يتمتع الرئيس رجب طيب أردوغان بشعبية واسعة جداً في العالم العربي من المحيط إلى الخليج، تتجاوز حتى الشعبية التي يتمتع بها داخل تركيا نفسها. فالعرب ينظرون إلى أردوغان على أنه زعيم للأمة وليس رئيسا لتركيا، بينما يغرق الكثيرون في الجدل والسؤال عن السبب وراء هذه الشعبية الواسعة التي يحظى بها وسط جمهور عربي لا يفهم اللغة التركية، ولم تصل اليه أصوات وسائل الإعلام التركية لتؤثر في رأيه وموقفه.
يتداول العرب قصصاً وأخباراً عن أردوغان أشبه بالروايات عن عمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز، ورغم أن الكثير مما يتداوله الناس عنه ليس سوى محض خيال أو أمنيات، لكنَّ مرد ذلك هو أن له قبولا لم يسبق أن تمتع به أي زعيم عربي أو إسلامي طوال العقود الماضية، بل تحلو للبعض الإشارة له على أنه «الخليفة العثماني» أو أنه خليفة السلطان عبد الحميد الثاني، الذي حكم الدولة العثمانية لأكثر من ثلاثة عقود بدءاً من 31 أغسطس 1876، ووافته المنية في 10 فبراير 1918.
والربط الذهني الموجود في عقول الكثير من العرب بين أردوغان والسلطان عبد الحميد الثاني له أصوله التاريخية بطبيعة الحال، إذ يشير الكثير من المؤرخين إلى أن السياسة التي كان ينتهجها السلطان عبد الحميد ويؤمن بها، تقوم على ضرورة تقوية الروابط بين المسلمين، وهي ذاتها التي يؤمن بها أردوغان اليوم، حيث كان عبد الحميد الثاني يقول: «يجب تقوية روابطنا مع بقية المسلمين في كل مكان، يجب أن نقترب من بعضنا بعضا أكثر وأكثر، فلا أمل في المستقبل إلا بهذه الوحدة»، وهي الفكرة ذاتها التي يؤمن بها أردوغان اليوم ويعمل لها. أما الإجابة على سؤال: لماذا يحب العرب أردوغان فيمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً: منذ وصول أردوغان وحزبه إلى السلطة عام 2002 واقتصاد البلاد في صعود صاروخي، فخلال الفترة من 2002 وحتى 2011 كان معدل النمو الاقتصادي في البلاد بالمتوسط 5.2%، وارتفعت هذه النسبة خلال السنوات الست الماضية لتصل إلى 6.7%، ما جعل تركيا تنضم إلى نادي «مجموعة العشرين»، أي أن 17 عاماً من حكم أردوغان جعل تركيا في المركز الـ17 على مستوى العالم من حيث حجم الاقتصاد، ما انعكس بطبيعة الحال على رفاه المواطنين وحياتهم اليومية.
ثانياً: استطاع أردوغان وحزبه لأول مرة في تاريخ تركيا، إنهاء حكم العسكر وسطوة الجنرالات، وهو ما قلص على الفور حجم الفساد في البلاد، بينما لا تزال تغرق العديد من الدول العربية في هذه الآفة، ولا يزال ضابط صغير في المخابرات أو الجيش قادرا على إلغاء قرار حكومي أو برلماني من أجل مصالحه الشخصية.
ثالثاً: أردوغان ابن عائلة فقيرة كانت تعيش في الأرياف، وانتقلت إلى اسطنبول بحثاً عن الرزق والعيش الكريم، وعندما كان طفلاً اضطر للعمل كبائع متجول في أزقة اسطنبول الفقيرة (باع البطيخ والكعك التركي المسمى «سميط») من أجل أن يتمكن من مساعدة والده وعائلته، ويتمكن من استكمال مشوار حياته بكرامة.. بينما لم يعرف العرب رئيساً – لا قبل الثورات ولا بعدها- إلا ونام على الحرير، وجعل من زبانيته وأصدقائه طبقة فاسدة تستقوي على الشعب.
رابعاً: أردوغان هو الذي فتح أبواب بلده أمام 3 ملايين و400 ألف لاجئ سوري هربوا من القصف، إضافة إلى عشرات الآلاف من المصريين والليبيين واليمنيين وغيرهم من العرب الذين ضاقت عليهم بلدانهم بما رحبت.
خامساً: يوجد في تركيا حالياً 72 ألف طالب أجنبي، أغلبهم من العرب، وأغلب هؤلاء العرب يدرسون على نفقة الحكومة التركية (منحة)، في الوقت الذي لا توفر الدول العربية لأبنائها الدراسة المجانية. وخلال العام الماضي وحده تقدم 83 ألف طالب عربي بطلبات للجامعات التركية من أجل الحصول على منح دراسية مجانية.. بينما لم نسمع أي دولة عربية انشغلت في استقطاب مثل هذا العدد من الطلبة لا على سبيل المنح ولا غيرها.
سادساً: أغلب مواطني الدول العربية يدخلون تركيا بدون قيود ولا تأشيرات، في الوقت الذي لا يستطيع أي مواطن عربي أن يتنقل من بلد عربي إلى آخر بدون الحاجة إلى تأشيرات والمرور بعوائق حدودية معقدة.
سابعاً: عندما قتلت اسرائيل مواطنين أتراكا في عرض البحر انقطعت العلاقات بين أنقرة وتل أبيب لخمس سنوات، بينما عندما قتلت اسرائيل مواطنين عرب داخل عاصمة عربية، وهم في عقر دارهم وقلب أرضهم، فإن العلاقات بين تلك العاصمة وتل أبيب «هدأت» لخمسة شهور وليس خمس سنين، ثم عادت إلى سالف عهدها!
ثامناً: في «ديمقراطية أردوغان» فان رجلاً مسجوناً ومتهماً بجرائم إرهاب وعُنف (صلاح الدين دمرطاش) دخل انتخابات الرئاسة ونافس من أجل الوصول إلى الحكم، بينما في عالمنا العربي يحدث العكس تماماً، إذ تتم الاطاحة بالرئيس واعتقاله وسجنه وإخفائه.. أي في تركيا يمكن أن يصبح السجين رئيساً، بينما في ديمقراطيات العرب فإن الرئيس يمكن أن يُصبح سجيناً ويُمكن أن يُلقى بكل صناديق الاقتراع في سلات المهملات وكأن شيئاً لم يكن.
لهذه الأسباب كلها يُحب العرب أردوغان، ويتدفق العرب على تركيا للعيش فيها، ولهذا يُتابع العرب وتابعوا انتخابات تركيا، كما لو أنها حدثت في أهم عواصم العرب، ليس فقط لأنهم يدركون بأنها الانتخابات الوحيدة النزيهة في المنطقة، وإنما أيضاً لأنهم يعتبرونها عاملاً مهماً في تحديد مصير المنطقة ذاتها.
محمد عايش / كاتب فلسطيني / القدس العربي