تركيا تتسلح بالشرعية الدولية لمواجهة “نوايا مبيتة” تحيط بقرار الهدنة في سوريا

2 مارس 2018آخر تحديث :
تركيا تتسلح بالشرعية الدولية لمواجهة “نوايا مبيتة” تحيط بقرار الهدنة في سوريا

دعت تركيا اليوم الولايات المتحدة إلى قراءة قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بفرض هدنة إنسانية في سوريا رداً على دعوة مماثلة وجهتها الأخيرة لأنقرة، في حلقة جديدة من سلسلة الجدل المتواصل بين البلدين بشأن شمول الهدنة الدولية منطقة عفرين وعملية غصن الزيتون.

ومنذ اللحظة الأولى لصدور القرار الدولي رقم 2401 السبت الماضي، برزت تساؤلات حول ما إذا كان يشمل عفرين، رغم أنه جاء في سياق وضع حد للمجازر التي يواصل النظام السوري وحلفاؤه ارتكابها في الغوطة الشرقية بمحافظة ريف دمشق، بدليل أن التصريحات الدبلوماسية التي رافقت صياغة القرار وتلت صدوره لم تتعرض إلا لقضية الغوطة.

وبعيد صدور القرار الدولي، أعلنت الخارجية التركية ترحيبها بالقرار الداعي لتطبيق هدنة إنسانية في سوريا تستمر 30 يوماً، بالتوازي مع عزم تركيا مواصلة الحرب على الإرهاب وتنظيماته التي تشكل خطراً على الأمن القومي التركي ووحدة الأراضي السورية، في إشارة إلى تنظيم “ب ي د/ي ب ك” الإرهابي.

وبذلك حسمت أنقرة موقفها من القرار وتفسيرها له، وعكست ثقتها بأن موقفها الذي يتضمن استمرار عملية غصن الزيتون في عفرين بوصفها جزءاً من مكافحة الإرهاب الدولي والعابر للحدود، وأيضاً بالاستناد إلى الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، لا سيما المادة الـ 51 من الميثاق، التي تمنحها حق الدفاع عن النفس في مواجهة المخاطر التي تهدد حدودها وأمنها القومي.

إلا أن الغرب كان يبيت النية، على ما يبدو، لاستغلال القرار بنصه “الفضفاض” لممارسة الضغط على تركيا، بشأن عملية غصن الزيتون، بهدف الانتقاص من شرعيتها، وتصويرها على أنها مخالفة للقوانين الدولية.

فالرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي كان قد ألمح، قبل فترة، إلى احتمال أن تكون العملية التركية في عفرين “احتلالا” وأن فرنسا تعارضه في حال كان كذلك، قبل أن يتراجع عن هذه التصريحات، أجرى اتصالاً هاتفياً بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبحث معه تداعيات قرار الهدنة في سوريا.

بيان الرئاسة الفرنسية الذي نص على أن ماكرون أبلغ نظيره التركي بأن القرار الدولي يشمل منطقة عفرين أيضاً جرى تكذيبه في بيان للخارجية التركية، نفت فيه أن يكون ماكرون قد تطرق إلى هذا الموضوع في محادثته مع أردوغان.

وبعد يوم من التصريح الفرنسي، دخلت الولايات المتحدة على الخط، حيث دعت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت، تركيا إلى “قراءة القرار جيداً”، زاعمة أنه يشمل عفرين وعملية غصن الزيتون.

تركيا أعدت نفسها

الرد التركي على التصريحات الأمريكية لم يتأخر، ومن الواضح أن تركيا منذ تعليقها الأول على القرار وترحيبها به كانت قد أعدت نفسها وحشدت حججها للرد على أي محاولة لإسقاطه على حالة عفرين وعرقلة عملية غصن الزيتون من خلاله.

فقد اعتبر المتحدث باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي، أنها “لا تستند إلى أي أساس” وأنها “محاولة لتحريف محور ذلك القرار”، مذكراً بأن تركيا ليست طرفاً في الصراع الدائر داخل سوريا، وأنّ عملية غصن الزيتون الجارية في عفرين، تعتبر حقاً مشروعاً لتركيا استناداً إلى المادة الـ51 من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بحق الدفاع عن النفس.

وحثت الخارجية التركية واشنطن على العمل على إنقاذ الأبرياء من هجمات النظام السوري، بدل الإدلاء بتصريحات داعمة للإرهابيين، مؤكدا أنّ تركيا ستواصل العمل من أجل تخفيف معاناة السوريين.

