عندما دفع القتال باهر دياب للخروج من منزله في جنوب إدلب الشهر الماضي كانت هذه هي المرة الرابعة التي ينزح فيها مع أسرته منذ بداية الصراع في سوريا الذي لا تلوح نهايته في الأفق.
فقد انتقل دياب من منزله الذي كان يقيم فيه قبل الحرب على الحدود اللبنانية باتجاه الشرق ثم باتجاه الشمال بحثا عن الأمان وأخيرا لجأ إلى منطقة قرب الحدود التركية حيث يأمل أن تحظى زوجته وأطفاله بالأمان من الضربات الجوية والهجمات البرية.
وقال في مخيم مؤقت على مسافة بضعة كيلومترات من الحدود “كل مرة أصل فيها إلى مكان جديد أبني بيتا لكننا نجبر على تركه للانتقال مرة أخرى”.
وأضاف “هذه خيمتي هناك، هذا منزلي. بعد أربعة منازل، نقبل بالعيش على الأغطية في الشتاء”.
ودياب جزء من موجة السوريين الفارين من هجوم شنته قوات الحكومة السورية وحلفاؤها، قال العديد من سكان مخيم كلبيت إنه شمل أعنف قصف شهدوه منذ بداية الحرب قبل نحو سبع سنوات.
وإدلب هي أكبر منطقة مازالت تحت سيطرة المعارضة في سوريا وزاد عدد سكانها بوصول مسلحين ومدنيين انسحبوا من معاقل أخرى للمعارضة. وأثقل نطاق الاضطرابات الأخيرة كاهل السلطات المحلية في إدلب التي يسيطر عليها إسلاميون.
وتقول السلطات المحلية إن نحو 36 ألف أسرة شردت فر نحو نصفها إلى منطقة الحدود التركية. وقالت الأمم المتحدة هذا الأسبوع إنها رصدت 212 ألف نازح في الشهر الماضي وحده لكن بعضهم قد يكون أحصي أكثر من مرة خلال الرحلة.
وتقول تركيا المجاورة، التي تستضيف بالفعل ثلاثة ملايين لاجئ، إن المزيد من القتال قد يثير موجة نزوح ضخمة أخرى. لكنها بنت جدارا على امتداد الحدود وشددت الرقابة على المعابر تاركة عشرات الآلاف من السوريين قرب الحدود لا يجدون مكانا آخر يفرون إليه.
وقال دياب الذي وصل إلى مخيم كلبيت قبل نحو ثلاثة أسابيع إن الناس يعانون من البرد والطقس الرطب وانتشار الأمراض. لكن بالمقارنة بمنزله السابق في بلدة سنجار في إدلب، حيث كان الناس يعيشون في رعب بسبب الضربات الجوية اليومية، يشعر الناس بالأمان.
وقال “منطقة الحدود التركية أكثر أمانا… أينما كنا من قبل، كنا نسمع أزيز الطائرات 20 مرة في اليوم. كان الأطفال والنساء يشعرون بالرعب”.
* خمس أسر في خيمة واحدة
وقال رجل آخر خرج من سنجار إن الهجمات البرية والجوية التي كانت تشنها قوات موالية للرئيس بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران كانت الأعنف التي شهدها.
وأضاف الرجل (43 عاما) وهو أب لستة أبناء وأورد اسمه الأول فقط وهو عبد الحميد “شهدنا مواقف قتل فيها مدنيون ولكن ليس مثل هذا… هذه هستريا تصل إلى مستوى الجنون. هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها مدنيين يستهدفون في مدارس ومساجد وأحياء كاملة”.
وقال عبد الحميد إن منزله في سنجار دمر وإنه فقد الاتصال بأقاربه أثناء رحلته التي استمرت ثلاثة أيام إلى الحدود.
وأضاف “أبناء عمي لا أعرف عنهم شيئا. وكذلك شقيقاتي وأشقائي وأزواجهم، لا أعلم أين هم”.
وبجوار الأغطية البلاستيكية الزرقاء والأقمشة التي يتشكل منها المخيم أقام الهلال الأحمر التركي 500 خيمة جديدة ستجهز قريبا لاستقبال الأسر.
لكن حسن درويش المسؤول بالسلطة المحلية التي تدير منطقة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة قال إنهم بحاجة ماسة لمزيد من الغذاء والمأوى لدعم النازحين.
وقال إن منطقة كلبيت بها 1300 أسرة نازحة 300 منها لا يوجد مكان لتسكينها بالمخيم. وأضاف أن هناك في المنطقة الحدودية الواسعة 71 ألف أسرة نازحة.
ويساعد برنامج الأغذية العالمي في إطعام عشرات الألوف لكن درويش قال إن مخصصاته لا تغطي سوى أقل من نصف الاحتياجات.
وأضاف “النازحون من كل المحافظات (في سوريا) لا يجدون مكانا يذهبون إليه سوى هذه المنطقة. لكن هذه المنطقة لا يمكنها استيعاب المزيد من الناس” وتابع “في عدة مخيمات تجد خمس أو ست أسر في خيمة واحدة”.
وسوف يزداد التكدس سوءا إذا استمر الجيش وحلفاؤه في التقدم من جهة الجنوب.
وقال راكان خليل الذي نزح هربا من العنف أول مرة قبل ست سنوات إنه إذا أتيحت له الفرصة فسوف يعبر الحدود إلى تركيا لكنه لا يرى فرصة للقيام بهذه الرحلة القصيرة مع زوجته وأبنائه الأربعة وابنتيه.
وقال “أغلقوا الحدود، الأمر صعب بالنسبة لنا”.
وقرب معبر باب الهوى من سوريا إلى تركيا تلخص لافتة كبيرة في وسط الطريق الشعور بالحصار في المنطقة التي يسيطر عليها الإسلاميون.
وتقول اللافتة “جميع المعابر والطرق قد تغلق إلا الطريق إلى الله”.
المصدر: رويترز