رسم الروس والأتراك خارطة طريق لمدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي تضمن عودة المدنيين المهجرين إليها بعد خروج قوات الأسد والميليشيات المساندة لها بشكل كامل، شرط عدم دخول فصائل “الجيش الحر” إليها وإيكال مهمة الأمن فيها لشرطة محلية من أبنائها.
وتشبه الخارطة الحالية ما توصلت إليه تركيا وأمريكا في مدينة منبج شرقي حلب، والتي اعتبرت حالة فريدة من نوعها في سوريا منذ بدء الصراع، فالبنود تؤكد على إدارة دولية مشتركة، بعيدًا عن القوى المحلية على الأرض والتي من شأنها أن تشكل عائقًا في تحقيق ما تم الاتفاق عليه.
وتحمل تل رفعت وما حولها رمزية لدى أهالي المنطقة، وتعتبر من أوائل المدن التي انتفضت ضد النظام السوري في الشمال، وكانت فصائل المعارضة قد خسرتها، مطلع عام 2016، لصالح “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تشكل “وحدات حماية الشعب” (الكردية) عمادها.
وعقب انتهاء عملية “غصن الزيتون”، التي أطلقتها تركيا في عفرين، بقيت المدينة وبعض القرى المحيطة بها تحت سيطرة “الوحدات” وقوات الأسد، وارتبطت بطبيعة التفاهمات بين الأتراك والروس في الشمال.
مجلس محلي بعيدًا عن العسكرة
في 13 من حزيران الحالي، اجتمع وجهاء تل رفعت مع مسؤولين أتراك في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي لتحديد مصير المدينة، وخرجوا بجملة من البنود تضمن عودة جميع المدنيين إليها.
بنود الاتفاق، التي حصلت عليها عنب بلدي، قضت بخروج قوات الأسد والميليشيات المساندة لها من المدينة، على أن يحل وجود تركي- روسي مشترك فيها.
وأكدت مخرجات الاجتماع على دخول أهالي تل رفعت فقط إلى المدينة بعيدًا عن الفصائل العسكرية، كما يمنع وجود السلاح في المدينة، ويُشكل مجلس محلي من شرطة محلية يتم انتقاؤها من شبان المدينة.
وقالت مصادر إعلامية حضرت الاجتماع، لعنب بلدي، إن وجهاء تل رفعت بدأوا بتسجيل أسماء الراغبين بالعودة كدفعة أولى، على أن يتم تحديد الأسماء المرفوض دخولها.
واعتبر رئيس المكتب السياسي في تل رفعت، بشير عليطو، أن اتفاق تل رفعت يختلف عن خارطة طريق منبج بالأطراف التي تولت المضي فيه، ويتوافق معها بعدم الوضوح حتى اليوم.
وقال عليطو لعنب بلدي، إن الضمانات التي طرحها الأتراك تتركز بخروج قوات الأسد بشكل كامل على أن يحل محلها جنود روس وقوات تركية، مشيرًا إلى مراحل تحددت لتنفيذ البنود أولاها الموافقة.
وكان النظام السوري تسلم ثماني مناطق في محيط تل رفعت وصولًا إلى نبل والزهراء، في آذار الماضي.
وشهدت الأيام الماضية تحركات عسكرية من قبل قوات الأسد في المدينة، ورافقها الحديث عن انسحاب أرتال من الفرقة الرابعة إلى نقاط متأخرة، كما أقدمت قوات الأسد و”قسد” على حرق منازل، الأسبوع الماضي، بشكل مفاجئ ودون وضوح الأسباب التي أدت إلى ذلك.
أولى المناطق “الثائرة” في الشمال
تتميز تل رفعت عن باقي مدن الريف الحلبي، فهي أولى الثائرات ضد نظام الأسد في الشمال السوري، ولا يزال أبناؤها يرددون اسمها القديم “أرفاد”، ويفتخرون بأنها كانت العاصمة الرئيسية لمملكة “بيت أغوشي” الآرامية في القرن التاسع قبل الميلاد، والتي ضمت مدينة حلب في تلك الحقبة.
ولا تبعد المدينة عن الحدود مع تركيا سوى 13 كيلومترًا، وكان قد أطلق عليها المسمى الحالي (تل رفعت) من قبل السلطنة العثمانية، إبّان دخولها سوريا مطلع القرن السادس عشر.
كانت أولى مظاهراتها في نيسان 2011 نصرة لمدينة درعا المحاصرة من قبل قوات الأسد في ذلك الوقت، واستمر أبناؤها بالتظاهر ضد النظام السوري، إلى أن سقط أول شهدائها في أيلول 2011، جراء حملة أمنية واسعة شنها النظام على المدينة.
تطوّر الحراك السلمي في المدينة، إلى أن اقتحمتها قوات الأسد للمرة الثانية في نيسان 2012، فأحرقت عددًا من منازلها ومحالها التجارية، وقتلت 14 شابًا من عائلة واحدة، وأحدثت في المدينة دمارًا وأضرارًا كبيرة.
شهدت تل رفعت دخول تنظيم “الدولة الإسلامية” إليها بين عامي 2013 و2014، والذي كان له نفوذ كبير في الشمال، إلى أن طرد منها في كانون الثاني 2014 بحملة عسكرية من فصائل “الجيش الحر” في المنطقة.
مطلع شباط 2016، شنت قوات الأسد هجومًا بريًا واسعًا، اعتمدت فيه على ميليشيات أجنبية ودعم جوي روسي، واستطاعت فصل حلب وريفها القريب عن المنطقة الشمالية، وأمست مدن تل رفعت ومارع واعزاز بحكم المحاصرة من ثلاث جهات.
وفي الخامس عشر من العام المذكور، سيطرت “قوات سوريا الديمقراطية” على تل رفعت، عقب معارك ومواجهات مع من تبقى من فصائلها، والتي أنهكها مواجهة ثلاثة أطراف حينها (داعش شرقًا، قوات الأسد جنوبًا، الوحدات الكردية غربًا)، في ظل نزوح معظم سكانها نحو الحدود مع تركيا.
المصدر: عنب بلدي