في الأشهر الأولى من الثورة السورية في عام 2011، شهدت تركيا حركة لجوء واسعة امتدّت حتى أواخر عام 2015 حين فرضت الحكومة التركية تأشيرات دخول على السوريين ابتداءً من يناير/ كانون الثاني 2016.
يتصدّر طرد السوريين من تركيا بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقّعة في 24 يونيو/ حزيران الجاري، هواجس السوريين المقيمين بتركيا وفق قانون “الحماية المؤقتة” الذي لا يمنحهم أيا من ميزات اللجوء، لا الجنسية التركية ولا الضمان الاجتماعي ولا الضمان الصحي، مهما راكموا أعواماً خلال إقامتهم بالبلاد. يُذكر أنّهم بمعظمهم يعيشون في تركيا منذ عام 2012.
وزاد وعيد بعض الأحزاب المعارضة المخاوف، فقد مثّل “طرد السوريين” ورقة انتخابية بالنسبة إلى أطراف عدّة ترى في نحو أربعة ملايين سوري مقيم بتركيا، استنزافاً للموارد وسبباً لارتفاع نسبة البطالة، بل وزجاً لتركيا في مشكلات مع الجوار هي في غنى عنها.
واقع العمّال
العمّال السوريون شريحة مهمة من الذين لجأوا إلى تركيا. ويقول المستثمر السوري محمد نزار بيطار لـ”العربي الجديد” إنّ “العمال السوريين يتوزعون بتركيا على أكثر من مجال وقطاع، منهم من يعمل في منشآت تركية وآخرون في معامل ومصانع ومطاعم سورية. لكنّ وضع العمّال في المجمل تحسّن كثيراً بعد تخصيصهم بأذونات العمل، وبات معظمهم يحصل على الحدّ الأدنى من الأجور المنصوص عليها بتركيا”.
ويقدّر بيطار “عدد العمّال السوريين بتركيا، بمن فيهم الموسميون الذين يعملون في الزراعة، بأكثر من 600 ألف عامل”، لافتاً إلى أنّ “لكلّ مدينة أجورها الخاصة. ما يُقال عن إسطنبول لا ينسحب على بورصة”. ويرى أنّ “ما قيل ويُقال عن طرد السوريين، لا يتعدّى كونه ورقة انتخابية اعتمدتها الأحزاب المعارضة. وعلى الرغم من أنّها تراجعت خلال الفترة الأخيرة، فإنّها ربطت منذ البداية طرد السوريين بتحقيق الأمن والسلام في بلدهم. وحين يتحقق الأمن بسورية، لا أظنّ أنّ سوريين كثيرين سوف يبقون بتركيا. فخلال عيد الفطر قبل أيام، غادر أكثر من 200 ألف سوري تركيا لزيارة أهلهم”.
يؤكد بيطار أنّ “السوريين يعملون بتركيا وفق القانون، من دون تجاوزات لا سيّما العمل من دون تراخيص مثلما كانت الحال في البداية. فتركيا قدّمت تسهيلات كثيرة، والمعارضة التركية من جهتها ترحّب بالمستثمرين والمنتجين هنا. والسبب أنّنا حرّكنا الاقتصاد التركي، وللعام الرابع على التوالي يحتلّ السوريون المرتبة الأولى في الاستثمارات الخارجية”. ويشير بيطار إلى أنّه “وفق قرارات الأمم المتحدة وقوانين الحماية المؤقتة، لا يستطيع أحد طرد السوريين قبل تحقّق السلام ببلدهم”.
لكنّ رأي عمّال سوريين كثر في تركيا يتناقض مع رأي بيطار. ويقول بعضهم لـ”العربي الجديد” إنّ ثمّة “عدم قبول” بتشغيل السوريين وفق تحصيلهم العملي أو في مجالات تناسب تخصصاتهم، فضلاً عن الأجور المتدنية بالمقارنة مع الأتراك في حال وجدوا عملاً. وعبّر البعض كذلك عن تزايد المخاوف من الطرد، ويقول هنا العامل السوري محمد إبراهيم إنّ “هذا الموضوع هو حديث كل اثنَين من السوريين بتركيا اليوم”.
وإبراهيم الذي يعمل في شركة لتنقية المياه بحيّ أفجلار بإسطنبول، يخبر “العربي الجديد” أنّ “أجري مرتفع قياساً بالسوريين، وذلك ليس لأننّي أحمل شهادة جامعية وأجيد الإنكليزية وبعض التركية، بل لأنّني أعمل في الشركة ذاتها منذ مدّة ليست قصيرة. أنا اليوم أتقاضى 1800 ليرة تركية (نحو 380 دولاراً أميركياً) شهرياً ولا يُقتطع منها أيّ مبلغ من أجل الضمان والتأمين. فأنا بلا ضمان صحي واجتماعي وغير مسجل لدى وزارة العمل التركية”. ويلفت إبراهيم إلى أنّ مخاوف العمال السوريين تكمن في عدم وجود أيّ ضمانة لهم في عملهم، وهم بالتالي مهددون بترك العمل بأيّ لحظة. وعن المخاوف من نتائج الانتخابات بين العمّال السوريين، يتحدّث إبراهيم المقيم في سكن شبابي عن “عنصرية نلمسها تجاهنا كسوريين من بعض الأتراك”.
مخاوف الطلاب
يبلغ عدد الطلاب السوريين الجامعيين في تركيا نحو 15 ألف طالب، وفق تصريح سابق لرئيس مجلس التعليم العالي التركي يكتا صاراج، ومن بين هؤلاء نحو ثلاثة آلاف يحصلون على منح دراسية من الحكومة التركية سنوياً. وشرح صاراج أنّ عدد الطلاب المسجلين في مرحلة الماجستير يبلغ ألفاً و149 طالباً وفي مرحلة الدكتوراه 352 طالباً، مضيفاً أنّ أكثر الجامعات استقبالاً للطلاب السوريين هي في إسطنبول بواقع ألف و927 طالباً، وفي غازي عنتاب بواقع ألف و680 طالباً، ويتبعهما عدد من المدن الأخرى.
