انتخب الأتراك الأحد بغالبية الأصوات رجب طيب أردوغان رئيسا للجمهورية بالاقتراع العام المباشر للمرة الأولى، في انتخابات وصفت بالحرة والنزيهة، حيث أقر المنافس الرئيسي محرم انجي بالهزيمة.
يوصف أردوغان أنه صاحب “كاريزما” خاصة وشخصية جدلية في آن معا، ويقول عنه كتاب أتراك أنه من أصحاب “الأيادي النظيفة” التي عملت على النهوض في تركيا بكل جهد وإخلاص على مدار 16 عاما متواصلة، ويوجد هؤلاء مقارنات عدة بين ما كانت عليه البلاد قبل عام 2000 وما وصلت إليه الآن من تطور لافت انعكس على كل مناحي الحياة.
ينحدر أردوغان (64 عاما) من مدينة ريزة على ساحل البحر الأسود، لأسرة فقيرة انتقلت إلى إسطنبول وهو في عمر 13 عاما، بحثا عن فرصة أفضل للعائلة الكبيرة المكونة من 5 أفراد.
سكنت العائلة حي قاسم باشا الفقير وسط مدينة إسطنبول، إذ فرضت ظروف العائلة على رجب طيب أردوغان العمل في بيع كعك إسطنبول المشهور (السميط)، غير أنه واصل تعليمه والتحق بمدارس “إمام خطيب” الدينية الشهيرة في تركيا، وتخرج منها بتفوق أهله للالتحاق بجامعة مرمره في إسطنبول لينال منها الشهادة الجامعية الأولى في الإدارة والاقتصاد.
تعرف أردوغان خلال دراسته بالجامعة إلى الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان الذي يعد أول رئيس حكومة إسلامي في تركيا، وأسقط في انقلاب عسكري عام 1997.
وبدأ أردوغان اهتمامه السياسي منذ أن تزعم قيادته الجناح الشبابي المحلي لحزب “السلامة أو الخلاص الوطني ” الذي أسسه نجم الدين أربكان، ثم أغلق الحزب وكل الأحزاب في تركيا عام 1980 جراء انقلاب عسكري.
انضم أردوغان إلى حزب الرفاه عام 1984 كرئيس لفرع الحزب الجديد ببلدة “بايوغلو”، وهي أحدى البلدات الفقيرة في الجزء الأوربي في إسطنبول، وأصبح خلال فترة وجيزة رئيس فرع الحزب في إسطنبول عام 1985، ثم عضوا في لجنته المركزية.
تولى أردوغان رئاسة بلدية إسطنبول عام 1994، حيث انتشل البلدية من ديونها التي بلغت ملياري دولار إلى أرباح، وجلب لها استثمارات مكنته من سداد جميع ديونها، وأحدث تنمية بلغت نحو 7%، الأمر الذي قربه من الناس، لا سيما الطبقة الكادحة من العمال الذين رفع أجورهم وأعطاهم حقوقهم في الرعاية الصحية والاجتماعية.
لكن إنجازات أردوغان لم تشفع له في الدولة التي لازالت علمانية الهوي؛ ففي عام 1998 دخل أردوغان السجن وحكم عليه بأربعة شهور بعد أن رفع المدعي العام ضده دعوى بزعم أنه أجج التفرقة الدينية في تركيا، على خلفية إلقائه شعرا دينيا للشاعر التركي الإسلامي ضياء كوكالب، قال فيها: “مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا.. والمصلون جنودنا.. هذا الجيش المقدس يحرس ديننا”.
وفي يوم سجنه توافدت الحشود إلى بيته المتواضع، من أجل توديعه وأداء صلاة الجمعة معه في مسجد الفاتح، وبعد الصلاة توجه إلى السجن برفقة 500 سيارة من أنصاره، وفي تلك الأثناء، وهو يهم بدخول السجن خطب خطبته الشهيرة التي حق لها أن تخلد.