بدوره، علق المتحدث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، على الموقف الأمريكي بالقول: “قراءتنا واضحة (للقرار)، ويبدو أن المتحدثين الأمريكيين هم الذين لا يقرؤون جيداً، وسيكون مفيداً لو أعادوا قراءته”.

وبالنظر إلى أن القرار الدولي لم يطبق ولو جزئياً، بشهادة الكويت، الرئيس الحالي لمجلس الأمن، وأحد رعاة القرار، فإن أنقرة لا تجد نفسها حتى الآن في موقف محرج بسببه، وتدرك جيداً أن توازن القوى على الأرض، وعلاقات تركيا المتشابكة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران، وما يمكن أن ينتج من ذلك من تفاهمات مقبولة لدى جميع الأطراف، هي فقط ما يمكن أن يعيد تشكيل المسار الميداني في سوريا، وليس القرار الدولي بتفسيراته المتباينة.

ويرى الباحث في الشؤون الروسية التركية، د. باسل الحاج جاسم، أن القرار الدولي “فضفاض” و هو ما أتاح المجال لكل طرف معني ليس فقط بالقرار وإنما أيضاً بالملف السوري لتفسير ذلك القرار بحسب وجهة النظر التي تدعم مواقفه و تحركاته حيال سوريا.

ويضيف الحاج جاسم، في تصريح خاص لـ”ديلي صباح” أنه “لو لم يكن هذا القرار فضفاضاً لما كانت موسكو بالأصل مررته وسمحت له أن يبصر النور”.

نوايا مبطنة

وعلى الرغم من أن القرار يشمل ظاهرياً عموم الأراضي السورية، بحسب الحاج جاسم، فإن الغوطة الشرقية كانت القضية الملحة التي دفعت لعقد مجلس الأمن و ليس بسبب مناطق أخرى في سورية تم عقد الجلسة.

ويوضح الحاج جاسم أنه “باطنياً كانت بعض الأطراف تريد من هذا القرار عرقلة التقدم التركي في عفرين، وهذا ما كشفه علناً كلام الرئيس الفرنسي، الذي يبحث عن موطئ قدم لبلاده في سوريا بأي شكل من الأشكال”.

وأضاف: “تركيا عندما تحركت في عفرين أطلعت الدولة المعنية بالملف السوري و الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن وبعض الدول العربية، على الأسس القانونية والقرارات الدولية التي استندت إليها في عمليتها”، معرباً عن اعتقاده بأن شيئاً لم يتغير منذ انطلاق العملية حتى صدور القرار.

واستشهد الباحث في العلاقات التركية – الروسية بالعمليات التي تشنها تركيا في شمال العراق “وفق نفس الأسس القانونية ضد نفس تلك المجموعات المصنفة إرهابية في قوائم الناتو”.

غصن الزيتون تسعد موسكو

وبخصوص روسيا، وخلافاً لكل ما هو معلن، بحسب د. باسل الحاج جاسم، حظيت تحركات تركيا العسكرية في عملية غصن الزيتون في عفرين، وربما في منبج في القريب العاجل، بموافقة هيئة الأركان الروسية، في زيارة حقان فيدان رئيس الاستخبارات التركية وخلوصي أقار رئيس الأركان التركي لموسكو الشهر الفائت، والتي تكللت بالانسحاب الفوري للجنود الروس من عفرين.

ويرى الحاج جاسم، في حديثه لـ”ديلي صباح”، أن “موسكو لا تضع حالياً في حساباتها التصدي عسكرياً لأدوات الولايات المتحدة في سوريا، وتصرفت بحنكة حين تركت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، تتولى تلك المهمة”.

ويتابع: “من سوء حظ واشنطن أن وجود أي مجموعات مسلحة معارضة لدمشق (بما فيها المجموعات الانفصالية) على أراضي الجمهورية العربية السورية لا يخدم روسيا، وهذا يجعل عملية غصن الزيتون التركية في عفرين تسعد موسكو”.

ومنذ أن أعلن مسؤولون أمريكيون تأسيس جيش من إرهابيي “ب ي د” أو ما سموه قوة حرس حدود، عبرت موسكو عن قلقها من هذه التحركات الأمريكية وسلوكها الذي ينم عن نوايا لتقسيم سوريا وتعزيز النزعة الانفصالية، وأنها هي التي استفزت تركيا ودفعتها للقيام بعمل عسكري.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.