظ المراقبون بأن ترامب واضح في عدائه، وأن الأيدلوجيا والعنصرية والكبرياء الجوفاء، هي التي تدفعه لممارسة دور القرصان، ويُلاحظ أن محمد بن سلمان يحاول أن يتقمص دور ترامب العربي الصغير أو ابن ترامب المدلل، كيف لا وهو الذي منح الاقتصاد الأمريكي نحو 500 مليار دولار، وشارك بشكل أو بآخر في مؤامرة فوز ترامب في الانتخابات الرائاسية، وهو في طريقه لإقامة علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني، ويتآمر معه ضد القضية الفلسطينية، ويشارك في تنفيذ صفقة القرن بإخلاص شديد..

لم يكن لمحمد بن سلمان والحكومة السعودية أن يأخذوا هذا الموقف العدائي القوي ضد كندا، لولا الإشارة الخضراء التي تلقوها من ترامب، وهذا ما لا يختلف عليه أي مطلع على السياسة الخارجية الأمريكية في ظل ترامب. فترامب ينتقم من حليف الولايات المتحدة الاستراتيجي كندا في ظل رئاسة جاستن بيير، بعد معارضته للإجراءات الأمريكية الاقتصادية تجاه بلاده ووقوفه في وجه ترامب بحزم وشجاعة، وهو ما أزعج الأخير الذي يرى نفسه إلهاً، وعلى الجميع ألا يشقوا عصا طاعته، وهو في ذلك يتكئ على غرور القوة المادية، بعيدا عن مجرد التفكير بالقوة الأخلاقية والإنسانية التي ظلت أمريكا تتغنى بها طوال الوقت، وإن كذبا وزورا.

الكاتب محمود النجار

لم تكن التغريدة الخاصة بوزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند الأولى من نوعها، فقد تعرضت السعودية لانتقادات لاذعة كثيرة من قبل من ألمانيا على سبيل المثال، حين نددت بحقوق الإنسان في السعودية وطالبت بالإفراج عن الناشط في مجال حقوق الإنسان رائف بدوي. وأوقفت العمل باتفاقية إنشاء مصنع للسلاح في السعودية بتقنيات ألمانية.. وكذلك انتقدت معظم دول الاتحاد الأوروبي ملف حقوق الإنسان، ولكن الفارق الوحيد أن التغريدة الكندية جاءت باللغة العربية وبصيغة الأمر والإملاء المباشر؛ وهو ما جعل محمد بن سلمان وأركان حكومته يعتقدون بأنها تغريدة غير بريئة وتحريضية، وقد وجد ترامب الفرصة سانحة لدفع السعودية لممارسة غضبها بالطريقة القبلية وعلى غرار أسلوب الإعلام المصري في مهاجمة الخصوم، وهو ما يؤكد نوعا من الفشل الدبلوماسي السعودي الذي ذهب إلى أبعد من ذلك حين اتهم كندا بأسوأ ملف لحقوق المرأة بشكل خاص والإنسان بشكل عام؛ فقد نشر موقع القناة العربية التابع للعربية السعودية تقريرا إخباريا تناول أوضاع من سمتهم “معتقلي الرأي في كندا”، وذكرت فيه أن السجون الكندية مكتظة بالمعارضين السياسيين، ويتعرض النزلاء فيها للضرب المبرح من قبل السجانين. كما أفاد التقرير أن كندا هي أسوأ مضطهدة للنساء في العالم!!

وقد بلغ الأمر بالعربية السعودية بزعامة ابن سلمان أن تمارس ما يشبه ممارسات ترامب نفسه في عداء المحيط الغربي والشرق أوسطي العربي (فلسطين، قطر) وغير العربي (إيران وتركيا)، وإن كان عداؤها لقطر يتم بشكل خفي، أقله أن ترامب لم يحاول حل المشكلة، مع أنه قادر على حلها بتدخل قوامه جملة واحدة يقولها بحزم لابن سلمان وابن زايد: “اوقفوا حصار قطر”، مع أن المطلع الحصيف يدرك بدون كبير ذكاء أن ترامب والمحمدين بينهما أسرار تبدو خفية تتعلق بفوز الأول في الانتخابات من خلال شبكة مصرفية استخبارية تآمرية شاركت فيها كل من السعودية والإمارات وروسيا وبعض الشخصيات العربية والأجنبية ضمنت لترامب الوصول إلى البيت الأبيض، وهو ما يجعل ترامب يبدو متهاونا في التعاطي مع أولئك الذين أسهموا في إيصاله إلى البيت الأبيض، لكنه قادر أيضا على إلزامهم بما يريد لو توفرت له المشيئة، فهو في النهاية لا يمثل نفسه بل يمثل الولايات المتحدة، وإن كانت سياساته الفاشلة تسيء حاليا لبلده وتضعها في مصاف الدول الفاشية، فترامب يعيد أمريكا إلى الوراء عشرات السنين ويتعامل مع القضايا الكبرى للأمم بغطرسة تشبه غطرسة هتلر وألمانيا النازية.