التفت إلى الجماهير قائلا: “وداعاً أيها الأحباب، تهاني القلبية لأهالي اسطنبول وللشعب التركي وللعالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك، سأقضي وقتي خلال هذه الشهور في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة، والتي ستكون إن شاء الله أعواماً جميلة، سأعمل بجد داخل السجن وأنتم اعملوا خارج السجن كل ما تستطيعونه، ابذلوا جهودكم لتكونوا معماريين جيدين وأطباء جيدين وحقوقيين متميزين، أنا ذاهب لتأدية واجبي واذهبوا أنتم أيضاً لتأدوا واجبكم، أستودعكم الله وأرجو أن تسامحوني، وتدعوا لي بالصبر والثبات كما أرجو أن لا يصدر منكم أي احتجاج أمام مراكز الأحزاب الأخرى، وأن تمروا عليها بوقار وهدوء، وبدل أصوات الاحتجاج وصيحات الاستنكار المعبرة عن ألمكم، أظهروا رغبتكم في صناديق الاقتراع القادمة”.
أسس أردوغان بعد خروجه من السجن بأشهر قليلة حزب العدالة والتنمية بعد أن قامت المحكمة الدستورية عام 1999 بحل حزب الفضيلة الذي قام بديلا عن حزب الرفاه، وخاض الحزب الانتخابات التشريعية عام 2002 وفاز بـ 363 نائبا مشكلا بذلك أغلبية ساحقة.
لم يستطع أردوغان ترأس حكومته بسبب تبعات سجنه وقام بتلك المهمة صديقه عبد الله جول، ثم تمكن فيما بعد من تولي رئاسة الحكومة بعد إسقاط الحكم عنه.
ويرى البعض أن نجاح أردوغان كزعيم للبلاد يعود إلى نجاحه عندما كان محافظا لمدينة إسطنبول ورئيسا لبلديتها، إذ أعطته الفرصة لإثبات نفسه.
قبل تولي أردوغان الحكم، كانت السلطة الحقيقية تقع بيد الجيش التركي، والذي لعب دورا أساسيا بالسياسة التركية “لحمايته النظام العلماني” الذي قام مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى أتاتورك بتأسيسه.
لكن الرئيس التركي الحالي رفع بعض المحظورات التي فرضها النظام العلماني التركي، والمتعلقة بالتقاليد الإسلامية والخطاب الديني، فعلى سبيل المثال، سمح أردوغان للحجاب الإسلامي بالانتشار مجددا، وقام بتضمين مناهج الدين الإسلامي في المدارس.
حاز زعيم حزب العدالة والتنمية على تأييد الأطياف الأقل تدينا، فعلى الرغم من عدم اتفاقهم معه، إلا أنهم يرون أن سياساته أنعشت تركيا اقتصاديا.
وشهدت تركيا الأحد انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة تجاوزت نسبة المشاركة فيها 88%، بحسب نتائج أولية غير رسمية.
وأظهرت النتائج الأولية، حصول مرشح “تحالف الشعب” للرئاسة، رجب طيب أردوغان على 52.55 بالمئة من أصوات الناخبين، فيما حصل مرشح حزب الشعب الجمهوري، محرم إنجة على 30.67 بالمئة من الأصوات.
وفي انتخابات البرلمان، حصد تحالف الشعب الذي يضم حزبي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” 53.62 بالمئة من الأصوات (343 من أصل 600 مقعد) ، فيما حصل تحالف الأمة الذي يضم أحزاب “الشعب الجمهوري” و”إيي” و”السعادة” على 34.04 بالمئة من الأصوات (190 مقعدا)، وحزب الشعوب الديمقراطي على 11.62 بالمئة (67 معقدا برلمانيا).
وأقر مرشح حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية الاثنين بهزيمته في انتخابات الرئاسة التركية، التي أظهرت نتائجها الأولية مساء الأحد فوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان فيها.
وفي مؤتمر صحفي في أنقرة، دعا محرم إنجه الرئيس أردوغان إلى “أن يكون رئيسا لجميع الأتراك”، مؤكدا إقراره بصحة النتائج التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات.