مع بدء تطبيق نظام الحكم الرئاسي في البلاد، أصبح رئيس الوزراء الحالي بن علي يلدريم، الذي شكّل الحكومة التركية الـ65، آخر من يتولى منصب رئاسة الوزراء في تاريخ تركيا الحديث.
وأُلغي منصب رئاسة الوزراء في تركيا، تزامنًا مع الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي شهدتها البلاد يوم 24 يونيو/حزيران الماضي.
آخر رئيس وزراء تركي ولد في قرية “قايي” التابعة لمنطقة رفاهية بولاية أرزينجان، شمال شرقي البلاد، يوم 20 ديسمبر/كانون أول 1955، من أب يحمل اسم دورسون، وأم تحمل اسم بهار.
وتولّى يلدريم منصب وزير المواصلات والاتصالات والملاحة البحرية، لأكثر من 11 عامًا، وعُرف بـ”مهندس المشاريع العملاقة” و”مهندس الطرق” بفضل الإنجازات اللافتة التي حققها.
وشهدت تركيا، خلال فترة توليه وزارة المواصلات والاتصالات والملاحة البحرية، إنشاء 6 مشاريع من أصل 10 تعتبر الأضخم في العالم.
وقام يلدريم، بتفعيل العديد من المشاريع العملاقة، مثل مطار إسطنبول الثالث، وجسر السلطان ياووز سليم، وجسر عثمان غازي، ونفق أوراسيا، وميترو مرمراي، وأوتوستراد إسطنبول – إزمير.
وقد اشتهر بعبارات خاصة أهمها “لا يوجد ملوك للطرق بل قواعد”، و”نحن نقسم الطرقات ونوحد تركيا”، وكما عُرف عنه روح الدعابة والشخصية الوديّة، إلى جانب الهدوء والاتزان والصرامة في قضايا تمس مصالح البلاد.
وعمل يلدريم مستشارًا لرئيس الجمهورية لفترة قصيرة من الزمن، كما شغل منصب الرئيس الثالث لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم لمدة عام واحد.
*يلدريم اتخذ موقفًا واضحًا وصارمًا ضد محاولة الانقلاب
أثناء المحاولة الانقلابية الفاشلة التي نفذها تنظيم “فتح الله غولن” الإرهابي في 15 يوليو/ تموز 2016، اتخذ يلدريم موقفًا واضحًا وصارمًا ضد محاولة الانقلاب منذ اللحظة الأولى، وفي هذا الإطار ناضل من أجل قيم الديمقراطية وإعلاء إرادة الأمة.
وليلة المحاولة الانقلابية، أدلى يلدريم بأولى التصريحات التي هدّأت من روع المواطنين خلال تلك اللحظات العصيبة وجعلته ضمن الأهداف الأولى للانقلابيين، فقال: “أولئك الذين يقومون بهذه المحاولة سيدفعون ثمنًا باهظًا”.
وأضاف: “لقد تغلبت قوة الشعب على قوة الدبابات”، كما رد على قائد القاعدة الجوية في “أسكي شهير” عندما طالبه بأمر مكتوب لقصف الأهداف الانقلابية قائلًا: “يا أخي، إن صوتي هو أمر مكتوب.. قم بتسجيله واقصف”.
كما تبنى يلدريم مبدأ “الهجوم طريقة التعامل المثلى مع المنظمات الإرهابية”.
وشهدت تركيا في عهده إجراء استفتاء 16 أبريل/نيسان 2017 على النظام الرئاسي والتعديل الدستوري، وأجرت البلاد أكبر عملية عسكرية عابرة للحدود في تاريخ الجمهورية، وهي عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” ضد المنظمات الإرهابية، شمالي سوريا.
**العمل المكثف داخلياً وخارجياً
منذ 1 يناير/ كانون الثاني 2017، عمل يلدريم بشكل مكثف في الداخل والخارج.
وفي الوقت الذي أشرف فيه خلال العامين الماضيين على الاستفتاء والمؤتمرات الاعتيادية (الدورية) والاستثنائية لحزب العدالة والتنمية في 81 ولاية، وانتخابات 24 يونيو/ حزيران الماضي، أجرى يلدريم أيضًا العديد من الزيارات الخارجية.
كما استضاف يلدريم في تركيا، رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ونظرائه من بلغاريا، وباكستان، وأوكرانيا، والأردن، والنيجر، ولبنان، ومقدونيا، وجمهورية شمال قبرص التركية، وحوالي 15 بلدًا.
وفي هذا العام، زار رئيس الوزراء التركي كلًا من أذربيجان وبيلاروسيا والبوسنة والهرسك ومنغوليا وأفغانستان وألمانيا وإسبانيا، وأجرى لقاءات مع نظرائه، كما التقى شخصيات رائدة في عالم الاقتصاد والسياسة.
ورغم قصر فترة يلدريم في رئاسة الوزراء، والتي امتدت لنحو عامين، إلا أنها “ستبقى في الذاكرة كواحدة من الفترات الأكثر أهمية في تاريخ الجمهورية”.
*** من قرية “قايي” إلى رئاسة الوزراء
ولد يلدريم في قرية “قايي” التابعة لمنطقة رفاهية بولاية أرزينجان شمال شرقي البلاد، يوم 20 ديسمبر/كانون أول عام 1955، من أب يحمل اسم دورسون، وأم تحمل اسم “بهار”.