السعودية والإمارات اليوم تلعبان في اليمن لعبة قذرة ولكل منهما أجندته الخاصة، ويضغطان على الأردن لإعلان موقف حاد من قطر، ويجران خلفهما مصر والبحرين، ويتعاملان مع مصر بكثير من الاستخفاف والإهانة، ويكفي أن نلاحظ الحركات الصبيانية لأحد مستشاري ابن سلمان (تركي آل الشيخ) وهو يذل المصريين ويتلاعب بهم من خلال المال، ولا أحد قادر على ردعه، فهو يهاجم المصريين في عقر دارهم، بما لا يجرؤ عليه أي وزير في مصر نفسها.. كما تقوم السعودية بمحاولة إخضاع السودان، والمغرب وتونس لإرادتها في الملف القطري، ومعها في ذلك الإمارات التي تم صفعها بقوة من قبل الصومال وجيبوتي في ملفات الموانئ والتدريب العسكري، وقد أشيع أخيرا أن أشخاصا إمارتيين يشترون أراضي العرب في القدس ويبيعونها للصهاينة، ولا أستغرب حدوث هذا الشيء، فمن الواضح أن الإمارات تسابق الزمن في إثبات صهيونيتها أمام العالم بفخر واعتزاز غريبين ودون أدنى رادع من قيم العروبة أو الدين.. ناهيك عن العداء لعمان والكويت ولبنان والمؤامرات التي تحاك ضد هذه الدول.

وعودا على بدء فإن الاتفاق السعودي الأمريكي الصهيوني الإماراتي على عداء إيران يلعب دورا في التفاهم بين أعضاء هذه المنظومة المؤقتة التي سرعان ما ستنهار حين يخرج ترامب من البيت الأبيض في انتخابات 2020 التي تقول استطلاعات الرأي بأنه لن يفوز فيها. وبسبب هذا الحلف وطمع الكيان الصهيوني في علاقات طبيعية مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات؛ يقف الكيان الصهيوني باستمرار في صف العربية السعودية لتعزيز مكانتها في الغرب وخصوصا في الولايات المتحدة، وهو ما يجعل السعودية تتحرك في مساحة من الحرية كبيرة نسبيا، فهي مدعومة من الكيان الصهيوني الذي يحلم بالتقارب العلني والواضح والصريح معها، وليس من بدع القول أن هذا يتم بشكل متسارع سرعة كرة الثلج.

لقد كانت كندا وبريطانيا وأستراليا الحلفاء التقليديين الدائمين للولايات المتحدة، أكثر من غيرها من الدول، ومن المستغرب أن تصل العلاقات بين الولايات المتحدة وكندا إلى هذه المرحلة الخطيرة التي دفعت ترامب إلى تأييد إجراءات السعودية ضد كندا، وإن لم يكن هذا التأييد بألفاظ مباشرة.. وكما سبق وأشرنا، فإن الموقف الشجاع لرئيس الوزراء الكندي في وجه ترامب كان وراء هذا التأييد المستهجن في الثقافة الجيوسياسية الغربية، وهو مؤشر على التفتت وتفكك التحالفات الذي تمر به المنظومة الدولية بعد وصول ترامب للبيت الأبيض.

وأخيرا، علينا أن نسأل: ماذا بعد 2020 لو خسر ترامب الانتخابات الرئاسية؟! وهل ستعود التحالفات القديمة كما كانت؟ وما أثر ذلك على العربية السعودية؟ هل ستصل إلى مرحلة من الضياع وفقدان البوصلة؟ وهل ستستطيع ترميم علاقاتها العربية والدولية من جديد؟ وهل ستكون مضطرة إلى الاعتذار بشكل مباشر أو ضمنيا من كثيرين بعد رفع الغطاء عنها؟! سنترك لتقلبات السياسة لتنبئنا بما سيكون عليه الحال غدا..

محمود النجار / رئيس منظمة شعراء بلا حدود

تنويه: مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي تركيا بالعربي وإنما عن رأي كاتبها

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.