والمخاوف نفسها طاولت هذه الشريحة، بمن فيهم الحاصلون على الجنسية التركية. وهو ما تتحدّث عنه مفيدة دويدري (30 عاماً) وهي طالبة هندسة معمارية في جامعة قونيا، التي ترى أنّ “الانتخابات التركية المقبلة مصيرية بالنسبة إلى السوريين”. وتشير دويدري لـ”العربي الجديد” إلى أنّ “الطلاب هم من أكثر الشرائح السورية التي تحصل على الجنسية. لكنّ ذلك لم يحصّن السوريين في وجه بعض التمييز من قبل الطلاب الأتراك”. وتشرح أنّ “بعضاً من زملائي رفض الاستمرار معي في مشروع التخرّج المشترك بعد علمهم بأنّني سورية”، لافتة إلى أنّ الأمر “لا ينسحب على جميع الأتراك خصوصاً الأساتذة الجامعيين الذين لا يميّزون خلال التدريس والعلامات”.
وتتابع دويدري أنّ “المخاوف الأكبر، بعد الطرد طبعاً، هي بإيقاف المنح الدراسية التي يحصل عليها السوريون. والمنحة تعفي السوري من أقساط الجامعة وتمنحه سكناً جامعياً مجانياً ومخصصات شهرية قيمتها نحو 700 ليرة (نحو 150 دولاراً). كذلك، ثمّة قلق من عدم العثور على فرص عمل بعد التخرّج”.
أطفال لاجئون في هاتاي (جم غنجو/ الأناضول)
هاجس سحب الجنسية
تفيد مصادر تجمّع المحامين السوريين الأحرار “العربي الجديد” بأنّ عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية منذ عام 2012 وحتى اليوم يُقدّر بنحو 60 ألف سوري، في حين أنّ أكثر من 30 ألف سوري ما زالوا في مراحل الاختبارات والتحقيق الأمني. تضيف المصادر أنّ نسبة الحاصلين على الجنسية التركية لا تزيد عن 10 في المائة من عدد السوريين المقيمين بتركيا. ويتوزّع المجنّسون على قطاعات مختلفة، ومنهم الأطباء والمدرّسون ورجال الأعمال والمهندسون وأساتذة الجامعة والطلاب وبعض الحاصلين على إقامة عمل أو إذن مزاولة عمل.
وهؤلاء الحاصلون على الجنسية التركية، لم يسلموا من المخاوف المرتبطة بنتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، بحسب ما يشير المهندس بشار الشرع لـ”العربي الجديد”. ويخبر الشرع الحاصل على الجنسية التركية أنّه واجه أكثر من مشكلة مصرفية، وكان الجواب دائماً أنّ “النظام المصرفي الإلكتروني لا يقبل رقم هوية التركي المجنّس حديثاً”. لكنّ الشرع يؤكد أنّ “كلّ حقوق الأتراك حصلنا عليها تقريباً، من ضمان صحي واجتماعي وتأمين وجواز سفر، بالإضافة إلى حقّنا في الانتخاب بعد أيام”. ويتحدث الشرع عن مخاوف لدى كثيرين من سحب الجنسية في حال تغيّر النظام بعد الانتخابات، ويلفت إلى أنّ “هذا أمر مستحيل. لكنّنا لا نستبعد تغيّر المعاملة وتعرّضنا إلى مضايقات بهدف محاصرتنا وبالتالي تهجيرنا”. يضيف: “أنا اليوم أعمل في شركة تركية ولا يختلف تعامل الشركة معي عن تعاملها مع أيّ تركي آخر”.
من جهته، يؤكد المحامي السوري وليد الكردي لـ”العربي الجديد” أنّ “الجنسية حق مكتسب بقوة القانون، ولا يمكن سحبها إلا بموجبات قانونية كجرم الخيانة والإرهاب وما شابه”. لكنّ الكردي يقول إنّه “في الإمكان طرح موضوع سحب الجنسية من السوريين في البرلمان، وفي حال حصوله على أغلبية يُصار إلى تجميد الجنسية تمهيداً لسحبها. لكنّ ذلك لا يكون نهاية المطاف، إذ إنّه يحقّ للمتضررين اللجوء إلى القانون والاعتراض لأنّهم حاصلون على حقّ مكتسب”.
أرقام
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد السوريين اللاجئين إلى تركيا يتفاوت ما بين جهة وأخرى، خصوصاً على خلفية عدم تسجيل جميع من هم على الأراضي التركية. لكنّ وزارة الداخلية التركية ودائرة الهجرة التابعة لها أكدتا عبر إحصائية أخيرة، أنّ عدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية تجاوز ثلاثة ملايين و424 ألف لاجئ سوري.
وأوضحت الإحصائية أنّ اللاجئين السوريين بمعظمهم يعيشون في مدينة إسطنبول (537 ألفاً و829 سورياً)، تليها مدينة شانلي أورفة مع (462 ألفاً و961)، وولاية هاتاي (457 ألفاً)، ومدينة غازي عنتاب (350 ألفاً)، ومرسين (191 ألفاً)، وأضنة (171 ألفاً)، ثمّ بورصة وكلس وإزمير وقونيا بالتوالي. إلى ذلك، يقيم 330 ألفاً و744 لاجئاً في مخيّمات اللجوء التي أنشأتها تركيا على الحدود التركية السورية.