وحينما كان في 16 من عمره، فقد يلدرم والدته البالغ عمرها آنذاك (38 عاما). وكان يستمتع بالتنزه في البساتين والنظر إلى الطائرات التي تعبر من المساء ويتساءل “هل بإمكاني أن أركب الطائرة يوما ما؟”.
وانتقل يلدريم إلى مدينة إسطنبول في مرحلة الطفولة، وأنهى المرحلة الإعدادية من دراسته في مدرسة “بيري ريس”، عام 1970، فيما أتمّ المرحلة الثانوية في ثانوية “قاسم باشا” عام 1973.
وكانت أسرة يلدريم ترغب بتدريسه الطب بينما كان يرغب في دراسة الهندسة الميكانيكية، غير أن امتلاء المقاعد في كلية الهندسة بجامعة إسطنبول التقنية جعله يقدم على التسجيل بكلية العلوم البحرية وبناء السفن في الجامعة نفسها.
وعقب التخرج، درس يلدريم الماجستير في القسم ذاته، وحصل على تدريب تخصصي في مجال سلامة الأرواح والأموال في البحر، بالجامعة البحرية العالمية التابعة للمنظمة البحرية الدولية في السويد.
وتزوج يلدريم من المعلمة “سميحة”، عام 1975، ولديه 3 أولاد (بولنت، أرقم، بشرى)، وأدّى الخدمة العسكرية عامي 1980و1981.
وتولى عدة مناصب إدارية في المديرية العامة لصناعة السفن بين عامي 1978-1993، وتعرف على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال عمله في هذه المؤسسة.
وعمل مديرًا عامًا لشركة إسطنبول للعبّارات في الفترة ما بين 1994-2000 عندما كان أردوغان رئيسًا لبلدية إسطنبول.
وأصبح يلدريم نائبا عن حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2002، ثم عُيّن وزيرا للمواصلات والاتصالات والنقل البحري.
وشغل منصب الوزارة المذكورة (11 عاما)، ليكون بذلك الشخص الذي شغل المنصب المذكور لأطول مدة في تاريخ الجمهورية التركية.
وفي انتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015، لم يتمكن حزب “العدالة والتنمية” من تحقيق الأغلبية البرلمانية التي تخوّله تشكيل الحكومة بمفرده.
ولم تتكلّل مساعيه في تشكيل حكومة ائتلافية بالنجاح، لذا توجه الناخبون في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته، إلى صناديق الاقتراع لإعادة الانتخابات البرلمانية، وفاز حينها بـ317 مقعداً برلمانياً، وشكّل الحكومة بمفرده.
ويتضمّن النظام الداخلي للعدالة والتنمية مادة تفيد بإمكانية ترشح الشخص الواحد للانتخابات البرلمانية 3 مرات فقط على التوالي، وبناء على هذه المادة، لم يتمكن يلدريم من دخول البرلمان في انتخابات 7 يونيو 2015، لكنه استطاع في انتخابات الأول من نوفمبر حجز مقعد برلماني.
يلدريم وبعد أن فاز “العدالة والتنمية” بالأغلبية البرلمانية، عبّر عن فرحته بنشر مقطع فيديو في حسابه على موقع “تويتر”، وحظي المقطع المصور باهتمام شريحة كبيرة من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي.
وعقب انتخابات الأول من نوفمبر 2015، تولّى بن علي يلدريم مجدداً حقيبة وزارة المواصلات والاتصالات والنقل البحري، في الحكومة التركية الرابعة والستين.
وفي المؤتمر الاستثنائي الثاني لـ”العدالة والتنمية” الذي جرى في 22 مايو/ أيار 2016، تمّ اختيار يلدريم رئيسا للحزب، ليصبح الرئيس الثالث للحزب.
واستمر في رئاسة الحزب لمدة عام، ليوكل هذه المهمة مجددا إلى الرئيس أردوغان في المؤتمر الاستثنائي الثالث لـ”العدالة والتنمية” يوم 21 مايو 2017.
وتلقى يلدريم في 22 مايو 2016، تكليفا من أردوغان، بتشكيل الحكومة الـ65 للبلاد، وبعد يومين أعلن يلدريم عن تشكيلته الوزارية.
وتولى يلدريم منصب رئاسة الوزراء في تركيا لمدة عامين، وبذلك سجل اسمه في تاريخ البلاد، كآخر رئيس وزراء في تركيا.
*** قليل الكلام كثير الفعل
كانت تركيا تعاني العديد من المشاكل في مجال الاتصالات والمواصلات، وفي عهد يلدريم تمكنت من القضاء عليها، عبر إنجاز خط “ميترو مرمراي” الذي يربط قطبي مدينة إسطنبول من تحت البحر، وتم بناء جسري “ياووز سليم” و”عثمان غازي”، والمطار الثالث في إسطنبول، ونفق أوراسيا، إلى جانب العديد من المشاريع المتعلقة بالنقل.
ووصف يلدريم نفسه بمقولته الشهيرة: “إنني قليل الكلام وكثير الفعل كإسم عائلتي الذي يعني البرق”.
المصدر:الاناضول