“حافظوا على مصر.. أوعى الثورة تتسرق منكم بأي حجة والحجج كتير”.. كانت تلك آخر كلمات توجه بها محمد مرسي -أول رئيس مدني منتخب بمصر- لشعبه في بداية الانقلاب العسكري الذي أطاح به قبل خمسة أعوام، ليتم بعدها إخفاؤه ثم اعتقاله والشروع في محاكمته في قضايا مختلفة.
خلال هذه الأعوام الخمسة تعرض مرسي لانتهاكات وضغوطات حسب أسرته وحقوقيين، ورفعت ضده ست قضايا صدرت أحكام نهائية في ثلاث منها، بينما لا تزال إجراءات التقاضي مستمرة في الثلاث الأخرى.
فقد صادقت المحكمة العليا على إدراجه على قائمة الإرهاب لثلاث سنوات، وحكم عليه نهائيا بالسجن عشرين عاما بتهمة التخابر مع قطر.
كما حكم عليه بالسجن عشرين عاما في أحداث قصر الاتحادية، بينما لا تزال قضايا “إهانة القضاء” و”اقتحام السجون” و”التخابر مع حماس” منظورة أمام المحاكم.
وحسب أسرته وحقوقيين، فإن مرسي الذي لا يعرف بشكل دقيق مكان احتجازه، لا يزال يتعرض لضغوط رغم مرور خمسة أعوام على الانقلاب عليه لإجباره على “إعلان الاعتراف بشرعية النظام القائم”، و”التنازل عن شرعيته” المستمدة من انتخابات نزيهة لم تر مصر مثلها على مدار تاريخها، حسب تلك المصادر.
وفي حديث خاص للجزيرة نت، يؤكد عبد الله نجل الرئيس المصري المعزول محمد مرسي أن موقف والده ما زال ثابتا بالحفاظ على الشرعية المنبثقة من إرادة الشعب باعتباره الرئيس المنتخب، وعدم الاستسلام لإرادة قادة العسكر الذين يحاولون بين الفينة والأخرى إجباره على التنازل والخضوع لإملاءاتهم.
ويرى البعض في ثباته -رغم ما يتعرض له من انتهاكات- دليلا واضحا على أنه لا ينطلق في موقفه من مصلحة خاصة، وإنما يفعل ذلك احتراما لإرادة الشعب، وحبا لوطنه، وتمسكا بمبادئ ثورة يناير، وعدم الخضوع لإملاءات خارجية تسعى لتمرير الانقلاب العسكري بأي صورة.
محاولات مستمرة
ويؤكد نجل مرسي أن محاولات إخضاع والده وإجباره على الاعتراف بالانقلاب العسكري مستمرة، وبلغت حد عرض أحد الملوك الراحلين عليه ترتيب إقامة له ولعائلته خارج مصر، وهو الأمر الذي رفضه بشكل قاطع، لافتا إلى أن إصرار والده على رفض الانقلاب يعكس بالضرورة رفضه جميع إجراءاته المتخذة خلال هذه المرحلة.
ولا تكاد تتوفر معلومات واضحة عن أوضاع الرئيس وأحواله الصحية والمعيشية نتيجة “العزل التام” في محبسه ومحاكماته التي يكون خلالها في قفص زجاجي عازل للصوت، بينما يتوقع عبد الله أن يكون مكان الاحتجاز في أحد ملاحق سجن طره حيث كان لقاؤه الثاني ببعض أفراد أسرته.
كما يؤكد أنه لم يتسن للأسرة لقاءه منذ اعتقاله إلا مرتين، الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 بسجن برج العرب، والثانية في يونيو/حزيران 2017 بملحق طره عقب اشتراط واضح من قبل الأمن بأنه “ليس مسموحا للرجال بالزيارة”، لافتا إلى أن الزيارتين حضرها ممثلون للأمن ولم تتجاوز كل منهما نصف ساعة.
كما يشير إلى أن والده محروم من التفاعل مع المستجدات الاجتماعية المهمة التي حدثت خلال الأعوام الخمسة الماضية، ومنها أنه رزق بثلاثة من الأحفاد لم ير أيا منهم، وربما ليس لديه علم ببعضهم. كما لم يسمح له بأخذ العزاء في حماته التي هي بمثابة والدته الثانية، ولا يُعلم هل وصله نبأ وفاتها أم لا.
ويتساءل عبد الله عن موقف “الشرفاء والوطنيين” في الجيش المصري وكذلك القوى السياسية والحقوقية مما يتعرض له الرئيس على يد قادة الانقلاب، وما يتعرض له الوطن من “بيع للأرض وهتك للأعراض واعتقال وتصفية للعشرات خارج إطار القانون، وما يعانيه الشعب من أزمات اقتصادية وتدهور للحياة المعيشية”.
إغراء وترهيب
بدوره يقول المستشار أحمد سليمان وزير العدل المصري في عهد مرسي إن الأخير تعرض لمغريات وضغوط مقابل إعلانه التنحي، لكنه “رفض التفريط فى حاضر مصر ومستقبلها لمن يخطّط للقضاء عليها وإذلال شعبها”.
وأشار سليمان في حديثه للجزيرة نت إلى أن الأمر بدأ منذ اختطافه واعتقاله ثم استعانتهم بمسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي حينها كاثرين آشتون لإقناع الرئيس بالتسليم بالواقع والإقرار بالانقلاب، وبعدها بدؤوا مرحلة تلفيق القضايا وتشكيل دوائر مخصوصة من قضاة كثير منهم له ملفات فساد وانحراف لمحاكمته.
وعدد وزير العدل الأسبق بعض الانتهاكات التي يتعرض لها مرسي خلال هذه الفترة، ومنها الحيلولة دون التقائه بمحاميه، ومحاكمته خلف أقفاص زجاجية عازلة للصوت، ومنع أسرته من زيارته خلافا لكل القوانين المحلية والمواثيق الدولية، وتلفيق قضايا لعدد من أبنائه، وتعمد إهمال رعايته الصحية ورفض علاجه على نفقته الخاصة خارج السجن.
أما مسؤول الملف المصري بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مصطفى عزب، فيقول إن مرسي ربما يكون المعتقل الوحيد الذي حرم خلال خمس سنوات من التواصل مع أسرته بشكل كامل حيث لم تتواصل أسرته معه مباشرة إلا مرتين فقط، مؤكدا أنه يتعرض لمعاملة قاسية في محبسه.
ويشير عزب في حديثه للجزيرة نت إلى أن مرسي من أوائل المعتقلين السياسيين وهو في عداد المختفين قسريا منذ الانقلاب، حيث تم احتجازه في مكان مجهول ولا يعلم مكانه بدقة حتى الآن، بينما حقوقه في محاكمة عادلة مهدرة حيث يحاكم أمام محاكم استثنائية (دوائر الإرهاب) يترأسها قضاة منتقون بعناية لإدانته.
ورغم إدانة المقرر الخاص المعني بالاعتقال التعسفي السلطات المصرية في ما يتعلق باحتجاز مرسي تعسفيا، فإن عزب يرى أن كل الإدانات في هذا الإطار لم تتجاوز مساحة التعليقات الدبلوماسية دون ضغط حقيقي يدفع النظام المصري لوقف الانتهاكات بحق مرسي وأسرته.
المصدر: السبيل