الثورة السورية واغتيال الرموز .. بقلم أحمد زيدان

22 أبريل 2018آخر تحديث :
علم الثورة السورية
علم الثورة السورية

من أخطر ما تعرّضتْ له الساحة الإسلامية خلال العقود الماضية ظاهرة ضرب الرموز واغتيالها، لتبقى الساحة صحراء قاحلة لا أشجار فيها، ولا رموز قادرة على جمع الشباب حولها، مما يسهّل التشريق فيها والتغريب، إن كان باختراق خارجي أو داخلي، أو بإفنائها في معارك دنكشوتية أقرب ما تكون إلى معارك قطّاع الطرق ما دامت تفتقر إلى العقل الذي يديرها، والاستعاضة عنه بالعضلة المسلحة التي تملكها هذه الفصائل..

أذكر في هذا المضمار ما نقله لي أحد المسؤولين الأفغان حديثًا دار بين مدير المخابرات الأفغانية ورئيسه، يوم عيّنه في منصبه، سأل مدير المخابرات رئيسه ماذا تريد مني كنقطة أساسية خلال فترة إدارتي، فردّ عليه الرئيس ألّا يكون هناك نظير لي، فقد حسم الرئيس المخاطر التي تتهدده وهي الخشية من البديل. ولذا نرى الاستبداد يحارب أكثر ما يحارب الرموز، ولعل الرمزية الدينية تأتي على رأس ما يخشاه الاستبداد، نظرًا لقدرتها على الحشد والتعبئة والالتفاف حولها شعبيًّا، نظرًا لمقبوليتها عنده، كما قرر ابن خلدون في مقدمته…

إسقاط الرموز تقوم به دوائر عدة، بعضها بمكر وخداع، وبعضها الآخر بغباء، وما يعنينا هنا الطرف الثاني، ما دام الطرف الأول مكشوفًا ومعروفًا أمام الجميع، فكثير من أتباع جماعات إسلامية درجت على أن ينكب أتباعها على كتب محددة دون أن تكلف نفسها عناء الدرس على أيدي شيوخ وعلماء من غير فصائلها، وبالتالي كان شيخهم الكتاب، وهو ما يفتقر إلى روح الشريعة وروح الدين وروح العمل الإسلامي المتقبل للآخرين والمتّسم بالاعتدال وعدم التشنج والتشدد، وحرصت بعض هذه الجماعات على إغلاق أبواب بيوتها على شبابها أمام علماء آخرين، فكان لدينا ربما لأول مرة في التاريخ الإسلامي شرعيّ الفصيل أو الحزب أو الجماعة، وبعد أن كان العالِم والشيخ عبر التاريخ الإسلامي يهرب من السلطان وشؤونه خشية أن يقع في خانة التبرير له، وليُبقي الفتوى بعيدة عن التسييس والهوى السلطاني، وجدنا هذه الأيام يتماهى الشرعيّ مع قائد فصيله، بل والأنكى من ذلك يُفتي له بالقتل والقتال للطرف الآخر، ورأينا ما هو أسوأ من ذلك كله، وهو أن القائد العسكري والسياسي للفصيل يرضى بتسوية النزاع مع إخوانه من الفصائل، بينما يعارض ذلك الشرعيّ الذي ينبغي أن يكون من أكثر الشخصيات حرصًا على حقن الدماء وتوفير الجهد، فيصدُق فيه قول القائل: رضي القتيل ولم يرضَ القاتل.

الحل هو أن يعود العالِم والشيخ كما قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه ورحمه الله إلى محرابه وتعليم طلبته وتثقيفهم، ويتعالى العلماء والشيوخ بالتالي عن الفصائلية، ليكونوا بذلك شرعيّي الأمة وليس شرعيًّا فصائليًّا أو حزبيًّا، فكما أن الإسلام لا يتبعض ولا يتجزأ فكذلك الشرعيّ لا يمكن أن تكون فتاويه مجزأة ومبعّضة لفصيل دون آخر، وبلد دون ثان. وهمسة أخيرة للشباب، فإن ما يحز بالنفس هو لجوء بعض الأتباع إلى استفتاء علماء بلد بعيد كل البعد عن البلد الذي يقيمون فيه، ممن عرفوا مشاكله وتفاصيل أوضاعه، والتي يجهلها من هو بعيد عنهم، والأغرب من ذلك أن يسارع المفتي البعيد عن مناط القضايا بالرد على هذه الفتوى التي كان علماؤنا يهربون منها، فيزيدون بذلك مشاكل ومتاعب البلد ويحطمون رموزه من حيث علموا أو جهلوا..

تصرفات كهذه أدت إلى إسقاط رمزية العلماء والشرعيّين، فغدت كل جماعة فرحة بشرعيّيها، وحريصة كل الحرص على إسقاط رموز الجماعة أو الفصيل الآخر، دون اعتبار لمكانة العلماء والشرعيّين، بعد أن رضي الكثير منهم للأسف أن يكونوا في هذه الوضعية المزرية.

بقلم: د. أحمد موفق زيدان / صحيفة العرب

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.